يتزايد عدد المسلمين في أوربا وكندا عاماً بعد عام، بسبب الهجرات المبرمجة لتناقص اليد العاملة الأوربية البيضاء المتوسطة والدنيا، واستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين من شتى أنحاء العالم بمختلف أطيافهم وأجناسهم وأديانهم، ولولا ثقة الدول الأوربية بهم؛ لما استقدمتهم وسهلت إقاماتهم، بمن فيهم المسلمون، بعكس ما يشاع بما يسمى “الإسلاموفوبيا” وربط المسلمين بالإرهاب، بل نرى دعماً سيادياً مثل الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا، الذي يرأس مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية شرفياً، وعلاقته الوطيدة بالمراكز الإسلامية، ومشاركة رئيس وزراء كندا فطور رمضان في المسجد، وحضور المحافظين ورؤساء الشرطة والبلديات لجميع فعاليات المراكز الإسلامية.
ويستلزم هذا التواجد الإسلامي المتزايد تدريجياً في أوروبا وكندا تقديم المزيد من الثقة للسلطات المحلية، وضرورة التعايش مع المجتمع الغربي بمختلف مؤسساته، مع المحافظة على القيم والدين والأخلاق.
إلا أن العديد من المراكز الإسلامية تعيش أجواء الشرق بخلافاتها وثقافتها، مما يشكل حاجزاً لذلك الاندماج، بل وحتى التعاون فيما بينهم لأسباب مختلفة، معظمها بسبب الموروث الثقافي.
كما أن معظم المراكز الإسلامية ما زالت تعتمد في ميزانياتها على دول الخليج، التي بدأ التضييق على العمل الخيري فيها يزداد لأسباب سياسية وأمنية، فتتأخر المشاريع والبرامج والمباني.
وعقد “الوقف الاسكندنافي” في مدينة مالمو جنوب السويد ورشة عمل حوارية جميلة حول هذا الموضوع، شارك فيها د. خالد المذكور، ود. عصام الفليج، وممثلو أكثر من 25 مركزاً إسلامياً في جنوب السويد، وأدارها أ. عادل مرعي، ولتعميم الفائدة أحببت أن أذكر أهم النقاط التي ذكرت في هذا المجال..
1- لا بديل عن الوقف: فمن الضرورة بمكان أن تهتم المراكز الإسلامية بتأسيس أوقاف خاصة بها، تدر لها مدخولاً ثابتاً، تستغني به عن طلب الدعم من الخارج.
2- الدخول مع تجار: دخول التجار في العمل الإداري يساهم في تطوير العمل في المراكز الإسلامية، ويوفر مداخيل أكثر تساعد على تنشيط العمل (في العام الأول من مشاركتهم في مركز علي بن أبي طالب في لاكمبا في أستراليا؛ جددوا ديكور وفرش أكبر مسجد، وبنوا 5 أدوار خدمات ثقافية واجتماعية وتربوية في أرض مجاورة).
3- إدخال عنصر الشباب: فلا بد من مشاركة جميع الأجيال في العمل، فتكون الخبرة والاستشارة للكبار، ويكون التجديد والتطوير للشباب “خلقوا لزمن غير زمنكم”.
4- الاهتمام بالتعليم: بإنشاء مدارس للمسلمين، وتدريب المعلمين.
5- التعايش مع المجتمع الغربي: لقد أصبح المهاجرون مواطنين غربيين، استحقوا على هذه الجنسية حقوقاً، وعليهم واجبات، ولن يتحقق ذلك إلا بالتعايش في المناشط العامة، وخدمة المجتمع، والمشاركة الاجتماعية والإنسانية والرياضية.. وحتى السياسية (حصل د. هاني البنا على تكريم من الملكة إليزابيث للخدمات الإنسانية)، وهذا التعايش يبني ثقة، ويفتح آفاق التعاون والمحبة.
6- المحاضن التربوية: فبحكم بعض عادات وقيم بلاد الغرب، يحتاج أبناؤنا إلى جرعات تربوية من القرآن والسُّنة، لتحفظ لهم دينهم ولسانهم ولغتهم العربية، والذين سيكون بعد صقلهم أعضاء في المجتمع الغربي ومشاركين فيه بقيمهم، ويكون ذلك في مدارس السبت والأحد.
7- عدم خلط العمل السياسي بالعمل الدعوي: فالمراكز الإسلامية تركز على التربية والدعوة بشموليتها، وبالذات الإمام ينبغي أن يبتعد عن أي انحياز، لأنه ملك للجميع.
8- التنسيق بين المراكز الإسلامية: لتقليل مساحات الاختلاف، وتوحيد الجهود، والاستفادة من إمكانات الآخرين، وبالأخص في الأنشطة العامة، مع التزام قاعدة “الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية”.
وأسجل هنا تقديري للوقف الاسكندنافي في مالمو الذين فتحوا أبوابهم للإخوة في الرابطة بعد أن سحب صاحب المبنى مسجدهم، ودعوهم للاستفادة من مسجدهم الجديد، وجميع مرافق المركز، وكذلك التنسيق في صلاة العيد لتوحيدها بدل تشتت المصلين.
9- توحيد مرجعية الفتوى: ففي أوربا يوجد “مجلس الإفتاء الأوروبي”، فيه علماء أفاضل من العديد من دول العالم، وفي كل دولة رابطة للأئمة أو المفتين، فلا يكون ذلك على مستوى المدن والقرى والأقاليم، ولا ينبغي أن تتشتت الفتاوى في كل مسجد وزاوية، خصوصاً ممن هم حديثو عهد بالعلم أو بأوروبا، كما لا ينبغي استجلاب الفتاوى من الخارج ممن لا يعرف الوضع في أوروبا.
ولا يليق بالدعاة إذا لم يعجبهم رأي، اتهموا الآخرين بالحزبية والشللية وغيرها من التهم، فإذا اختلف المصلون في المسجد في أمر ما؛ يكون القرار الأخير للإمام، وكذا الأمور في الفتوى، ولم يخرج المتطرفون إلا من هذا الكبر برفض آراء العلماء.
وأخيراً؛ أدعو الجميع للاستفادة من الفرص المتاحة لهم لعيش حياة كريمة في أوروبا التي فتحت لهم أبوابها، والابتعاد عن النزاعات والخلافات، فالساحة تسع الجميع، ولا تنقلوا خلافاتكم وموروثكم السلبي من بلادكم، واحذروا الاختراق والافتراق، واحرصوا على الشباب، وثقوا ببعضكم، وتغافلوا عن اختلافاتكم، حتى لا نصل إلى اليوم الذي تضطر الدول الأوروبية لأن تتسلم منكم الأمور الدينية، وتفرض هي ما تريد عليكم.
والله يحفظكم.