بادرة رائعة من اللورد محمد الطاف شيخ عضو مجلس اللوردات البريطاني، بتكريم رموز العمل الخيري الكويتي، في حفل أقيم في مجلس اللوردات في لندن، ولهذا الحفل دلالات رائعة في أمرين: قوة العلاقات البريطانية الكويتية، وثقة الإدارة البريطانية بالعمل الإنساني الكويتي وتزكيته له.
وتكفي الإشارة المباشرة لذلك في كلمة اللورد شيخ حينما وصف دولة الكويت بأنها “قوة عظمى” في مجال العمل الخيري والإنساني، لما عرفت به من مبادرات عالمية في مساعدة الشعوب التي تعاني كوارث مختلفة.
نعم.. لم يكن اللورد شيخ مجبراً على ذكر هذا الكلام، ولا مجاملته، بقدر ما ذكره قناعة ومحبة، ولاحظ الجميع اهتمامه بالوفد الكويتي الذين لن يفيدوه سياسياً، ولكنها قناعة حقيقية عبر عنها بكل شفافية.
وكانت لفتة جميلة من الشيخ صباح ناصر صباح الأحمد الصباح، وكيل الديوان الأميري لشؤون الأسرة الحاكمة، عندما ذكر أن أهل الكويت جبلوا منذ القدم على حب الخير، وتعظيم قيم التكافل والتراحم والبذل والعطاء وإغاثة الملهوف، فلم تمنعهم قسوة الحياة وشظفها حينئذ من أن يقدموا كل عون ومساعدة لذوي الحاجات فكانوا أهل نجدة ومروءة.
وأكد أنهم ما زالوا على هذا النهج، فأسسوا العديد من الهيئات والجمعيات الخيرية، الرسمية والأهلية، التي وصلت مشاريعها الإنسانية إلى مختلف أنحاء العالم.
وبين العم عبدالعزيز سعود البابطين في كلمته ممثلاً عن المكرمين أن “مؤسسة البابطين الثقافية” قدمت مساهمات عديدة في بريطانيا، أبرزها كرسي “لوديان” للغة العربية الذي تأسس عام 1636م في جامعة أكسفورد العريقة، والتكفل بعدة مقاعد في مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، وهذا أحد نماذج التميز في العطاء الذي لا يقف عند الغذاء والكساء، ويدعم العلم والعقل.
ولا يخفى على أحد أن العديد من المؤسسات الكويتية ساهمت في العديد من المشاريع الإنسانية في بريطانيا، مثل بناء دور إيواء للنساء اللائي يخرجن (يطردن) من بيوتهن لخلافات حادة، وتوفير ولائم الإفطار في شهر رمضان المبارك، وتقديم الوجبات للفقراء والمشردين (Homeless)، وبناء مراكز ثقافية وتعليمية وتنموية. وكل هذه الخدمات لا تفرق بين عرق أو لون أو دين. وهذا ما أشار إليه اللورد شيخ بقوله إن الكويت تزخر بعدد كبير من المنظمات والجمعيات الخيرية التي لها باع طويل في العمل الإنساني، وإسهامات خيرية في شتى أصقاع العالم دون تمييز ديني أو عرقي.
وحقيقة أن إقامة حفل تكريم رموز العمل الخيري في الكويت في مجلس اللوردات البريطاني بحد ذاته أمر يبعث على الفخر والاعتزاز.
ونفخر نحن الكويتيين بتتويج الأمم المتحدة لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح “قائد عمل إنساني”، ودولة الكويت “مركزاً إنسانياً عالمياً”.
ومن لطائف كلمات اللورد شيخ قوله: إن العمل الإنساني عنصر متأصل في تاريخ الكويت قيادة وشعباً، حتى أصبحت الكويت أكبر دولة في مجال التبرعات في العالم، وأن قيمة التبرعات قدرت عبر السنين بمليارات الدولارات، وعندما تحسب على الفرد الواحد، يتبين أن الكويت تتصدر العالم في هذا المجال، ولا تجاريها فيه أي دولة.
ويتميز سفير دولة الكويت لدى المملكة المتحدة خالد الدويسان ورئيس السلك الدبلوماسي فيها بأسلوبه السلس في الكلمات، وكلامه السهل الممتنع، والذي اعتبر اللورد شيخ “شيخ اللوردات”، مشيداً بالدور الإنساني الذي تؤديه الجمعيات الخيرية الكويتية لمساعدة الفقراء والمحتاجين في مختلف أنحاء العالم، بما يعكس الوجه المشرق لدولة الكويت.
