في وقت متقارب، دشن الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، بدء معركته الانتخابية للفوز بعرش مصر، بعد ساعات قليلة من إعلان عبدالفتاح السيسي، الرئيس الحالي لمصر، الذي يوصف من خصومه بغير الشرعي، قرار ترشحه لنيل مدة رئاسية ثانية؛ ما أشعل مناخ الانتخابات بصورة لحظية خاصة مع دخول خالد علي، الحقوقي المصري البارز، في مرحلة استكمال توكيلاته الشعبية لضمان خوض الانتخابات المقررة في مارس المقبل، فيما أكد قيادي معارض استمرار توجه تحالفات دعم الشرعية ورفض الانقلاب علي مواقفها الرافض للانتخابات بالأساس.
خطاب التغيير
في الساعة الأولى من صباح اليوم السبت، وعبر كلمة متلفزة لعنان نقلتها صفحة حملته الانتخابية تشي بدلالة واضحة عن عدم امتلاك معارضي النظام لوسائل مناسبة وعادلة للترويج لبرامجها وخطواتها في مقابل احتفاء واسع ومتابعة كبيرة لكلمة السيسي في ختام مؤتمر “حكاية وطن”، وبينما كان إعلان عنان جالساً على مكتب يقرأ من ورقة بيده قابله إعلان السيسي في مؤتمر بالقاهرة حضره رموز الدولة.
عنان قال بوضوح: إنه يتقدم بهذه الخطوة “لإنقاذ الدولة المصرية”، بينما روج السيسي في خطابه لتجربته التي وصفها بالعظيمة وشعارات حفاظه على الدولة المصرية قائلاً: التجربة عظيمة.. والحق أقول: إن البطل الحقيقي لمعركة الحفاظ على الدولة المصرية والدفاع عنها وعن مقدراتها وإعادة بنائها إنما هم المصريون.
وفي خطابه المليء بالإشارات السياسية، صك عنان في البداية شعار “الشعب السيد في الوطن السيد”، مؤكداً أن ترشحه “واجب تاريخي لإنقاذ البلاد”، واصفاً السنوات الأخيرة في مصر بأنها “سنوات عصيبة مرت بها بلادنا التي تجتاز بمرحلة حرجة في تاريخها مليئة بتحديات على رأسها الإرهاب، وتردي أوضاع الشعب المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم فضلاً عن تآكل قدرة الدولة المصرية في التعامل مع ملفات الأرض والمياه وإدارة موارد الثروة القومية وعلى رأسها المورد البشري”.
وحمل السيسي جملة ما آلت إليه الأوضاع قائلاً: إن هذا التراجع بالبلاد ما حدث إلا نتيجة سياسة خاطئة حمّلت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة وحدها دون سياسات رشيدة تمكن القطاع المدني بالقيام بدوره متكاملًا مع القوات المسلحة، مضيفاً: “مصر تريد نظاماً سياسياً واقتصادياً تعددياً يحترم الدستور والقانون ويؤمن الحقوق والحريات ويحافظ على روح العدالة والنظام الجمهوري الذي لا يكون إلا بتقاسم سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
وفي ضربة قوية، كشف عنان أنه ضم له خصم السيسي اللدود القاضي السابق هشام جنينه، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أطيح به بأوامر رئاسية، حيث اختاره نائباً لشؤون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية وتفعيل الدستور، فيما اختار الأكاديمي المصري حازم حسني نائباً له لشؤون الثورة المعرفية والتمكين السياسي والاقتصادي، ومتحدثاً باسمه.
عنان أشار إلى رحيل السيسي خلال شهور قليلة، ودعا المصريين للاستمرار في تحرير استمارات تأييد ترشحه، مطالباً مؤسسات الدولة المدينة والعسكرية بالوقوف على الحياد وعدم الانحياز لرئيس قد يغادر منصبه خلال شهور قليلة، فهو مجرد مرشح محتمل بين مرشحين آخرين.
الجو وردي
في الجهة المقابلة، تحدث خطاب السيسي عن اجتياز المرحلة الصعبة والملحمة التي حدثت قائلاً: إننا على مدار السنوات الماضية قد اجتزنا فترة من أصعب وأدق السنوات التي مرت على أمتنا في مدار تاريخها الطويل، مضيفاً: جرى على أرض مصر من ملحمة وطنية عظيمة وجهد مخلص وعمل شاق وإنجاز هائل وتضحيات كبيرة، وشاهدنا سويًا بعين اليقين والحقيقة حجم ما تم على أرض الوطن.
تحدث السيسي كذلك عن “قوى الظلام”، وغازل الجيش والشرطة والكنيسة والأزهر قائلاً: في كل دروب مصر الجيش والشرطة موجودون، هم الأبطال الذين ينتفضون دفاعًا عن وطنهم حين اتفقت عليهم قوى الظلام والذين وقفوا في كل ربوع الوطن دفاعًا عن أمنه وسلامته، ومن على هذا المنبر أقدم عمق التقدير لأزهرنا الشريف، المنارة الوسطية، ولكنيستنا القبطية حاملة لواء المحبة والوطنية.
