“المجتمع الغربي الذي نحن فيه له علينا حق إنساني وأخلاقي وشرعي؛ لذا على الأئمة والمؤسسات الإسلامية أن توجه خطابها له وتجذبه إلى سماحة الإسلام وتمد الجسور مع كل أطياف المجتمع”.. بهذه الكلمات شدد الشيخ سمير خالد الرجب، مدير مركز وقف النور الإسلامي في مدينة هامبورج، الذي كان كنيسة مهجورة تم شراؤها وتحويلها إلى مسجد، بأن خطاب الأئمة والدعاة في الغرب لا بد أن يشمل شرائح المجتمع الغربي المختلفة من غير المسلمين، وأن تبادر المؤسسات بمد جسور التواصل معهم.
وتعد ولاية هامبورج من أجمل مدن العالم، حيث نالت لقب عاصمة أوروبا الخضراء، وفيها ثاني أكبر ميناء تجاري في أوروبا (والسابع عالمياً)، كما أنها ثاني أكبر المدن الألمانية (بعد برلين)، ويبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، ويتصف سكانها بالانفتاح وحب الثقافة والتطلع إلى معرفة الآخر.
ويعيش في مدينة هامبورج ما يقارب 180 ألف مسلم من عرقيات مختلفة من تركيا وألبانيا وباكستان وأفغانستان وأفريقيا، وغالبيتهم من الطبقة العاملة التي جاءت في بداية الستينيات، وبينهم ما يقارب 60 ألفاً من الجالية العربية معظمهم من المغرب العربي ومصر ولبنان وفلسطين ومؤخراً من الشام بسبب الأوضاع الراهنة.
والجالية المسلمة عموماً لها نشاط اقتصادي من خلال التجارة والمطاعم وبدأت تبرز نخبة من المثقفين في مجال الطب والهندسة والصيدلة وغيرها من أبناء الجيل الثاني.
نرجو التكرم بإعطاء نبذة تعريفية عنكم.
– بداية أشكركم على هذه الإضاءة المتميزة عن أحوال المسلمين في الغرب التي تهتم بأخبارهم وقضياهم وتصلهم مع إخوانهم في العالم.
اسمي سمير خالد الرجب، من شمال لبنان (حلبا عكار)، درست في جامعة بيروت الإسلامية (كلية الشريعة والقانون)، وتخرجت عام 1996م، ثم تابعت الدراسات العليا في الفقه المقارن لمدة سنتين حتى عام 1998م.
عملت خلال دراستي في مجال الخطابة والتدريس في مرحلة مبكرة، وفي مجال تحقيق المخطوطات لسنوات عديدة، فضلاً عن تصحيح كثير من المراجع، حاصل على إجازات عديدة في تلاوة القرآن والحديث.
حالياً أتولى إدارة وقف النور بهامبورج، بالإضافة إلى الإمامة والخطابة.
كما نود نبذة تعريفية عن مسجدكم.
– يقع المسجد في وسط مدينة هامبورج، بولاية هامبورج، شمال ألمانيا، وتعد ولاية هامبورج من أجمل مدن العالم، حيث نالت لقب عاصمة أوروبا الخضراء، وفيها ثاني أكبر ميناء تجاري في أوروبا، وسابع أكبر ميناء في العالم.
المسجد في الغرب بشكل عام متعدد الأنشطة، ليس مقتصراً على الصلوات فحسب، لكن هناك برامج تربوية واجتماعية للمسلمين ولغيرهم من خلال مختصين.
ما أبرز الأنشطة التعريفية بالإسلام التي يقوم بها المسجد سواء في أوساط زائريه أو عبر زياراتكم لمؤسسات المجتمع المحيط؟
– الأنشطة التي نعرف من خلالها بالإسلام هي عدة، منها المدارس، حيث يؤم المسجد أسبوعياً عدد من الصفوف، وذلك ضمن برنامج حصة الدين في المدرسة، فنقدم لهم محاضرة مبسطة، مرفقة بالصور نعرف بالإسلام والأنبياء عليهم السلام، وعن علاقة المسلم بغير المسلم، ونوزع عليهم كتيبات ونقدم الحلوى، وتلقى اهتماماً بالغاً من الطلبة والمدرسين خاصة الذين ليس لهم أي صلة بالمجتمع المسلم، حيث يسمعون ويرون أموراً لم يسبق لهم أن رأوها من قبل، وتترك عندهم ارتياحاً وحباً في العودة كل مرة وتصحح لهم صورة سلبية غرست في أذهانهم.
هذا بالإضافة إلى لقاءت دورية مع جهات علمية واجتماعية وإدارية ورياضية، حيث شاركنا في عدد من الأنشطة منها مباراة بين الأئمة والقساوسة وبرامج للفتيان، وكذلك المساهمة في تنظيف المدينة بعد أحداث الشغب في قمة العشرين.
- ماذا عن التواصل مع المؤسسات الدينية للشرائع الأخرى؟ وما أبرز القضايا التي تناقش؟ ثم ما أهم الإنجازات التي تحققت حتى اليوم؟
– بالنسبة للتواصل مع المؤسسات الدينية وخاصة المسيحية فعندنا برامج مع الكنيسة حيث يتم اللقاء كل فترة عبر زيارات متبادلة.
وتلقى المحاضرات عن القواسم المشتركة بين الشرائع وعن السيدة مريم وسيدنا المسيح عليهما السلام في القرآن، وعن الشراكة الإنسانية والوطنية وحقوق الجوار.
كما نفتح المسجد في اليوم الوطني لألمانيا، ويعرف بباب المسجد المفتوح في كل ألمانيا، حيث يتوافد الزوار من كل مكان ليتعرفوا على الإسلام عن كثب، ونحضر الطعام والشراب والكتب.
