لا يعدم الأسرى الوسيلة في التعبير عن خواطرهم وأفكارهم وهو في ظلمة مراكز التحقيق، فيتخذون من جدرانها وأبوابها سجلات يخطون فيها خواطرهم وأفكارهم من خلال الحفر على الأبواب والجدران.
حالة عزلة
المحرر الصحفي رغيد طبسية (25 عاماً) من قلقيلية الذي تحرر من الأسر قبل أيام بعد ستة أشهر من الاعتقال على خلفية تهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي يقول عن كتابات الأسرى على أبواب الزنازين والجدران في حديث “المجتمع” معه: الأسرى في التحقيق لا يملكون قلماً ولا ورقة، ويحفرون خواطرهم وأفكارهم بأظفارهم الطويلة التي يعاقبون على عدم قصها في مرحلة التحقيق للضغط عليهم أو من خلال قطعة خشبية صغيرة، فأكثر العبارات التي أثرت في نفسيتي عندما كتب أحد الأسرى أسماء أبنائه الثلاثة وقال: “سامحوني” ، فهذه العبارة لها مدلول نفسي كبير، ففي مرحلة التحقيق يكون المعتقل منقطعاً بشكل تام عن العالم، وهذا العزل يؤثر على نفسيته ويتذكر أكثر الناس قرباً على قلبه وهم الأبناء، فكلمة “سامحوني” تعبر مدى الظلم الواقع عليه من الاحتلال، وأنه يعتذر لهم على غيابه عنهم قسراً نتيجة الاعتقال والتحقيق.
وأشار طبسية: يستطيع أي شخص أن يشاهد عبارات على جدران الزنازين والأبواب، ويحلل نفسيات هؤلاء العظماء الذين سكنوا هذه الزنازين وهم في حالة عزلة، فمن هذه العبارات فيها الحب للعائلة والشوق لهم، ومنها عبارات التحدي وأبيات من الشعر لها عدة معاني تجذر الصمود وتقوي الإرادة، وكما أن لهذه العبارات التي ولدت من رحم المعاناة تأثير على الأسرى والمعتقلين الذين يأتون من بعدهم، فهي وسيلة للتواصل مع الآخرين، بل إن الكثير من أصدقاء الأسرى يعرفون أخبار من سبقهم من خلال عبارات تحفر على أبواب الزنازين أو جدرانها.
بصمة
أما المحرر الإعلامي د. أمين أبو وردة من مدينة نابلس قال لـ”المجتمع”: لا أحد يقلل من هذه الوسيلة بالنسبة للأسير داخل التحقيق، فهي توثق تجربة قيمة في كلمات قليلة، وتكون هذه الكلمات بمثابة بصمة للأسير الذي مر في هذه التجربة ويتعرف عليها كل من يأتي بعده، فكثير من الجمل القوية منعت أسرى من الانهيار عندما شاهدوا عبارات تتحدث عن أن الاعتراف خيانة أو الصمود أقصر طريق للحرية، فهذه الجمل تقوي عضد الأسير الذي يكون في حالة انهاك من طول فترة التحقيق، فهي كالبلسم تكون للمجروح، وخلال توثيقي للحركة الأسيرة في فترة اعتقالي الأولى والثانية خلصت بأن كتابات الأسرى على أبواب الزنازين والجدران ليست مجرد تفريغ عاطفي، بل هي وسيلة إرشادية لمن يأتي بعدهم أن هذه الزنزانة سكنها أناس قبلكم وخرجوا منها أقوياء لم ينكسروا أمام السجان والجلاد والمحقق.
وقال أبو وردة: هذه الوسيلة تعتبر من الوسائل الإعلامية بين الأسرى، فهي لا تحتاج إلا إلى قوة في اليدين لحفر الجدار أو دهان الباب ليسطر الأسير ما يشاء من أفكار وخواطر وأشعار.
بدوره، المحرر إياد داود (45 عاماً) من قلقيلية قال لـ”المجتمع”: في أحد الاعتقالات علمت بوجود صديق عزيز داخل الأسر من خلال كتابة على أحد جدران زنزانة سجن هداريم والتي يبيت فيها الأسير أول ليلة عند قدومه السجن، قبل أن يتم استيعابه في الأقسام الداخلية، ولولا وجود اسمه على الجدار وتاريخ اعتقاله لما عرفت ذلك.