– يحتل بدول العالم المتقدم مرتبة مهمة في الحياة اليومية لتحقيق ما تخططه من أهداف تربوية
– رسالة لها أثر عميق على النفس ولها مغزى في الحياة حيث يكمن الإبداع والأصالة
– يحمل بين سطوره خطوات نحو ترسيخ القيم وعلو الهمة والنبش في الأخلاقيات المندثرة
– يؤدي دوراً مهماً في تحقيق التوازن النفسي عند الإنسان بتخفيف عبء الحياة اليومية
– قطب: أكتب عشرات المقالات وأخطب عشرات الخطب وفيلم واحد يقضي على ما فعلته أو يقويه
تنطلق ومضات نورانية وتربوية في حياة الناس، حيث تفاعلهم مع طبيعة المرحلة، وطبيعة الرسالة التي يتلقونها من المحيطين بهم فتترك البصمة في هذه النفوس.. قد يظن كثير من الناس أن معنى الالتزام أو التدين أن يكون المسلم الملتزم عابس الوجه مقطب الجبين، قليلاً ما يضحك أو يمازح أحداً! هذه صورة أصبحت راسخة عند الكثيرين، حتى إن كثيراً من المتدينين تقمصوا تلك الشخصية فعلاً، وظنوا أن تلك الصورة هي كمال التدين، وهم بقدر تقمصهم لتلك الشخصية بقدر بعدهم عن روح الإسلام الصحيح.
الفن يحتل في دول العالم المتقدم مرتبة مهمة في الحياة اليومية، محققاً ما تخططه من الأهداف التربوية أو الأخلاقية أو الأمنية وحتى السياسية، وهو إحدى أهم الوسائل الإعلامية التي ترقى بالمتلقي (الجمهور) وتساعد على ترسيخ الهوية الوطنية، وهو الساعي دوماً لتوفير حلول لمشكلات المجتمع، وخصوصاً ما يندرج تحت التنشئة الاجتماعية، صانعاً مرآة واضحة لملامح المجتمع بمحاسنه وسيئاته ويحفزه بخطاب مؤثر جداً للتغيير.
يعتبر الفن رسالة لها أثر عميق على النفس ولها مغزى في الحياة، حيث يكمن الإبداع، والتميز، والأصالة، والتفرد، وهي الوسيلة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والأحاسيس.
بين سطور الفن
بسبب ما تعرضه دور السينما وشاشات العرض والقنوات من فن مبتذل، وأصبح جل همهم عرض مفاتن المرأة وترسيخ القيم السيئة أكثر من كون الفن مدرسة تربوية هادفة تعمل على إصلاح المجتمعات وتنمي قدرتها على التجديد والإبداع، جعل المجتمعات في حالة فوضى خلاقة كسفينة في بحر لجي تتقاذفها الأمواج ولا يرى أثر لنجاة.
لكن الفن يحمل بين سطوره خطوات نحو ترسيخ القيم وعلو الهمة والنبش في الأخلاقيات المندثرة؛ فيزل عنها غبارها وصدأ لونها، فتتجلى في أبهى صورة، فتخرج سيقانها متفرعة بجميل الأخلاق وحلو الكلام، فتتربى الأجيال عليه تربية مجسمة تترسخ في الأذهان.
ولقد رأينا العديد من الفن الهادف الذي عرفنا بسير الأبطال، ونضارة التاريخ الإسلامي، وعلو القدوة في سلفنا الصالح الذي يتلمس الشباب خطاهم فلا يجدون أثرهم لطمس تاريخهم وتزييف حقائقهم.
يعتبر الفن من العوامل المؤثرة في تطور الأمة وتكوين عقليتها وتكييف أخلاقها، ولذا يجب أن يتحول الفن بعد ذلك إلى نعمة تفتخر بها إنسانية العصر الحاضر(1).