كما نجتمع كل رمضان من خلال دعوة هيئات دينية وأمنية وسياسية والجيران ونفطر سوياً ونتبادل الأحاديث ويتعرفون إلى طبيعة الصيام حيث يجلسون معنا على الأرض ويحضر عدد كبير من المصلين.
بشأن القضايا المجتمعية والمشكلات التي تواجه المجتمع، هل للمسجد دور في المشاركة أو المساهمة في وضع حلول لها؟
– أكثر المشكلات التي تشغل بال المجتمع بشكل عام هي التشدد الديني لدى الشباب، وفي الآونة الأخيرة الوافدون الجدد وقضية دمجهم في المجتمع ومتابعة مشكلاتهم، ونحن بدورنا نحاول من خلال الطرح الواعي المبني على الأسس العلمية المعتبرة واتباع جمهور الأمة أن نساعد في توجيه الشباب نحو الاعتدال.
كما ساهمنا بشكل فعال مع المجتمع العام في إيواء اللاجئين ومتابعة مشكلاتهم وتوجيههم إلى الأماكن المناسبة لحلها، وقد كان لهذا العمل الأثر الطيب عند المعنيين من كل الهيئات الرسمية ورافق الإعلام هذ العمل بموضوعية تامة ومؤازرة إيجابية كان لها صدى طيب.
بشكل عام، هل تواجهكم أي عقبات في دور مسجدكم المجتمعي؟
– لا شك أنه يوجد كثير من المشكلات التي تعاني منها المؤسسات الإسلامية وخاصة المالية، وقلة المتخصصين في الحقل الدعوي باللغة الألمانية.
كذلك مشكلة الأماكن المناسبة لتكون مسجداً؛ فكثير من المصليات هي عبارة عن شقق أو في مكاتب وكراج للسيارات، كما هي الحال عندنا، حيث فتح المسجد من أكثر عشرين سنة لأن إيجاره مناسباً، لكنه يفتقد إلى أبسط الأمور من التدفئة والتهوية المناسبة والمرافق النظيفة.
لكن استطعنا بفضل الله تعالى والتعامل الإيجابي مع المؤسسات الإدارية والدينية وبكرم دولة الكويت المباركة والمعطاءة حفظها الله تعالى، من شراء كنيسة أثرية كانت مقفلة لسنوات لتكون مسجداً مميزاً في مدينة عريقة لا يوجد فيها مسجد يرتاده أكثرية عربية مثله.
واستطعنا الحصول على غرف تعليمية من الدولة في نهاية الأسبوع لتعليم أبنائنا برامجنا باللغة العربية.
من وجهة نظركم، ما أبرز الإنجازات والنجاحات التي تحققت في الدور المجتمعي لمسجدكم؟
– أهم الإنجازات التي تحققت على المستوى العام للمسلمين هو اعتراف ولاية هامبورج بالإسلام كدين رسمي، وكان للمسجد دور بارز فيه، وهذا يعطي المسلمين الحق بعطلة يوم العيد وتعليم الدين في المدارس، وإمكانية تسهيل بناء المساجد.
ومن النجاحات حصولنا على عدة جوائز في الحوار بين الأديان، منها على صعيد هامبورج كأفضل عمل حواري من مؤسسة خيرية شبه حكومية، ومنها على صعيد ألمانيا من كريسمون مؤسسة كنسية، وكذلك جائزة المواطنة من حكومة هامبورج، وأخرى دولية سفير سلام من قبل مؤسسة سلام، ودعوة رسمية من رئاسة الجمهورية للعاملين في الحقل العام التطوعي.
بالإضافة إلى منشور صدر عن وزارة الثقافة توثق فيه عمل المسجد والكنيسة وتحول الكنيسة إلى مسجد بصورة مشرقة.
ماذا عن رؤيتكم المستقبلية لتطوير الدور المجتمعي لمسجدكم مع غير المسلمين؟
– نحن نتوقع مع انتقالنا إلى المسجد الجديد ستزداد علينا المسؤولية، وستوجه إلينا الأنظار، لذلك لا بد من فريق عمل متناسق يتابع الزوار وينفتح على الجوار ويحافظ على الإنجازات التي كانت سبباً مهماً في تقدير اسم مسجدنا والعاملين فيه.
وأخيراً، هل تودون إرسال أي رسائل -عبر “المجتمع”- للمؤسسات الإسلامية المعنية بالدعوة والتعليم والارتقاء بدور الأئمة والمساجد في الغرب؟
– المجتمع الغربي الذي نحن فيه له علينا حق إنساني وأخلاقي وشرعي؛ لذا على الأئمة والمؤسسات الإسلامية أن توجه خطابها له وتجذبه إلى سماحة الإسلام وتمد الجسور مع كل أطياف المجتمع، والتركيز على مخاطبة وجوه المجتمع بالأسلوب اللائق المناسب لهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخص سادة القوم وشيوخ قبائلهم بدعوته لتعريفهم بدين اللَّه وطلباً لنصرتهم ودرءاً لعدائهم.
لا شك أن الأمر ليس بالهين لندرة الكفايات البشرية الفكرية وقلة الإمكانات المؤسسية والمالية، لكن مع الإخلاص والمثابرة والمنهجية الواعية والاستفادة من الخبرات واتحاد الصف لا بد أن نصل إلى المراد بإذن الله تعالى، ويصبح المسلم جزاً من الواقع الأوروبي ومؤثراً فيه.
جزاكم الله خيراً على جهودكم ومعاً نرتقي إن شاء الله