يحاول بعض اللادينيين أن يوحوا إلى القراء أن الدين أفيون الشعوب، وأن الدولة الدينية لا يمكن أن تتعايش بسلام مع الآخرين، وقد يكونون قد بنوا نظريتهم على دراستهم لتاريخ الكنيسة في القرون الوسطى، حيث كان الكثير من رجال الكنيسة يتبنون أفكاراً مشوهة وشريعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولعل اطلاعاً سريعاً على تاريخ أوروبا في القرون الخمسة الأخيرة يؤكد أن جميع حروب هؤلاء كان شعارها ذا طابع ديني، وكان القتل والظلم والاستبداد كلها تتم باسم ذلك وتحت راياته! أمّا بالنسبة إلى اليهود، فيكفي أن نعرف أن كل جرائمهم التي ارتكبوها وما زالوا يمارسونها اليوم تتم باسم المفهوم اليهودي لتحقيق حلمهم في دولة “إسرائيل الكبرى”؛ لذلك، تجد العديد من رجال الدين من حاخامات وغيرهم هم القادة لمعظم هذه الغطرسة الصهيونية التي تقتل الفلسطيني يومياً بدم بارد من دون أن تجد من يردعها!
كما أن بعض المروجين للفكر الإلحادي مغرمون ومولعون بالثقافة الهندوسية وبطبيعة الحياة العامة في الهند، وحيث إن الهندوس لا دين لهم ولا مذهب سماوياً، لذلك ترسخت عندهم فكرة المجتمع النموذجي للعيش بسلام مع الآخرين! وفاتهم أن هؤلاء لم يمنعهم مذهبهم اللاديني من تنفيذ أشد الجرائم وأكثرها قسوة في حق المسلمين الهنود الذين يعيشون معهم! وما زالت جرائمهم مستمرة، وقبل أسبوع سمعنا عن حرقهم لامرأة مسلمة من كيرلا بسبب حجابها!
بعض المسلمين لديهم عقدة الانتماء إلى الإسلام (!) وذلك نتيجة تعليمهم الذي تلقوه في مدارس تبشيرية أو أحياناً بسبب اطلاعهم على صور مشوهة للدين الإسلامي، وعدم إدراكهم لرسالة الإسلام من مصادرها الصحيحة والنقية، وإن أضفنا إلى ذلك أن كثيراً من الآلات الإعلامية في الدول الإسلامية تطرح إسلاماً مشوهاً وشريعة ممسوخة، وأن كثيراً من رجال الدين أصبحوا يعيشون في جلباب الحكومات ويفتون على هواها، بل اليوم نعيش حملة ظالمة لشيطنة التيار الإسلامي المعتدل وربطه ظلماً وزوراً بالإرهاب والتطرف.. كل هذه العوامل تجعل بعض ضعاف الدين يتحرجون من إظهار انتمائهم الديني، وأحياناً يتفاخرون بتحررهم من قيوده، ظناً منهم أن ذلك يقربهم من أعداء الإسلام وخصومه، وما أكثرهم في هذا الزمان!
الدين الإسلامي جاء ليكون ديناً للبشرية جمعاء، وجاءت الشريعة الإسلامية لتنظم حياة البشر وتعاملهم مع أنفسهم ومع الآخرين، ولا يُجبر غير المسلمين على اعتناق الإسلام وترك دياناتهم، إذ لا إكراه في الدين، ومن يظن أن الإسلام لا يصلح لكل زمان فهذا بسبب قصور في فهمه وإدراكه، وليس بسبب طبيعة هذا الدين، فمن لا يصبر عن معاقرة الخمر سيقول بذلك، ومن أدمن القمار سيقول ذلك، ومن عاش في الرذيلة كذلك، ومن لا ينظر إلى المرأة إلا وسيلة للمتعة والدعاية والجنس سيعترض على أحكام الشريعة.
اليوم، تجد بعض العقلاء من الغربيين والشرقيين يثنون على بعض الأحكام الشرعية لما شاهدوه من سقوط للقوانين الغربية في مجال الحقوق الشخصية والقضايا الأخلاقية، ثم يأتي من هم من بني جلدتنا وممن تبنى الفكر العلماني ليتهم الدولة الدينية بعدم صلاحيتها. نعم، قد تكون الدولة الدينية فاشلة إذا كانت منطلقاتها غير إسلامية، ولكن التاريخ يؤكد سلامة مسيرتها إذا كانت الشريعة الإسلامية دستورها، ولقد أعز الله المسلمين عندما حكمتهم الشريعة السمحة، وتقهقروا عندما سيطر اللهو والعبث بمقدرات الأمة على بعض الحكام، «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.