رحل، يوم الخميس الماضي، الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان ومؤسس صحيفة الإخوان المسلمين فيها في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، حيث حمل الدعوة مع كوكبة من جيله، وتخطوا بها الصعاب التي واجهته في بلد كان يموج بالأفكار والصراعات، في محاولة للانفصال عن مصر بعد ثورة 23 يوليو، ومحاولة الحركة الشيوعية السيطرة على الحياة الفكرية والرأي العام، فعمل مجاهدا لتثبيت دعائم المنهج الإسلامي الوسطي ونشره وسط الشباب عن طريق القلم واللسان.
تقابلت معه في شعبان من عام 1433هـ الموافق يوليو من عام 2012م وقت زيارتي للسودان حيث سعدت بزيارته في بلدته بأطراف مدينة الخرطوم؛ فكان مثالا للتواضع والاعتزاز بالنفس، وسعة الأفق وقوة الشخصية والاحتواء، ومعرفة لغة التواصل مع كل الأجيال ومختلف الأطياف.
ظل الشيخ صادق مجاهدا من أجل دينه حتى في أشد الحالات عسرا حتى توفاه الله ليلة الجمعة الموافق 12 رجب 1439هـ، 30 مارس 2018م.
بداية الرحلة
عمل والده الشيخ عبد الله عبد الماجد معلماً طيلة حياته، وهو من قبيلة الجعليين تحديداً من منطقة قرى، ووالدته السيدة عائشة سيد أحمد وهي من قبيلة المحس، كان كلاهما يسكن حي الشهداء بأم درمان موقع نادي الخريجين حالياً، والده كان من أوائل الذين قطنوا مدينة ودنوباوي عام 1926 ولم يكن فيها من البيوت إلا ما يعد على أصابع اليد الواحدة، شيد منزلهم في فضاء مطلق بجواره منزل واحد فقط وهو منزل عمر الإمام، ولا تزال الأسرتان تقطنان المنزلين حتى الآن.
افتتح والده العديد من المدارس الأولية رغم قلتها في ذلك الوقت؛ إذ كان الاستعمار حريصا على ألا ينتشر التعليم في السودان، وأسهم بفضل الله في تخريج عدد من الدفعات مع زملائه.
ولد الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد في مدينة الرهد في العام 1926م، وبدأ سنوات طفولته بمدينة بورتسودان، وتلقى دراسته الأولية بمدرسة طوكر وأكملها بمدرستي أبوروف والهجرة، وحصل المرحلة المتوسطة بمدرسة أم درمان الأميرية المتوسطة.
ونظرا لقلة المدراس الثانوية في تلك الفترة سافر إلى مصر، والتحق بمدرسة حلوان الثانوية في بداية أربعينيات القرن الماضي، وبعد خمس سنوات أكمل المرحلة الثانوية وكانت تسمى “البكالوريا”، بعدها التحق بجامعة فؤاد (كلية الآداب)، وبعد عام تحول إلى كلية القانون ونال الليسانس في العام 1954م([1]).
بصحبة حسن البنا
منذ أن وطئت أقدامه مصر، وهو يقتدي بالتربية التي غرسها فيه والده حيث المحافظة على الصلوات والعبادة ،فالتقى ببعض شباب الإخوان الذين رأى فيهم الشباب المحافظ والفاهم لقضايا الوطن.
يقول في ذلك: في المدرسة التي كنت أدرس بها كان هناك صديق تعرفت عليه وكان من الإخوان المسلمين، توطدت علاقتي به، وصرنا أصدقاء نلازم بعضنا البعض في الحل والترحال، كان يحدثني كثيراً عن الإخوان وأسلوب التربية، وعن علماء الدين والشيخ حسن البنا الذي كون هذه الجماعة، كنت أستمع إلى كل ذلك لأول مرة، وبشغف شديد عرفت الكثير الذي لم أعرفه([2]).
كما التقى بالإمام حسن البنا حيث نهل من عمله وفكره، كما تعرف على أ/سيد قطب، حيث يقول: في ذلك الوقت كان الشهيد سيد قطب يسكن مدينة حلوان قريبا من الداخلية التي كنا نسكن فيها، وكان معنا ابن أخته محمد بكر الشافعي، طلبت منه أن يصطحبني معه لمنزل قطب، وبالفعل قمنا بزيارته وأصبحت الزيارة تتكرر كل جمعة، لم يكن وقتها قد انضم للإخوان المسلمين، كنا نذهب إليه باعتباره رجلاً أديباً، كان متعلقاً بمحمود العقاد يدافع وينافح عنه إلى أن تحول للعمل الإيجابي مع الإخوان([3]).