وكما هي عادة السفير خالد الدويسان، ترك طاولة العشاء، وأخذ يجول بين الحضور الذين تجاوز عددهم 180 شخصاً، يسلم عليهم فرداً فرداً، مع ابتسامته المعهودة، في لفتة دبلوماسية متميزة.
ولعلها المرة الأولى التي يتلى فيها القرآن الكريم في افتتاح فعالية تحت قبة مجلس اللوردات البريطاني بطلب شخصي من اللورد شيخ، وقدر الله أن يكون الشيخ مشاري العفاسي أحد المكرمين، فدعي إلى المنصة لتلاوة آيات من الذكر الحكيم.
وأبدع عريف الحفل أحمد التميمي بإدارة الحفل، بلغة إنجليزية متميزة، وهي أيضاً المرة الأولى التي يقدم فيها فعالية تحت قبة مجلس اللوردات البريطاني شخص كويتي.
وشهد الحفل توزيع دروعا تذكارية على المحتفى بهم، وهم: عبدالله العلي المطوع، ود. عبدالرحمن السميط، وجاسم الخرافي، ومبارك الحساوي رحمهم الله، والذين استلم الدروع عنهم أبناؤهم.
وشمل التكريم أيضاً الشيخ د. خالد المذكور، ود. عادل عيسى اليوسفي، وعبدالعزيز سعود البابطين، وفاطمة بوقمبر، ومحمد يوسف القطامي، والشيخ د. بدر الحجرف، والشيخ صلاح أحمد الجارالله، ومعالي العسعوسي، ود. حنان القطان، وعبدالرحمن عبدالعزيز المطوع، ود. جابر عيد الوندة، والشيخ جزاع الصويلح، والشيخ عدنان عبدالقادر، والشيخ مشاري راشد العفاسي.
وتم تكريم جمعية النجاة الخيرية التي يمثلها د. رشيد الحمد، والرحمة العالمية التي يمثلها د. مطلق القراوي، والجمعية الكويتية للعمل الإنساني التي يمثلها إياد العبيد.
وقد بذل السكرتير الأول في السفارة الكويتية في لندن بدر العدواني جهوداً كبيرة لإنجاح هذا الحفل، فقد بدأ التخطيط لهذا العمل منذ أكثر من ستة أشهر، وكان حلقة اتصال مع جميع المكرمين في الكويت، والديوان الأميري، ومجلس اللوردات، وجميع المدعوين من داخل بريطانيا، وبالأخص المؤسسات الإنسانية ووسائل الإعلام، وأشرف على الاستقبال والتنقلات والإقامة، والسعي على راحة الضيوف، فهو الوحيد الذي يتواصل مع 21 شخصاً مكرماً على مدار الساعة، فكان رجل علاقات عامة من الدرجة الأولى، ويستحق بعد هذا النجاح أن نرفع له العقال.
وكانت له لفتة جميلة بدعوة جميع المكرمين قبل الحفل بيوم على حفل شاي (Afternoon Tea) لأجل التعارف بينهم، وشرح البرنامج لهم، وحضر اللقاء الشيخ طلال الفهد الذي يعالج هناك شافاه الله.
ولا ننسى دور زوجة بدر العدواني الفاضلة في دعم هذا الملتقى الرائع، فقد كانت في رفقة النساء المكرمات والضيوف في كل فعالية، ومساعدة أي ضيف من الكويت، بنفسية عالية، فلها كل شكر وتقدير.
ولعلنا بعد انتهاء الحفل التاريخي الرائع أن نكرر السؤال: ماذا يعني تكريم العمل الإنساني في بريطانيا؟ وكيف لنا أن نتعامل مع مثل هذه المناسبة؟
إنه يعني الكثير، فهو فخر واعتزاز لجميع الكويتيين، وهو بلا شك يعد توطيداً للعلاقة البريطانية الكويتية، ودعماً للعمل الخيري الكويتي، وثقة من السلطات البريطانية بالعمل الإنساني الكويتي، والذي ينبغي أن يرد بالمثل؛ بالمزيد من المشاريع الداعمة داخل بريطانيا، وبالأخص التعليم، ونشر الفكر الوسطي المعتدل.
وإلى الملتقى في مناسبات قادمة يفخر بها الكويتيون.