السيسي وجه التحية للمرأة المصرية في مؤتمره، بينما على أرض الواقع كشفت حركة “نساء ضد الانقلاب” في تقريرها السنوي مطلع العام الحالي عن ارتفاع عدد المعتقلات في السجون إلى 44 معتقلة، وارتفاع عدد المختفيات قسريًا إلى 16 سيدة وفتاة، وإدراج السلطات لأكثر من 120 سيدة وفتاة مصرية ضمن ما تعرف بـ”قوائم الإرهاب”، ومصادرة أموالهن ومنعهن من السفر، مع صدور أحكام بالحبس لفترات متفاوتة بحق المرأة المصرية، أبرزها الحكم بالإعدام والمؤبد من محاكم عسكرية ومدنية.
الحيرة كانت نقطة ظاهرة في خطاب السيسي، وأكدها بقوله: “أجد نفسي حائراً أمام ضميري الوطني”، عندما أظهر في خطابه حرصاً على حشد الجماهير والتصويت بكثافة في صورة بدت هي القلق الوحيد له بحسب المراقبين، حيث كرر 5 مرات دعواته للجماهير للنزول في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي تعهد “أن تكون عنواناً للشفافية، راضيًا بمن تختارونه”، وطالب الجماهير “برد الجميل” قائلاً: “عايزين تردو لي الجميل بغض النظر عن اختياركم، كل اللي بتمناه إنكم توروا الدنيا نزولكم للصندوق”!
من جانبه، أكد د. عمرو عادل، عضو الهيئة العليا لحزب الوسط، عدم اعترافه بالعملية الانتخابية بالأساس، قائلاً في حديث لـ”المجتمع”: أعتقد أننا بحاجة لمصطلحات نخاطب بها الجماهير، وقطاعات المجتمع، تصنع صورة ذهنية حقيقية لدى الناس، ومصطلح الانتخابات الرئاسية هو لا يعبر عن الواقع، وأفضل استخدام تعبير آخر وليكن المسرحية أو غيرها.
مضيفاً أن هذا الإجراء مهما كان مسماه ليس له علاقة بالوضع في مصر، لأن أزمة مصر وكل المجتمعات العربية في السلطة، والسلطة بعيدة تماماً عن الشعب، وأثبتت الأحداث على مدى المائتي عام السابقة أن الحلول الانتخابية لا يمكن أن تمكن الشعب من السلطة.
ورأى القيادي في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، أن الانتخابات يمكن أن تكون وسيلة للتغيير عندما يكون فارق القوة بين السلطة والمجتمع في حدود مقبولة، وبشرط أن يكون من في السلطة ينتمي للمجتمع، أما في حالة مصر فالشرطان غير متوافران، لذلك فالوضع في مصر لم ولن يتأثر بأي إجراء انتخابي دون حدوث توازن في القوى أولاً بين السلطة والشعب، وعندما تكون السلطة ممثلة للشعب، وهذا ما زال بعيداً.
وأعرب د. عمرو عادل عن استغرابه من بعض من يدعون انتماءهم لفكرة الثورة أو حتى الانتماء للمجتمع المصري وما زالوا يدفعون في إمكانية حدوث تغيير حتى لو شكلي باستخدام آلية الانتخابات بعد كل ما حدث تحت سمعنا وبصرنا، مؤكداً أن مشهد الانتخابات في غياب توازن القوى كله داخل مساحة السلطة، وربما يكون محاولة لإعادة توزيع مراكز القوى داخلها أو غير ذلك؛ لا يهم، فالموضوع الأساسي هو غياب الشعب عن تلك المساحة.
وحول ترشح عنان قال: أعتقد أن هذا هو المرشح الذي يظهر في اللحظات الأخيرة من داخل منظومة السلطة لإعطاء قدر من الجدية لهذه العملية، أو لمحاولة توزيع مراكز القوة داخل مساحة السلطة وهذا بالأساس لا يعنينا، مضيفاً أن هناك فارقاً صلباً بين السلطة بكل تشكيلاتها ومستوياتها في مصر والشعب، وكل من في مساحة السلطة لا يقبل بوجود ممثل حقيقي للشعب في هذا المكان، وكسر هذا الحاجز الصلب هو الخطوة الأولى من الحديث عن عملية انتخابية، وهذا لن يتم إلا بثورة شاملة عميقة تزيل التشوه الحادث في المجتمع المصري، لذلك ففي الوضع الحالي كل من يسعى إلى عملية انتخابية فهو إما جزء من السلطة الموجودة فعلاً أو ربما من خارجها ويحاول الدخول في تلك المساحة، ولكن بالتأكيد وفقاً لشروط صاحب الملعب وطبقاً لقواعده.