نحو التغيير الحقيقي
ينظر الناس للفنانين نظرة استصغار، وربما احتقار، رغم ما يقدمونه من عمل – لكن لو كان هادفاً مصلحاً لا مبتذلاً- لكننا وجدنا في وسط هؤلاء من يحمل على عاتقه رسالة فنية مغلفة بروح الأخلاق الإسلامية، فتقول سميرة المغربي، زوجة الفنان حسين صدقي: حسين صدقي كان يؤدي الفروض، وكنت ألحّ عليه بعد التزامي أن يترك العمل في السينما، وذات مرة أثناء زيارتنا للشيخ سيد قطب في المستشفى قبيل إعدامه، ذكر زوجي له ما أطلب منه، فكان رده عليه: إن الحركة الإسلامية محتاجة لفن إسلامي، وإنني أكتب عشرات المقالات وأخطب عشرات الخطب، وبفيلم واحد تستطيع أنت أن تقضي على ما فعلته أنا أو تقويه، أنصحك أن تستمر لكن بأفلام هادفة(2).
إن التاريخ الإنساني به الكثير من المواقف التربوية التي تعلي همم الأفراد وترسخ مفهوم الهوية والاعتزاز بالانتماء للأمة.
ويحمل الفن رسائل عديدة لو خرج للجمهور بالصورة المثلى، فهو يعمل على:
1- تهذيب الذوق وصقله؛ لأن الفن هو الجمال والإقبال عليه يسمو بالإنسان.
2- التعريف بقضايا الأمة وطريقة معالجتها بطرق محببة للنفس وجذابة لترسخ في الذهن.
3- إظهار وتجسيد التراث الإسلامي ليتعرف عليه الناس في ظل محاولات طمس هذا التراث.
4- إصلاح المجتمع بوسائل محببة ولا يحرمها الشرع، ولإظهار المعاني الجمالية في الأخلاق الإسلامية عن طريق الفن.
5- يؤدي الفن دوراً مهماً في تحقيق التوازن النفسي عند الإنسان؛ ذلك أنه يخفف عنه عبء الحياة اليومية، وعلى ضفافه تتحطم أمواج السخط والغضب؛ فتلين النفس وتسترد هدوءها.
6- يعمد إلى تقريب وجهات النظر بين الشعوب، وتبادل التراث المجتمعي، والتعرف على حقائق المجتمعات.
7- يعمل على محاربة الفساد والظواهر التي انتشرت في المجتمعات ويتغاضى عنها الجميع في ظل حساسيتها أو الجهل بها.
8- يساعد في معايشة الظروف والأحداث في ظل التنظيمات الكبرى، وينمي المشاعر الأخلاقية تجاه الإنسانية.
9- يعمد إلى غرس العادات والتقاليد الحاضرة وتطور الأحكام الأخلاقية المتطلبة لحاجات المستقبل، حيث يعد أداة تربوية للإنجاز من خلال إحداث التغير في المجتمع.
10- يعمل على خفض السلوك العدواني لدى الأفراد، ويساعدهم على التعبير اللفظي الحر والتنفيس الانفعالي والتلقائي.
إن الفن جزء من الحياة، ويعد ترجماناً صادقاً لمشاعر الأمة؛ يصور خلجاتها، ويعبر عن أحاسيسها، ويمثل حياتها بما يعتريها من آمال وآلام وأفراح وأحزان، وما تتقلب فيه الأمة من أعطاف النعيم، وما تتردى فيه من بؤر البؤس والشقاء، لذلك يجب أن ننبذ الرأي القائل: إن الفن للفن! وهي نظرية أدبية معروفة أخذناها من الغرب، وقامت حولها مناقشات ومجادلات كثيرة، نحن نرفضها لأن ديننا يسعى إلى إسعاد الإنسان في حياته وآخرته(3).
الهوامش
(1) مجلة الفتح، العدد 557، ص 10، 11، 29 ربيع الآخر 1356هـ.
(2) مجلة لواء الإسلام، العدد الثامن، السنة (44)، غرة ربيع الآخر 1410ﻫ/ 1 نوفمبر 1989م.
(3) حمد ناصر الدخيل: الأدب العربي الحديث، من إصدارات النادي الأدبي، حائل، ط1، 1420هـ.