استطلاعات الرأي الأمريكية أظهرت ميل الأغلبية لرفض سعي «ترمب» لنقل السفارة حتى قبل شهر من إعلانه
من المستغرب صمت الجهات الاستطلاعية الأمريكية بعد أكثر من أسبوعين من الإعلان!
أغلب الصهاينة يعارضون أصلاً أن يكون لهم شريك في القدس حتى لو أيَّد أغلبهم حل الدولتين
في عامي 1999 و2000م بينت نتائج الاستطلاعات أن 65 – 70% أعربوا عن معارضتهم تقسيم المدينة
بين عامي 2004 و2014م عارض 60 – 65% عودة فلسطينيين إلى الأحياء العربية وارتفعت نسبة التأييد للتقسيم
أعمال المقاومة تؤثر على قبول الرأي العام الصهيوني بخيارات أقل تشدداً في «القدس الموحدة»
44% من اليهود الأمريكيين مع عدم نقل السفارة و36% مع نقلها لاحقاً و16% مع نقلها فوراً
الغالبية العظمى من الفلسطينيين يرون قرار «ترمب» تهديداً للمصالح الفلسطينية ويتطلب رداً مناسباً
كما كان متوقعاً في مقال سابق بمجلة «المجتمع» قبل سبعة شهور في مارس الماضي بأن «ترمب» وإدارته ستخالف الرأي العام الأمريكي حول القدس، ولن تلتفت لرأي شعبها ولا للرأي العالمي، ولا حتى لقرارات الأمم المتحدة ورغبة شعوب العالم، وأعلن في 6 ديسمبر 2017م بأن القدس عاصمة «إسرائيل» وسينقل لها مقر السفارة الأمريكية!
بخطوة لم يجرؤ عليها الرؤساء من قبله، انتصر «ترمب» المتهور لنفسه وللعنصريين والمتطرفين واللوبي الصهيوني، والفئة الأكثر من الجمهورين وأعلن قراره المشؤوم حول القدس.
لقد بينت استطلاعات الرأي الأمريكية -برغم قلتها- ميل الأغلبية لرفض ما أعلنه «ترمب» حتى قبل شهر من إعلانه كما في استطلاعات رأي برنامج «استطلاعات الرأي في القضايا الحرجة» Critical Issues Poll الذي نفذته جامعة ميرلاند University of Maryland
مع شركة نيلسون and the Nielsen Scarborough، حيث رفض ثلثا الشعب الأمريكي تقريباً نقل سفارتهم للقدس فوراً، وموافقة الثلث على ذلك، وبالطبع فإن الجمهوريين هم أكثر موافقة من الديمقراطيين والمستقلين على النقل.
وإذا كانت استطلاعات الرأي سابقاً لم تهتم بالقدر الكافي بموضوع القدس وبما يليق بأهميتها قبل إعلان “ترمب”، فمن المستغرب هذا الصمت والبرود من الجهات الاستطلاعية الأمريكية حتى كتابة هذا المقال؛ أي بعد أكثر من أسبوعين من الإعلان! وكما لاحظ الكاتب Eric Zuesse في “Global Research” ذلك أيضاً! باستثناء استطلاع من شبكة “سي إن إن” يظهر نتائج متقاربة في رفض الأغلبية البسيطة لنقل السفارة، وربما يكون لهذا أسباب عدة تحتاج لتفكير ورصد، منها أن الإعلام الأمريكي لم ينشغل بهذا القرار بالقدر الكافي برغم علاقته المتوترة مع “ترمب”.
وربما يكون لتوالي القرارات الداخلية التي تهم الشعب الأمريكي أكثر، ولا سيما الإرهاصات التي سبقت إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لخطة “ترمب” بتخفيض الضرائب كما وعدهم مع السنة الجديدة، إضافة لأجواء الإجازات وأعياد الميلاد، لكنه من غير المتوقع أن تستمر حالة الصمت الاستطلاعي كثيراً بعد قرار إدانة “ترمب” من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 128 عضواً بسبب قراره بشأن القدس.
