الأسرة هي اللبنة الأولى والدّعامة الأساسيّة في بناء المجتمع وصرحه؛ فإذا كانت هذه اللبنة قويّةً كان البناء الذي يقوم عليها قويّاً متماسكاً، وإذا كانت ضَعيفةً تهاوى البناء وسقط مع أوّلِ ريحٍ تعتريه.
كما أنها إحدى مؤسّسات التنمية الاجتماعية؛ ذلك لأنّ شخصيّة الفرد تتكوّن في هذه المؤسسة، وتُسهم في بناء أفراد أسوياء أقوياء، ويظهر ذلك من خلال السلوك السوي الذي ينتهجونه، والدور الإيجابي لهم في الحياة.
وتُبنى الأسرة على أوضاع ومتطلبات عديدة يقرها المجتمع ويعترف بها؛ فالعلاقة الزوجية التي هي أساس الأسرة ومحورها تقوم على مصطلح الزواج الذي يقرُّه المجتمع ويؤكده.
الأسرة والمجتمع
حث الدين الإسلامي على أهمية الزواج من أجل ذلك الهدف الشديد الأهمية وهو تكوين الأسرة والحفاظ على وجود الجنس البشري، وإنتاج مجموعة من الأفراد الصالحين الذين لديهم القدرة على الإنتاج والمساهمة بكل إيجابية في تغيير المجتمع نحو الأفضل وذلك من حيث المفاهيم والعادات وطرق الحياة وعوامل التعايش السليمة وتحقيق تلك التنمية المستدامة.
وللأب والأم دور مهم في غرس الفضائل والشمائل والصفات الحسنة عند الأبناء حتى ينشأ هؤلاء الأبناء وهم في صحة نفسية وجسدية واجتماعية وأخلاقية.
ولا نغفل الهدف الرئيس من الأسرة وهو تحقيق المودة والرحمة لإقامة المجتمع والأفراد المتماسكين ذوي الفضل؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]([1]).
عوامل نجاح الأسرة
ربما عمد علماء الاجتماع إلى معالجة أسباب انهيار الأسرة وأكثروا فيها الحديث والأبحاث، لكن القليل من تحدث عن الأسباب التي تؤدي لنجاح العلاقات الأسرية، ومن هذه العوامل:
الالتزام بالمسئوليات: لا بد أن يستشعر كل فرد مسئوليته نحو أسرته.
التواصل الإيجابي: لا بد من وجود عناصر مشتركة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ وهو ما يجعلها قوية متماسكة لا يؤثر فيها المتغيرات والمستجدات التي تحدث في المجتمع.
القدرة على مواجهة الضغوط النفسية: فالضغوط النفسية والأزمات شيء طبيعي في حياة المجتمعات والأسر، لكن الأسرة السعيدة هي التي تستطيع التغلب على مشاكلها وحلها في إطار أسري متكاتف يشع من جوانبه روح التكامل والتضافر والسعي لحل المشكلات في إطار جماعي شوري.
التوافق الروحي: فالله جعل المودة والرحمة والسكينة قواسم مشتركة بين الزوج والزوجة، ومن ثم بين الأبناء؛ ولذا لا بد من نجاح الأسرة في أن تتوافق القيم الروحية وتسود الأخلاق الطيبة([2]).
أسباب غياب الزوج
هناك بعض الأسباب التي تضطر رب الأسرة إلى الغياب عن بيته شهورا أو ربما أكثر؛ فمن هذه الأسباب أن بعض الأسر المسلمة تعاني من ضعف الموارد فيضطر ربها للبحث عن موارد الرزق في أماكن أخرى قد تجبره على الغياب فترات قد تقصر أو تطول.
وبعضهم قد يضطر للغياب والسفر بسبب استكمال التعليم في بلد آخر، أو الالتحاق بالجيش، أو الخروج للجهاد في سبيل الله، أو قد تفرض عليه ظروف جبرية لا يختارها كالحبس سواء لجناية أو لدوافع سياسية، وهذه الحالة تختلف عن سابقتها لأن السجين لا يملك من أمره شيئا بخلاف المسافر فباستطاعته قطع السفر والعودة، هذا بخلاف المعاناة النفسية التي يعيش فيها الزوج والزوجة والأولاد، وبلا شك يترك ذلك تأثيرا كبيرا على الجميع.
ولذا تشير الدراسات النفسية إلى أهمية دور الأب في حياة أبنائه، والتي لا يمكن أن تقتصر على المسؤولية المادية؛ فوجود الأب في حياة أطفاله ركيزة مهمة من ركائز تطورهم ونموهم النفسي والاجتماعي.
وقد يترك غياب الأب آثارا نفسية على الزوجة والأبناء مثل:
1- الحرمان الجسدي والفقدان العاطفي الذي يشعرون به؛ وهو ما قد يكلف الأسرة غاليا إذا حادت الزوجة عن الطريق، وارتمت في شباك العواطف المحرمة خاصة مع انتشار وسائل التواصل التي تسهل هذا الأمر لضعاف النفوس من الجنسين.
