أومن أن الحكم العسكري الدموي الفاشي الذي تأسس بانقلاب 1952م، كان من أهدافه الأساسية غير المعلنة، استئصال الإسلام، وإحلال المادية المتوحشة مكانه. سمها الاشتراكية، الشيوعية، الليبرالية، العلمانية، أي شيء آخر عدا الإسلام.
وفي سبيل ذلك صُودرت أوقاف المسلمين، وأُّضعف الأزهر، وأفرغت التربية الدينية في المدارس من جوهرها؛ حيث صارت مادة لا تضاف إلى المجموع، ولا تدرّس عملياً، وينجح فيها الطلاب دون أي جهد، ثم تمّ تسخير السينما والدراما وبرامج الإذاعة والتلفزيون والصحافة لتشويه الإسلام والمسلمين ورميهم بأقذع الصفات وأقبحها، لتنفير الناس من الإسلام وتشريعاته.. وموّه النظام العسكري على ذلك بإنشاء إذاعة القرآن الكريم، ومن قبله ما يسمى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي كانت مهمته الدعاية للبكباشي داخل البلاد وخارجها!
وبالطبع كان التطبيق العملي لاستئصال الإسلام تفريغ المؤسسات العسكرية والحكومية من المتدينين أو الذين تشم فيهم رائحة تدين.
ولا يكف النظام عن التحرش بالإسلام والمسلمين، ووضعهم في خانة الإرهاب المتحرش بالعالم، ثم مطالبته بتغيير الإسلام من خلال ما يسمى تغيير الخطاب الديني؛ وعقد المؤتمرات والندوات وإطلاق الأبواق لتحقيق هذا الغرض الخبيث.
أحدث صيحة في هذا التوجه كانت من كاتب صحفي تربي في حضن السلطة العسكرية منذ انقلاب عام 1952م وعاش في خدمتها حتى الآن، وهو الأستاذ صلاح منتصر الذي دعا اللاعب المصري الشهير محمد صلاح ليحلق ذقنه، من خلال رسالة بعث بها رفيقه الناصري، وأيده فيها بقوة، وإلا صار متطرفاً وإرهابياً، وقال منتصر: إن نجومية صلاح لها تبعاتها التي تبدأ بضرورة أن يحافظ على موهبته وصحته وضرورة حاجته إلى «نيولوك» يتغير به شكله أمام محبيه، فهو يجب أولاً أن يحلق لحيته الكثيفة التي لا تتناسب مع سنه أو نجوميته، تضعه -من حيث الشكل على الأقل- في سلة واحدة مع المتطرفين المتزمتين إن لم تضعه مع الإرهابيين أو المتعاطفين معهم على الأقل، وبعد هذا فإن عليه أن يعيد النظر تماماً في تسريحة شعره الكثيف الذى يبدو مهوشاً ومنفوشاً وكأن الحلاق لم يعرف طريق شعره منذ سنوات، وتمنى أن تكون مناسبة كأس العالم في موسكو فرصة أن يظهر في الصورة الجميلة التي يتمناها له، وختم قائلاً: عش شبابك يا صلاح ولا تتعجل اللحية والشعر الغجري!
هكذا يفكر عُبّاد البكباشي تجاه اللحية وقضايا المجتمع، بالطبع لا يفكرون في اللحى التي يظهر بها آلاف اليهود في فلسطين المحتلة، ولا ملايين اللحى التي تظهر في شتى بقاع العالم، بدءاً من لحية هوتشي منه في فيتنام إلى لحية فيدل كاسترو في كوبا، لحية المسلم لا تليق حتى لوكان إطلاقها سُنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الغريب أن صلاح منتصر وصف الرفض الساخط لما كتبه بـ”غير المبرر”، وأصر على رأيه، لأنه لم يقصد الإساءة إلى اللاعب مطلقاً، وبالطبع تجاهل أن هجومه على لحية صلاح هو هجوم على سُنة إسلامية بوصف اللحية في رأيه علامة دالة على التطرف والإرهاب! ومن هذا المنطلق فلحية ميسي، ولحية تامر حسني، ولحية سمير الإسكندراني.. علامة دالة على الإرهاب والدموية!