الرأي العام اليهودي
أما بخصوص الرأي العام اليهودي «الإسرائيلي» (الصهيوني)، فيبدو أن القدس عاصمة لدولتهم مسألة منتهية من طرفهم، ولذا لا تجد لهذا السؤال حضوراً يذكر في استطلاعات الرأي؛ فأغلبهم يعارضون أصلاً أن يكون لهم شريك في القدس حتى لو أيَّد أغلبهم حل الدولتين، لذا ظهرت وما زالت تظهر شعارات مثل: «العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل»، «القدس الموحدة»، «القدس الكاملة»، «القدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودي»، «سلام مع القدس»، وغيرها.
وحينما تتبعت الباحثة Zipi Israeli، رئيسة مشروع المجتمع الصهيوني والرأي العام في معهد دراسات الأمن القومي، سلسلة زمنية طويلة من استطلاعات رأي الصهيونيين بهذا السياق، بينت أنه لسنوات طويلة رأت الأغلبية أن القدس الموحدة جزء لا يتجزأ، وعارضت تقسيم المدينة، فخلال السنوات 1994 – 1998، رأى 80% من المشاركين في استطلاع “مؤشر السلام” أن القدس يجب أن تبقى موحدة وعارضوا تقسيمها، بما في ذلك ضمن إطار اتفاق شامل بين “إسرائيل” والفلسطينيين! وقد بقيت نسبة المعارضين مرتفعة أيضاً عندما جرى طرح قضية التقسيم كما لو أن اتفاق السلام مرتبط بها فقط.
وفي السنتين 1999 – 2000م بدأ تحول في الرأي العام؛ حيث بينت النتائج أن قرابة 65 – 70% من الذين شملهم استطلاع “مؤشر السلام” واستطلاعات معهد أبحاث الأمن القومي أعربوا عن معارضتهم تقسيم المدينة.
وفي فترة الانتفاضة الثانية أيضاً، عندما سئل “الصهيونيون” عن موقفهم حيال خيار الانفصال الأحادي الجانب، وعلى الرغم من أن السؤال حدد بوضوح أن “هدف تقسيم القدس هو تقليص الإرهاب”، فإن 70% من الجمهور بقي معارضاً لفكرة فصل مدينة القدس.
وخلال السنوات 2004 – 2014م برز استقرار في الرأي العام الصهيوني؛ فمن جهة عارض 60 – 65% من الجمهور عودة فلسطينيين إلى الأحياء العربية، ومن جهة أخرى ارتفعت نسبة التأييد لتقسيم القدس، عندما طرحت المسألة كشرط للتوصل إلى اتفاق ضمن إطار صفقة شاملة.
المقاومة والرأي الصهيوني
في صيف عام 2014م تدهور الوضع الأمني في القدس على أثر استشهاد الشاب أبو خضير على يد نشطاء من اليمين الصهيوني المتطرف، حيث ازدادت الهجمات التي نفذها فلسطينيون من إلقاء زجاجات حارقة ورشق حجارة وحوادث دهس وإطلاق نار، خلال تلك الفترة ظهر شعار «الحرب على القدس»، وبينت استطلاعات الرأي تطوراً مهماً على أثر هذه الأحداث التي حدثت في عامي 2015 و2016م؛ إذ أظهر استطلاع جرى فور بدء موجة التصعيد أن 69% من الجمهور مهتم بالانفصال عن الأحياء العربية في شرقي المدينة! وهو ما أشار إلى تحول في توجهات الرأي العام، وكأن أغلبية الصهيونيين تعتقد أن الواقع القائم إشكالي ومن الصعب استمراره إلى ما لا نهاية، لذلك فهي اليوم أكثر انفتاحاً من الماضي على أفكار جديدة، وما ينسجم مع قبول الأغلبية بحل الدولتين (نحو 65% من مؤيدين)؛ وهو ما يشير إلى أن الصهيونيين معنيون بالانفصال عن الفلسطينيين مع حرصهم على المحافظة على الأمن وتقليص الاحتكاك ولا سيما في وضع القدس المعقد، ولذا يزداد تأييد الصهيونيين لفكرة تقسيم القدس والتخلي عن المدينة الموحدة إذا كانت جزءاً من صفقة شاملة للتوصل إلى اتفاق.
