ما استسهل الناسُ شيئا هذه الأيام كاستسهالهم في الصداقة والعلاقات البينية المحببة والرطيبة على القلب..
- والطبقة السطحية وقاتلة الوعي لا تبالي بذلك، وتعدّه تكبرا أو قتلا للنفس بالانعزال والابتعاد الاجتماعي .
- والمشكل في الطبقة المتدينة والتي تعي ذلك أكثر الوعي، ولكنها للهفة أرواحها وانعدام تبرمجها الرصين، والزهادة في ثمنية الزمن، تلجأ إلى جمع كل من هب ودب..!
- حتى لو كان نافخ كير اجتماعي، يعكّر صفوهم، ويهبط بهممهم، ويذهب بتطلعاتهم، ويحولهم إلى (مجموعة عامية) ليس لها مقصد إلا جمع المال، أو للتندر والضحكات…!
- وما هكذا طلبة العلم، ورؤوس المجتمع ومن يحبهم الناس؟ ويجعلونهم قدوات مذهبة…!
- نافخ الكير الاجتماعي هذه الأيام، تطور وبات كالمسؤول ولديه جواذب دنيوية من التبسط الزائد، والشخصية المرحة، وطلاقة اللسان، والسعة المالية، ولكن المضمون هش وعديم الجدوى ..!
- باتت الديوانيات الآن يرتادها كثيرون لاحتساء الشاي والقهوة، ولكنها لا تعدو أن تكون مجرد تلاقي تذوقي أخوي ترويحي…!
- وإذا تصدرها فاقدو الوعي والوقت ومحبو التهريج والفضفضة انتهت إلى جفاوة قلب، وجدب فكر..! ولئن لاقَى ذلك بفئات، لا يسوغ أن يتورط فيها متدينون فيفضي بهم الحال:
- إلى قسوة ومتاعب وخمول، وتضعف الهمم، ولا يبقى في العزائم اشتعال ولا فعال..!
- وينزلقوا في مستنقع نافخ الكير الاجتماعي، فلا نقل ولا عقل، ولا فضيلة ولا نبيلة، ولا نفع ولا انتفاع.
- ويشم من نافخ الكير تزييف ودجل، وتساهل وتراخ، وهبوط وانحطاط ( المرء على دين خليله..).
- ولا يزال الكير الاجتماعي يعلَق بهم ويلامس سلوكهم، ويسوس تفكيرهم، ليبيتوا بعدها في صدود وركود ورقود.
- لم يفطن بعضهم أن من أسباب التراجعات التنسكية ملازمة صديق ليس بحقيق، ومخالطة زميل خُف نبله، ومنادمة حبيب غير مفيد وفي الحديث:( مثلُ الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير..).
- ينفخ بعضهم الكذبات، ويتشدق بالمبالغات، ويتوق بالشائعات، ويهذب بلا حدود، ويسف بلا قيود، وتخلو الجلسات من المعاني المفيدة، والحكم الفريدة .
- فهل يمكن أن نحول تلكم المجالس إلى سطوع عطور، وإشراقة بدور، تفوح بالمسك، ويضوع بخورها وزهرها وريحانها..!
- ومن المؤسف أن بعض أولئك يبيت بريدا للسلبية ويغلق كل منافذ الإيجابية ، ويصنع قمص الإحباط والتشاؤم والهوان .
- ومن جميل القول لبعضهم: ( الصداقة زهرة لا بدّ أن نرويها بماء الوفاء، ونحيطها بتراب الإخلاص حتى تظل دائماً ).
- وإنما يفقه ذلك المخلصون المتحابون في الله، وليس في سبيل مصالح شخصية أو مقاصد دنيوية، وفي الحديث الصحيح ( أو ثق عرى الايمان الحبّ في الله والبغض في الله ).
- وهنا حقيقة نغفل عنها:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينهِ فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولانبالي بمكتسبات الصداقة والمجالس المنفتحة على كل من هب ودب، وتغلب على بعضنا نمطية التلاقي والتنفيسات، وأنه لن يعدو مجرد لقاء عابر، لا يترك مخلفات..! وهذا شيء عجيب..!
- ولم يتأمل هؤلاء ( لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) سورة الفرقان .
- والصديق الحميم هو من يجتمع بك في محبة الله، وتقربكم الطاعات، وتؤلف بينكم الأخلاق،،،! وهو ما لا يملكه صاحب الكير والزيف والدخل والدجل..!
- وفي تساهل الناس بذلك عبرة لكل عاقل تلوح له في الأفق مظاهر التغير والتبديل.
- قال محمد بن واسع رحمه الله : ( لم يبق من العيش إلا ثلاث : الصلوات الخمس يصليهن فِي الجميع، فيُعطى فضلهن ويكفى شرهن ، وجليس صالح تفيده خيرا ويفيدك خيرا ، وكفاف من العيش ليس لأحد عليك فيه منة ولا يخاف من اللَّه فيه التبعة).
- وتعظم المصيبة حينما يكون نافخ الكير نائبا عن إبليس في التضليل والتهويل والتهوين، فيتقلص الخير وتتعاظم الفتنة، ويشتد الإغراء ولا يبقى للوقت أي تقدير أو صيانة..!
- ولأهمية الصداقة والإخوة فإنها تمتد في الآخرة ولكن بين أهل الإيمان {الأخلاء يومئذ بعضُهم لبعض عدوٌ إلا المتقين} سورة الزخرف .
- وحين نعي ذاك المعنى، علينا تلمس (حامل المسك الاجتماعي) الذي به نَزين ونَطيب ونرتقي، وهو عنصر نادر، وذهب غال، ولكن البحث عنه ينتجه ويصنعه، ولن تعدم الدنيا من غراس حسنة، ومعادن أصيلة، والله الموفق .
——-
* المصدر: إسلام ويب.