2- الشعور بالعزلة: في ظل غياب الزوج أو الأب تشعر الزوجة بالعزلة فلا تحب الاحتكاك بأحد؛ وهو ما قد يؤثر على أعصابها وتربيتها لأولادها واحتوائهم.
3- الاكتئاب النفسي والعصبية الشديدة؛ فكثيرا ما تصاب أغلب الأمهات في حالة غياب الزوج بالعصبية الشديدة والتوتر والانفعال الزائد حتى على أبسط الأسباب.
4-التدليل المفرط أو القسوة المفرطة لغياب الأب الذي قد يكون عامل اتزان تربوي.. وغيرها([3]).
خطوة نحو العلاج
لا بد أن يدرك الزوج –خاصة المسافر- أن لأهله حقا مكفولا لا يعوضه المال؛ ولذا لا بد أن ينظر ويقيم طبيعة العلاقة بين الحين والآخر.
ومن وسائل علاج هذا الأمر:
ترقية الجوانب الإيمانية لدى الزوجة والأبناء، وإشغال وقت فراغهم بالأعمال الإيمانية والترفيهية.
تعدد الزيارات والسؤال الدائم عليهم من قبل الأهل والجيران والأصدقاء وتلبية احتياجاتهم والسؤال عنهم وتفقد أحوالهم وما يعانون منه، وعدم تركهم فترات طويلة دون رعاية.
الاتصال الدائم (إن تيسر) بين الزوج والزوجة والحديث معها بالكلام الذي يشبع الجانب الروحي والعاطفي لديها خاصة مع توفر التقنيات الحديثة؛ ولذا لا بد أن يدبر الزوج وقتا كافيا ليتحدث فيه مع زوجته وأبنائه بصورة شبه يومية لكي يكون على صلة بهم لا تنقطع، ولكي لا يشعروا بغيابه عنهم ولا يعتادوه.
الاستماع الجيد من الزوج لزوجته في المشاكل التي تواجهها وإيجاد آليه للحلول معها، ووضع أطر للتعامل مع المشاكل خاصة التي تتعلق بالأولاد، سواء عن طريق الاتصال أو أثناء الزيارات للمسجونين بحيث تكون الزيارة لإشاعة الود وليست لإثارة الخلاف.
عدم إشعارهم بالنقص المادي الذي يسبب ضغط نفسي عليهم؛ وهو ما يضطرهم للهروب بالأعمال المحرمة التي قد تخالف الشرع، فيجب على الزوج أو من ينوب عنه رعاية ذلك([4]).
تبادل الزيارات إن تيسر الأمر وعدم وصل السفر لمدة طويلة، فلا شيء يوازي إحساس المرأة أو الرجل عندما يكونان معا، والحرص على تعدد زيارات الزوج المسجون لتخفيف الآثار السلبية التي يعاني الجميع منها بسبب الظروف التي أحاطت بهم.
الخروج وتغيير الأماكن وفق الشرع؛ فخروج المرأة من منزلها وقيامها ببعض النشاطات على اختلاف أنواعها (بدنيّة- مهنيّة- ثقافيّة…) يخفّف من شعورها بالفراغ والوحدة.
الانفتاح وعدم الانطوائية: فبعض النساء يشعرن بالخوف بعد غياب الأزواج؛ فيقمن بالانعزال وإغلاق العالم على أنفسهن وعلى الأبناء وتجنب الاختلاط بالآخرين. سيزيد هذا من توترك وسيؤدي إلى انعزال أبنائك وإصابتهم بالانطواء والتأثير على مهاراتهم الاجتماعية. قومي بإيجاد دائرة دعم ممن تثقين بهم من الأقارب والأصدقاء، وشجعي أطفالك على خلق صداقات وعلاقات في أطر صحية، ولا تقومي بعزلهم عن الآخرين.
الطلاق: في حالة عدم تحمل الزوجة لهذا الوضع وخوفها من الوقوع في المحرمات وفي حالة عدم مقدرة الزوج اصطحابها أن يتفرقا ويبحث كل فرد عما يغنيه ولا يغضب ربه([5]).
الهوامش
([1]) حسين محمد يوسف، أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المضادة، القاهرة، دار الاعتصام, ط2 سنة 1398 هـ.
([2]) مصطفى حجازي: “الأسرة وصحتها النفسية [المقومات- الديناميات- العمليات]، المركز الثقافي العربي بيروت لبنان، طـ 1، 2015م.
([3]) فاطمة سلمان: الزوج المسافر» غياب عاطفي وفقدان أسري، صحيفة الأيام، العدد 9766 الاثنين 4 يناير 2016 الموافق 24 ربيع الأول 1437هـ (بتصرف).
([4]) غياب الزوج عن زوجته.. حكمه وضوابطه: موقع إسلام أون لاين، رابط goo.gl/RdwbMN
([5]) رولا زعزع عياد: موقع الجميلة، 16 أبريل 2014م، رابط الموضوع goo.gl/X8Dibf