والمفارقة أن يأتي هجوم منتصر على اللحية، متزامناً مع حملة كراهية لترهيب المسلمين وإيذائهم في بريطانيا تحت عنوان رسائل «يوم العقاب».. فقد أكدت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية أنها تحقق في رسائل إلكترونية وخطية مجهولة المصدر تحت عنوان «يوم عقاب المسلمين» تم إرسالها إلى مسلمين بعدة مناطق في بريطانيا من بينها العاصمة لندن، ومدن برادفورد، وكرديف، وشيفلد، وليستر، ومقاطعة يوركشاير ومنطقة «ميدلاندز»، وقالت الشرطة: إنها تحقق في الرسائل بوصفها «جريمة كراهية»، حيث تحرض الرسائل المروعة على إلحاق الأذى بالمسلمين يوم ٣ أبريل، انتقاماً مما وصفوه بـ«غزو المسلمين» لأوروبا.
ووضعت إحدى الرسائل «نظام نقاط» للتحريض على إيذاء المسلمين، منها أن من يقوم باعتداء لفظي سيحصل على ١٠ نقاط، ومن ينزع حجاب امرأة يحصل على ٢٥ نقطة، ومن يلقى مادة حارقة على وجه مسلم سيحصل على ٥٠ نقطة، ومن يفجر أو يحرق مسجداً سيحصل على ألف نقطة (هؤلاء لا يوصفون بالإرهاب أبداً!)
وأثارت الرسائل -كما تقول الأهرام 12/ 3/ 2018م- مخاوف من حملة اعتداءات ضد المسلمين، خاصة مع تزايد معدلات جرائم الكراهية ضد مسلمي بريطانيا بنسبة ٤٠% خلال العام الماضي، وأدان نواب في مجلس العموم البريطاني والمنظمات الحقوقية رسائل التحريض، ووصفوها بالخطيرة والمرعبة.
وقال المتحدث باسم شرطة المتروبوليتان في لندن لـ«الأهرام»: إن الشرطة بدأت التحقيق في التهديدات المروعة بعد تلقي مسلمين لتلك الرسائل، ودعاهم إلى عدم القلق، كما طالب كل من تلقى تلك التهديدات بالإبلاغ عنها للشرطة فوراً.
ولم تعلن جهة مسؤوليتها عن الرسائل، إلا أن الرسائل وضع عليها خنجر وحرفي «إم إس» أي «مسلم سلاير» أو «قاتل المسلمين» وهو ما يرجح أنها مرتبطة بتلك الجماعة العنصرية المتطرفة التي تستهدف المسلمين والمساجد في بريطانيا وأمريكا، وشنت تلك الجماعة العام الماضي هجمات على مسلمي البلدين.
عقاب المسلمين على إسلامهم بات أمراً طبيعياً في الداخل والخارج، ولم تعد مهمة الكتَّاب والإعلاميين في بلادنا العمل على مناقشة القضايا المزمنة التي يعانيها الشعب البائس، وطرح الحلول الممكنة، أو الدعوة لانتزاع الحرية والكرامة، ولكن الذي يعنيهم هو إرضاء النظام العسكري الفاشي لتزداد ثرواتهم وأملاكهم ومدخراتهم، ولم يكن غريباً أن يعلن أحدهم أنه على استعداد أن يلحس الأرض تحت أقدام الجنرال، حتى لا يرجع مسلم من سجنه!
ما يحدث في الخارج لا ينفصل عما يحدث في الداخل تجاه الإسلام والمسلمين، فحملة الكراهية ممتدة من لندن إلى القاهرة إلى بنجلاديش وميانمار والصين! لماذا؟ المسألة واضحة وضوح الشمس، الروح الصليبية الهمجية تظهر من تحت الرماد في بلاد التمدن والتنوير، وتنمو الاتجاهات التي تسمى بالشعبوية، وهي اتجاهات صليبية بكل معانيها: جبهة لوبين الوطنية، أحزاب التطرف الصليبي في هولندا والنمسا وألمانيا والنرويج والسويد والدانمرك وإيطاليا واليونان، والمجر التي أعلن زعيمها أنه قلق من زيادة المسلمين في بريطانيا، ورفض من قبل أن تستقبل بلاده اللاجئين والهاربين من بطش عملاء الغرب الصليبي في الشرق الأوسط التعيس!
لن ننتظر إنصافاً للإسلام أو دفاعاً عن المسلمين ممن تربوا في أحضان الشمولية المهزومة من الأعداء دائماً، ولكن الذي ننتظره هو رحمة الله بهذه الأمة البائسة!
الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!