إذا كان لقائي الأول مع المنشد الكويتي مشاري العرادة، رحمه الله، لا يُنسى، فهو بعد موته درس حي ومتواصل لقوة كلمات وتأثير مشاري وإخوانه، ممن يجاهدون ويقودون أجيالاً بحروفهم وأناشيدهم فيهدي الله بهم.
كان ذاك اللقاء في ليلة جميلة من ليالي شتاء صحراء الكويت، بدعوة من زميل الخير والإنسانية عبدالرحمن المطوع، حيث دعاني للحديث مع هؤلاء النخبة عن مواضيع البحوث ودراسات الرأي العام بالكويت والعمل الخيري، وكان مشاري من بين هؤلاء، ولم أكن أعرفه شخصياً ولا حتى اسمه من قبل، ولكن أنشودته “فرشي التراب” محفورة في ذاكرتي.
في نهاية اللقاء دار حديث أوسع للتعريف بالحضور، ومر اسم مشاري عليَّ مرور الكرام دون لفت نظري، ولكن ما إن قال صديقنا: إن هذا صاحب أنشودة “فرشي التراب”؛ حتى أصبت بذهول وشعور القزم أمام العملاق، وطلبت التصوير معه، وقلت له ممازحاً: إن أناشيدك أهم من أبحاثنا!
تذكرت ما قاله لي أحد المستشارين حينما شارك بدراسة لصالح وزارة الأوقاف الكويتية قبل سنوات وكان من أبرز نتائجها مدى تأثر الشباب بالأناشيد بغض النظر عن طبيعة التأثر سلباً أو إيجاباً!
هكذا لقوة وعمق كلماتهم في حياتهم وبعد رحيلهم ذات الأثر الممتد الذي شاهده العالم وحتى اختاره جمهور فضائية كبرى كشخصية الأسبوع متفوقاً على غيره، كدلالة لها رمزيتها وأهميتها بدور مشاري وأمثاله.
في حياة مشاري دروس ومواعظ بثها بأنشودته ذائعة الصيت والأثر، وفي موته عبر أعمق دقت أعماق نفوسنا، وكل من يعمل بالكلمة منتجاً وناشراً وكاتباً وقارئاً بأن كلماتنا إما لنا وإما علينا، فهنيئا لكل من خط قلمه ونطق لسانه بخير فوعظ ورفع ظلماً وقاوم عدواناً، فكانت جوارحه شاهداً له، لا شاهداً عليه.
المصدر: صحيفة “الأنباء”.