وكما يبدو، فإن أعمال المقاومة من الفلسطينيين والاحتكاكات تؤثر على قبول الرأي العام الصهيوني بخيارات أقل تشدداً في “القدس الموحدة”، وأكثر مرونة لقبول تقسيمها بين الفلسطينيين واليهود؛ لذا فقد يُستخلص من ذلك -كما أشارت الباحثة الصهيونية- توصية لدعم خيار التقسيم واستثمار تأثير الأحداث غير المستقرة على الرأي العام؛ لأنه في أوقات الطوارئ تحديداً تزداد فرص التغيير نحو التقسيم، وبالمقابل فإنه كلما استمرت فترة الهدوء زاد تأييد الرأي العام لفكرة المدينة الموحدة.
موقف اليهود الأمريكيين
أما ما يتعلق باليهود الأمريكيين، فقد جاء في آخر نتائج لاستطلاع الرأي السنوي لليهود الأمريكيين الذي نفذته شركة «SSRS” لصالح الجمعية الأمريكية اليهودية في أغسطس 2017م أعلنت نتائجه في سبتمبر 2017م (https://www.ajc.org/survey2017) بأن أغلبهم يرفض نقل السفارة الأمريكية فوراً، حيث جاء في السؤال: “فيما يتعلق باحتمالية نقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” من تل أبيب للقدس، أياً من هذه الأعمال تؤيد؟”.
وقد جاءت النتائج أن 16% أيَّد نقل السفارة للقدس فوراً، و36% أيَّد نقل السفارة للقدس لاحقاً مع التقدم في محادثات السلام، و44% اختار عدم نقل السفارة، وكانت نسبة غير المتأكدين 4%، وبالطبع فإن هذه النتائج التي تبين انقساماً في موضوع نقل السفارة للقدس، فإنها أيضاً تدل على رأي غير متشدد لليهود الأمريكيين مقارنة بيهود الكيان الصهيوني.
الموقف العربي
أما على مستوى الرأي العام العربي، فقد نفذ المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استطلاعاً للرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة بين 7 و10 ديسمبر 2017م؛ حيث أجري الاستطلاع بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي «ترمب» عن اعترافه بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل»، وأثناء اندلاع مواجهات شعبية محدودة في العديد من المواقع في الضفة والقطاع، وقد نفذ الاستطلاع من خلال مقابلات ميدانية وجهاً لوجه مع عينة عشوائية من الأشخاص البالغين 1270 شخصاً، وذلك في 127 موقعاً سكنياً، وقد بينت النتائج أن الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني ترى قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» تهديداً للمصالح الفلسطينية ويتطلب رداً مناسباً من الطرف الفلسطيني.
وكما بدأ بعض المستطلعين العرب مشروعاً سريعاً في معرفة رد فعل الشارع العربي والإسلامي على القرار يشمل أكثر من عشر دولة عربية، ومن المتوقع أن تعلن نتائجه خلال الأيام القادمة.
تعكس هذه الاختلافات الجوهرية المتنوعة في نتائج الرأي العام حول زهرة المدن القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها جحم التضاد في التوجهات والآراء في هذا الموضوع الشائك من مواضيع الصراع العربي الصهيوني والظلم المستمر على الطرف العربي الفلسطيني؛ بما ينذر بزيادة تعقيد للصراع وتبخر أحلام سلام غير عادل.