توقفت الصحف الموريتانية (الحكومية والخاصة) عن الصدور للأسبوع الثالث على التوالي، جرّاء نقص الأوراق لدى المطبعة الوطنية الوحيدة في البلاد.
وغابت الصحف بشكل كامل عن مراكز التوزيع للأسبوع الثالث على التوالي، فيما لجأ قراء تلك الصحف للنسخ الإلكترونية، لمتابعة الأحداث اليومية في البلد.
ففي 20 ديسمبر 2017، قرّرت المطبعة الوطنية تعليق طباعة الصحف الخاصة، وبرّرت ذلك بنقص الورق لديها، قبل أن تعلق بعد ذلك بأيام طباعة صحيفتي “الشعب” و”أوريزون” الحكوميتين.
وبذلك تتوقف 25 صحيفة عن الصدور، فيما أغلقت مراكز توزيع الصحف الورقية، لينشغل صحفيو هذه الجرائد بتغذية المواقع الإلكترونية.
وللإشارة، فإن جميع الصحف الموريتانية تطبع في المطبعة الحكومية الوحيدة والعتيقة، التي بنيت قبل 50 سنة، في ستينيات القرن الماضي.
وتجاهلت الحكومة أزمة توقف الصحف عن الصدور وأزمة المطبعة المتفاقمة.
غير أن عضو مجلس إدارة المطبعة الوطنية، مولاي ولد أبحيده، يرجع أسباب القرار الذي اتخذته المطبعة بتعليق طباعة الصحف، إلى “عجزها عن توفير الأوراق بسبب ضائقة مالية تعيشها”.
وفي حديث مع “الأناضول”، اتهم ولد أبحيده، بعض المؤسسات الحكومية بالمساهمة في وصول المطبعة الوطنية إلى الوضع الذي وصلته الآن والذي باتت من خلاله عاجزة عن طباعة أي صحيفة بما في ذلك الحكومية.
وأشار إلى أن “جميع المؤسسات الحكومية تطبع أوراقها ووثائقها لدى المطبعة وتتلكأ في دفع مقابل لذلك، ما تسبب في تراكم ديون هذه المؤسسات المستحقة للمطبعة، وبالتالي عجز الأخيرة عن القيام بعملها”.
وأوضح ولد أبحيده، أن “مجلس إدارة المطبعة شكّل لجنة لحل الأزمة، غير أن التعاطي الحكومي معها لا يزال دون المستوى المطلوب”.
وأعرب عن أمله في “إيجاد حل سريع للموضوع وعودة المطبعة لعملها خلال الفترة القليلة القادمة”.
شبح الإفلاس
وأمام الوضعية الصعبة التي تعيشها المطبعة الوطنية، أبدى عدد من الإعلاميين خشيتهم من أن تكون هذه المؤسسة العريقة على حافة الإفلاس.
وقال نقيب الصحفيين، محمد سالم ولد الداه: إن “الحالة التي تعيشها المطبعة الوطنية يمكن القول إنها وضعية إفلاس”.
وحمّل ولد الداه، الحكومة المسؤولية عن الوضع الذي تعيشه هذه المؤسسة.
وأضاف: “من غير المقبول أن نترك المطبعة الوحيدة في البلاد تنهار على هذا الشكل، الحكومة هي المسؤولة عن هذا الوضع، ويجب أن تتدخل على الفور لإيجاد حل سريع”.
واعتبر نقيب الصحفيين، أن “توقف الصحف عن الصدور كل هذه الفترة يسيء لصورة الإعلام الموريتاني ويهدد مستقبل الصحافة الورقية التي تعاني أصلا من شح مصادر التمويل وضعف الإعلانات”.
القنوات الخاصة مغلقة أيضاً
وليست القنوات الخاصة في موريتانيا بأحسن حال من الصحف الورقية، إذ أوقف بث جميع القنوات الخاصة وعددها 5، في أكتوبر الماضي، بسبب ديون متراكمة عليها لصالح شركة البث العمومي الحكومية، قبل أن تعود واحدة منها قبل أسبوعين للبث وهي قناة “المرابطون”.
وتعاني الصحف والقنوات الخاصة، من قلة المنتج الإعلامي، وضعف سوق العرض الناجم عن تدني الكثافة السكانية (نحو 4 ملايين نسمة)، وغياب الاهتمام بالمخرجات الإعلامية، وفق خبراء وعاملين بالمجال.
وشهدت موريتانيا بعد تحرير الفضاء السمعي البصري منتصف عام 2011 ما يشبه “الثورة” في مجال الإعلام، فظهرت 10 قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية خاصة دفعة واحدة.
وظهرت حينها القنوات “شنقيط”، “دافا”، “المرابطون”، “الوطنية”، و”الساحل”، ويغلب عليها الطابع العام غير المتخصص، ومن أبرز المحطات الإذاعية “نواكشوط الحرة” و”التنوير”.
مظاهر أزمة متعددة
ورأى رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” أحمد ولد محمد المصطفى، أن “توقف الصحافة الورقية في البلاد عن الصدور ليس سوى مظهر من مظاهر أزمات متعددة تعيشها هذه الصحافة على أكثر صعيد”.
وأشار إلى أن “الصحف الورقية تعتمد على مطبعة وحيدة تجهيزاتها متهالكة، وتعمل منذ عقود، كما توجه مشكلة على مستوى التوزيع حيث تنعدم شركات التوزيع”.
وأضاف “وهو ما يحد من وصول الصحف إلى القارئ في أطراف العاصمة، والولايات الداخلية، وما يتم من ذلك يتم عبر طرق ذاتية وبجهود مضنية”.
واعتبر المصطفى أن “هذه الأزمات تعود في الأساس لطبيعة التعاطي الرسمي (الحكومي) مع المجال الإعلامي والذي يراوح بين التضييق على مستوى الحصول على المعلومات، وكذا مصادر الدعم والتمويل”.
وأردف: “الأخطر من ذلك رعاية التمييع من خلال فتح المجال أمام كل من يرغب ليقدم نفسه صحفيا، وليحمل عنوانا يزاحم به الصحف الجادة، ويشوش على أدائها المهني، ويلوث سمعة وألق رسالة صاحبة الجلالة”.
ونبّه المصطفى، إلى أن الصحافة في موريتانيا تحتاج لجهود متضافرة من الصحفيين أنفسهم، ومن الهيئات الصحفية، تدفع السلطات لتطبيق القوانين، ولمنح الإعلام الحقيقي الجاد ما يستحقه من دعم وتسهيلات، وتوفير ما يحتاجه من مؤسسات وتجهيزات.
وخلص للقول: “كل هذه الأمور وغيرها موجودة في خلاصات الأيام التشاورية للصحافة المنظمة العام الماضي، والتي تعهدت الحكومة بتطبيقها دون أن تفي بتعهدها الآن، كما أنها موجودة على لائحة مطالب نقابة الصحفيين الموريتانيين”.