7 سنوات مرت على اندلاع ثورة 25 يناير 2011 بمصر، التي تحل ذكراها الخميس، ورغم وصفها من خبراء بـ”السبع العجاف” إلا أن بصيص نور يراه البعض، في نهاية نفق الثورة المظلم.
ويتمثل “بصيص النور” في تغييرات جذرية في ثقافة المصريين وسياستهم بقدر يسمح لهم بالخروج مرة أخرى لطلب التغيير، وفق شروط.
ثلاثة خبراء مصريين طرحوا، في أحاديث منفصلة مع وكالة “الأناضول” رؤيتهم للسنوات السبع، أحدهم يصف البلاد بأنها تعيش “انتكاسة بانتظار مخلص”، وثانٍ يرى ثمة “إنجازات رغم الإخفاقات”، أوجدتها الثورة في المصريين التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك (1981- 2011) بعد نحو 30 عاما في منصبه.
ويتفق الخبير الثالث مع الرأي السابق بأن مطالب ثوار 25 يناير بعضها تحقق مثل مدة الرئيس لأربع سنوات ولفترتين فقط بعدما كانت مفتوحة، بخلاف خلق درجة أكبر في التحول الاجتماعي والإعلامي والنقد السياسي حتى 2013 قبل أن تقيد بعدها عقب الأحداث التي تلت الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر.
انتكاسة بانتظار مخلص
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة: إنه لم يتحقق أي شيء على الإطلاق من مطالب الثورة، واصفاً الوضع الحالي بـ”الانتكاسة”.
ويضيف نافعة أن الأوضاع الحالية هي أبعد ما تكون عن ما آمل به ثوار يناير؛ فما تعيشه مصر الآن “يبدو لي أسوأ بكثير مما كان قائما قبل 25 يناير 2011”.
ويلفت إلى أن “النظام الحالي يحكم بسطوة الأجهزة الأمنية ولا علاقة بتحقيق أهداف ثورة يناير، بل بالعكس هو يبتعد كل يوم عن مطالبها”.
وعادة ما يرفض النظام المصري الحالي تلك الاتهامات، ويؤكد أنه حفظ البلاد، ويدعم حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وفق القانون، ويواجه إرهاباً كبيراً أدى لسقوط المئات من رجال الشرطة والجيش في مواجهات مسلحة بمحافظة شمال سيناء (ِشمال شرق) وعدة محافظات أخرى.
إنجازات وإخفاقات
من جانبه، يطرح عاطف سعداوي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (حكومي مصري)، قدراً من التفاؤل قائلاً: إن “ثورة 25 يناير بعد 7 سنوات كأي ثورة في العالم حققت بعض الإنجازات وأخفقت في العديد من المطالب والشعارات”.
ويضيف سعداوي، لـ”الأناضول”، أن “أهم إنجاز للثورة أنها أعادت ضبط العلاقة بين المواطن والسلطة؛ حيث كان ينظر للحاكم على أنه إله في الأرض، وبالتالي هي كسرت هذه العتبة المقدسة وأزاحت حاجز الخوف الذي اعتلى المصريين لسنوات طويلة، وأصبح ما يقوم به الحاكم محل مساءلة وربما محل ثورة”.
ويتابع: “لا ننكر أن هناك الكثير من الإحباطات سواء سياسياً أو اقتصادياً أو حتى اجتماعياً وفكرياً وثقافياً”.
ويؤكد أن الثورة المصرية تعرضت لإحباطات كثيرة حتى وصل البعض للقول بأنه تمت تصفيتها.
ويرفض الخبير ذلك الرأي ويرى أن الثورة “فكرة أكثر منها إجراءات سياسية، قد لا نلتفت كثيراً للتطورات الجارية، لكن لو وضعناها بشكل متراكم ربما تنبئ عن تغيير كبير في المستقبل، وبالتالي فإن بذرة الثورة بدأت في 25 يناير وأخذت تنمو وما زالت مستمرة”.
ويشير إلى أن الشعار الأهم لثورة يناير “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” هي ملفات ثلاثة مترابطة، وللأسف لم نصبُ إلى ما كان يحلم به الشعب بها رغم وجود بعض الخطوات الإيجابية بها إلا أن ما آلت إليه الأوضاع لا ترتقي لما آمل به المصريون.
وتشهد مصر ارتفاعاً مستمراً في الأسعار مع تراجع حاد في قيمة العملة المحلية، وسط توجه شبه مستمر من الحكومة لطلب الاقتراض من مؤسسات دولية، في مقابل اعتراف من الحكومة بوجود أزمة وتأكيدها أن البلاد تشهد إصلاحا جذريا في الاقتصاد سيحقق نتائج إيجابية مستقبلاً.
