وقف أهل الكويت حكومة وشعبًا مع إخوانهم الجزائريين في كفاحهم المشروع ضد المُستعمر الفرنسي، وكان الأخير قد بذل كافة جهوده لتغيير هوية ولغة ودين وثقافة المجتمع الجزائري، إلا أن استمرار مقاومة الشعب الجزائري ووقوف إخوانه العرب والمسلمين بجانبه قلب المعادلة.
في ذلك التاريخ، لم تكن الكويت – كما هي الآن – من حيث حجم الموارد الاقتصادية أو المكانة الجيوسياسية العالمية، ومع هذا وقفت مع كفاح الشعب الجزائري بكل قوتها وطاقتها حتى نال استقلاله وحريته عام 1962م.
يذكر الأستاذ أحمد توفيق المدني في زيارته للكويت: لم نجد كويت اليوم، بل وجدنا كويت الأمس، أنزلونا في دار للضيافة بسيطة جدّ البساطة لم نجد فيها ونحن في يوم 6 ديسمبر أي مُكيف للهواء ولا أي أثر من آثار النعمة التي أضفاها الله على الكويت فيما بعد، وتشرفنا بمقابلة سمو الأمير عبد الله السالم الصباح في بيت متواضع تداعى للخراب، وقد استمتعت نفسي بما وجدته مكتوباً على باب ما كانوا يدعونه قصراً: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
وكان الأمير الجالس إلى مكتب متواضع في غرفة بسيطة كثير الوعي واضح الذكاء واسع الاطلاع بادي الهمة يتحدث فيمتع، صوته هادئ، وكلامه رصين، وهو راوية للشعر العربي الفحل، يتمثل في كلامه بأبيات منه، كأنما هو قائلها، لشدة انطباقها على الواقع.
وكان يقول: نحن نشارككم في كفاحكم، فلا تهنوا ولا تحزنوا، سيزداد مقدار إعانتنا على مقدار ما ستزداد مداخيلنا، وإنكم لواجدون عندنا بحول الله ما تحبون.
وقابلنا بعده بعض الأمراء، واجتمعنا طويلاً مع لجنة الجزائر المكلفة بتنظيم أسبوع الإعانة وهي لجنة من الواعين المدركين المضحين، كانت تجتمع حول قطبين هما، الدكتور الخطيب والسيد الأستاذ يوسف الفليج. وقد سمت وتعالت أعمال الكويت فيما بعد معنا إلى أن بلغت القمة في آخر عهد الكفاح.
وبمناسبة الذكرى السابعة لاندلاع الثورة الجزائرية، تبرع أمير الكويت بمبلغ أودعه في حساب جبهة التحرير لدعم الثورة الجزائرية، وقد قدر آنذاك بثلاثة ملايين دولار.
وفي إحدى زيارات وفد جبهة التحرير الوطني الجزائرية برئاسة رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية آنذاك السيد فرحات عباس إلى الكويت، أكد أميرها مرة أخرى للوفد الجزائري تمسك بلاده وشعبه بدعم الثورة الجزائرية مادياً ومعنوياً.. ومما جاء في تأكيده هذا ما يلي: كنا معكم قلباً ثم صرنا معكم قلباً ومالاً ومهما اتسعت أموالنا زدنا في إعانة الجزائر، لا نتقيد بميزانية ولا نحدد المدد بعدد.
ودعمت حكومة الكويت أسبوع الجزائر لمناصرتها، وبادرت إلى تأسيس لجنة كويتية تقوم بجمع الإعانات والتبرعات لصالح الثورة، ولمواصلة هذا الدعم أجبرت الحكومة الكويتية كل العمال في القطاعات الحكومية على دفع مبالغ مالية من أجورهم تضامناً مع الشعب الجزائري، بالإضافة إلى إصدار طوابع بريدية خاصة بدعم الثورة الجزائرية على أساس أنها واجب قومي.
وكانت الكويت من الدول العربية التي فتحت أبوابها للطلبة الجزائريين، وكان بها قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ثلاثة وعشرون طالباً يدرسون بالمرحلة الثانوية بمعهد الشيوخ النموذجي، وكانت الحكومة الكويتية هي التي تتكفل بكل نفقات الطلبة الجزائريين، إلى جانب منحهم مبلغاً من المال قدره ثمانون ألف فرنك مع تذكرة سفر خارج الكويت، يضاف إليه مبلغ آخر قيمته ستة آلاف فرنك لتغطية مصاريف كل طالب.
وفي نفس السياق، تمكن وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة عند زيارته للكويت من الحصول على أربعين مقعداً إضافياً للطلبة الجزائريين، وقد وعدت الحكومة الكويتية رفع العدد في المستقبل ورفع المنح المخصصة لهم إلى مائة ألف فرنك، وقد وصل عدد طلاب الثانوية من الجزائريين في الكويت إلى سبع وثلاثين طالباً كانت نفقاتهم كلها على حساب السلطة الكويتية الرسمية.
وسمحت السلطات الكويتية بتخصيص ساعات في إذاعتها الوطنية للثورة الجزائرية، وكانت بقدر ثلاث ساعات أسبوعياً مما سمح لشرائح واسعة من سكان الخليج العربي أن يتعرفوا على القضية الجزائرية وأن هناك شعب عربي في منطقة المغرب العربي يعاني ويلات الاستعمار الفرنسي هو الشعب الجزائري.
لقد وقفت الكويت أميراً وحكومة وشعباً بجانب الثورة الجزائرية وواكبت أطوارها، وأدركت تماماً أن فرنسا الحضارة هي فرنسا الدمار والإبادة في الجزائر.
واقترنت المساعدات المادية الكويتية للشعب الجزائري منذ انطلاقة الشرارة الأولى للثورة سنة 1954م بمؤازرة وجدت ترجمتها على كافة الأصعدة المعنوية والإعلامية والسياسية، وأدركت الكويت منذ انطلاقة الثورة الجزائرية، أن المساندة المطلوبة للشعب الجزائري ليست مساندة مادية فقط، وإنما هي مساندة ومناصرة الشقيق ضد المغتصب، الأمر الذي انطلقت منه الكويت حكومة وشعباً تعلن موقفها المساند واستعدادها للتضحية بكل ما تملك في سبيل نصرة الحق واستعادة الكرامة والاستقلال، هذا على الرغم من أن الكويت لم تكن نالت استقلالها السياسي بعد.
وقد صرّح رئيس الحكومة المؤقتة لدى استقباله للبعثة الطبية الكويتية «1962م» فقال: صحيح أن كفاح الشعب الجزائري في الداخل قد حطم الاستعمار ولكن هناك جهود الشعوب العربية.. الكويت وقادتها الأشاوس بما قدموا من تبرعات ومساعدات وتأييد؛ أثرت كلها في سير المعركة.
هكذا نرى بأن أهل الكويت لم يبخلوا على إخوانهم الجزائريين سواء في النواحي المادية أو المعنوية أو السياسية، ولذلك شكلت الكويت بوابة إسناد حقيقي للشعب الجزائري وركيزة أساسية في قوته واستمرار نضاله حتى نيل استقلاله عن المستعمرين.