وحينما عاد كانت بذور الدعوة التي غرسها جمال السنهوري عام 1944م موجودة في الأرض السودانية، غير أنها تتخطفها التيارات، فعمل مع الأستاذ علي طالب الله المراقب العام السابق.
على درب الأشواك
سُجن في أربعينيات القرن الماضي، وحوكم مع آباء استقلال السودان من أمثال الأستاذ خضر حمد رحمه الله، وحمل على دهاقنة الاستعمار الإنجليزي بقلمه الصارم، فكتب الشيخ صادق المقالات النارية الحارقة، داعيًا بني قومه إلى أن يهبوا هبة رجل واحد حتى يزيلوا ما علق بأوطانهم من أوضار المستعمرين الكفرة.
لقد علم الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد ما للكلمة من تأثير فجاهد بها جهادًا كبيرًا.
ولقد نال بفضل من الله ونعمة ثقة من تعامل معهم من السياسيين والصحفيين والمفكرين والتربويين والمشتغلين بالشأن العام، وكثير من هؤلاء وأولئك ممن تربّى على يديه ونهل من أدبه قبل علمه. ورأس تحرير مجلة “الإخوان المسلمين” (1956 م – 1959 م)، ويعتبر من أوائل قادة العمل الإسلامي، واختلف مع جناح الدكتور الترابي وأنشأ وزملاؤه تنظيما منفصلا سموه “الإخوان المسلمين”، وأصبح هو التنظيم المعترف به من قبل الجماعة الأم.
دخل السجن في بدايات حكم مايو من 1969 حتى العام 1972، ثم عمل بالسعودية والكويت، وفي انتخابات عام 86 عقب سقوط نظام نميري ترشح في الدائرة الأشهر الدائرة 44 أم درمان القديمة مرشحا عن جماعة الإخوان المسلمين، ورشحت الجبهة الإسلامية القومية الصحفي حسين خوجلي، وطلب الكثيرون من حسين خوجلي الانسحاب لضم أصوات الإسلاميين إلي شيخ صادق لكن حسين خوجلي رفض؛ الأمر الذي سهل فوز مرشح حزب الأمة محمد عثمان صالح بالدائرة([4]).
انتخب مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في السودان من العام 1991 حتى مارس 2008م، ثم خلفه د.الحبر يوسف نور الدائم مارس 2008م.
عرف رحمه الله تعالى بزهده ونظافة يده.
قالوا عنه
يقول عنه هاشم الإمام:
الشيخ صادق رجل بسيط في مظهره ومطعمه ومشربه ومسكنه، كريم لا يبخل بما عنده ولا يتكلّف ما ليس عنده.
و قال عنه يحي العوض (أحد أقطاب الشيوعيين بالسودان):
“الأستاذ الجليل صادق عبدالله عبدالماجد وقد أكرمت بذكرياته عن سنوات السجن في عهد الرئيس نميري ونشرتها في “النهار أغسطس 1987م”، كان مهتما بالتربية وتزكية النفوس وسط شباب الإخوان، وهو قدوة في السلوك القويم وعفة اللسان والزهد، وكنت ألقاه كثيرا لجواره لمسجد الشيخ البشير محمد نور في شمبات، بل كان يماثله في سمعته وخلقه([5]).
([1]) حوار المراقب العام للإخوان المسلمين الشيخ صادق عبد الله في برنامج زيارة خاصة – قناة الجزيرة – 13 يوليو 2007م الموافق 17 رجب 1428هـ.ـ
([2]) حوار مع الأستاذ صادق عبد الماجد: موقع النيلين، أجرى الحوار نبيلة عبد المطلب، 1 سبتمبر 2008م، رابط http://cutt.us/jysmz
([3]) حوار مع الباحث عبده مصطفى دسوقي: موقع إخوان ويكي، يوليو 2012م.
([4]) حوار المراقب العام للإخوان المسلمين الشيخ صادق عبد الله في برنامج زيارة خاصة – قناة الجزيرة – 13 يوليو 2007م الموافق 17 رجب 1428هـ.
([5]) يحيى العوضي: صحيفة الراكوبة: مقال كنت معهم ولست منهم، 25/ 5/ 2015م، رابط http://cutt.us/1MWX2