المطالب
أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، سعيد صادق، يقول: إن مطالب ثوار 25 يناير بعضها تحقق ومنها تقييد مدة الرئيس لأربع سنوات ولفترتين فقط بعدما كانت مفتوحة، وكذلك حرية التعبير.
ويضيف صادق، لـ”الأناضول”، أن ثورة يناير فتحت درجة أكبر في التحول الاجتماعي والإعلامي والنقد السياسي حتى عام 2013، قبل أن يكون أكثر تقييداً.
ويرى أنه “حالياً هناك مساحة محدودة للنقد إذا تخطتها ستدخل في مشكلات مع السلطة”.
ويتابع: “الثورة ساعدت على تسييس المجتمع وانفتاح أكبر لثورة اجتماعية، إنما غالبية الأهداف لم تتحقق، وما صاحبها من تدهور اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة جعل كثيرين ينقمون على الثورة باعتبارها تقود لكوارث وليست أداة جيدة للتغيير”.
ويلفت إلى أن ثورة 25 يناير لم يكن لها قيادة، واصطدمت شعاراتهم بظروف مصر الداخلية من توازنات طبقية موجودة داخل المجتمع ودولة عميقة لم تسمح بذلك، وكذلك ظروف المنطقة المحيطة، وكان من الممكن تحقيقها حال تولى الثوار الحكم.
ويمضى قائلاً: “عاشت مصر مرحلة نشاط كبير حتى عام 2013، لكن سوء إدارة الثورة وانقضاض بعض القوى عليها، وعدم خبرة من شباب الثورة، كلها كانت عوامل كانت سببا لإجهاضها”.
ويشير إلى أن مصر تحكمها الآن ثورة أكبر وأقدم وهي ثورة 23 يوليو 1952 (قادها ضباط جيش ضد الحكم الملكي) التي جاءت بالجيش للسلطة.
مستقبل التغيير
لكن هل يدوم حال ثورة يناير بهذا الطرح؟.. سؤال يجيب عنه الأكاديمي حسن نافعة، بالقول: إن “العقلية التي تدير النظام الحالي لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة، وستصطدم بمعارضة شعبية حينما تكون المعارضة قادرة على التلاحم من جديد؛ فالشروخ الموجودة في صفوفها تحول دون وجود تأثير قوي لها”.
ويضيف نافعة، قائلاً: “الثورة لن تعود إلى مسارها الحقيقي إلا عندما تؤمن القوى السياسية أنه بدون وحدة بين اليمين واليسار حول قضية الديمقراطية وأولوية إقامة دولة القانون والمؤسسات سيصعب إعادة الزخم حول الحركة الوطنية أو الحركة المطالبة بالتغيير”.
ويشير المحلل السياسي إلى أن “الشعب لن يستسلم، هو في حالة سكون وانتظار، جراء شروخ وتصدعات كبيرة حدثت تحتاج إلى بعض الوقت لترميمها”.
طريق تحقيق الأهداف
وعن كيفية تحقيق أهداف ثورة يناير، يقول سعداوي: إنها تحتاج إلى كثير من العمل والتنازلات سواء من المواطن أو الحاكم، وبدأتها الحكومة ببرنامج إصلاح اقتصادي يتطلب تفهماً وصبراً من المحكومين وتحمل تبعاته.
وبخصوص الشق المتعلق بالحريات السياسية، يقول: “أعتقد أن السلطة الحاكمة يجب أن تؤدي فيه دوراً كبيراً، عبر إعادة فكرة الانتماء مرة أخرى، وربط المصريين بوطنهم يحتاج إلى إعادة فتح المجال العام وإعادة الحياة السياسية بشكلها التنافسي الذي كان في قمته إبان وعقب الثورة مباشرة، وفتح التنافس أمام الأحزاب السياسية وخلق إعلام محايد، وتنقية البيئة السياسية”.
ويؤكد أن “أهم شيء لاستمرار الثورة ونجاحها عدم فقدان الأمل فيها وألا نصل إلى مرحلة اليأس بأن الثورة انتهت؛ فتحقيق أهداف الثورات الكبرى لا يتم بين ليلة وضحاها”.
وحول البيئة الاجتماعية، يشير إلى أنها تحتاج إلى منظومة كبيرة وإصلاح جذري وسن قوانين تحسم ذلك، ومنها قانون العدالة الانتقالية المعلق في البرلمان، الذي يعد نقطة حاسمة لتجاوز الماضي الذي ثار عليه المصريون.
وتنص المادة (214) من الدستور، الذي بدأ العمل به في يناير 2014، على أن “يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له (انتهي في سبتمبر 2016) بإصدار قانون للعدالة الانتقالية (لم يصدر حتى الآن) يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية”، في إشارة لما شهدته مصر من أحداث واحتجاجات سقط خلالها ضحايا.