في السنوات الأخيرة تراجعت شعبية الأحزاب التقليدية بأوروبا وصعدت أحزاب اليمين المتطرف
نسبة المسلمين بأوروبا 4.9% من مجموع عدد السكان ويتوقع أن تصل في عام 2050م إلى 7.4%
المسلمون كانوا يكتفون بغرفة في قبو للصلاة واليوم يبحثون عن مكان وسط المدينة يشيّدون فيه مسجداً بالقبة
من أولوياتنا مساعدة الأجيال الجديدة للمسلمين في الحفاظ على هويتها الإسلامية كمواطنين أوروبيين
ما زال عدد لا بأس به من مسلمي أوروبا أجسادهم فيها وقلوبهم وعقولهم تحلق في عوالم أخرى
كبار السياسيين وأصحاب القرار لا يترددون اليوم في القول: إن «الإسلام جزء من أوروبا»
رغم أن الأجيال الحالية تعيش بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال فإنها اختارت طريق الوسطية
نحرص على تطوير المؤسسات لتستجيب للتحديات المتجددة والمتغيرات المتسارعة
* نرحب بكم ونهنئكم باختياركم أميناً عاماً لاتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا ونود في البداية نبذة تعريفية عنكم منذ حضوركم لألمانيا، وكيف سارت الأمور معكم لاحقاً؟
– أهلاً ومرحباً بكم ونسأل الله تعالى أن يعيننا على هذه المسولية العظيمة؛ قدمت إلى أوروبا، وتحديداً ألمانيا (الغربية آنذاك) ولم أتجاوز ربيعي الثامن عشر بعد، في خريف عام 1985م، وتحديداً يوم 11 سبتمبر، حيث حطت بنا الطائرة ظهراً في مطار فرانكفورت الدولي، وكان سبب قدومي هو أنني تحصلت على منحة من الدولة التونسية بعد اجتيازي لامتحان البكالوريا (الثانوية العامة) بتفوق، لأواصل تعليمي الجامعي في ألمانيا، قضيت سنتي الأولى في تعلّم اللغة الألمانية لأبدأ بعدها مشواري الدراسي تخصص هندسة إعلامية في الجامعة التقنية بمدينة كارلسروه جنوب غربي ألمانيا.
إلى جانب الدراسة وبطبيعة الطاقة الشبابية التي تبحث لها عن أوجه للتصريف، كان لي اهتمام ونشاط ضمن الوجود الإسلامي في المدينة وعلى مستوى ألمانيا، فساهمت في تأسيس جمعيات ومؤسسات ونشطت ضمن أخرى، ودفعني اهتمامي بهذا المجال إلى دراسة الشريعة الإسلامية بشكل موازٍ لدراستي التقنية، طبعاً المجال الاجتماعي حاضر في حياة الإنسان، حيث تزوجت وكوّنت عائلة وأنا طالب.
على صعيد آخر، وبسبب الأوضاع السياسية في تونس أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وباعتباري مسّني منها بعض الضرر حيث منعت من دخول بلدي لسنوات، كان لي أيضاً نشاط حقوقي وسياسي.
في السنوات الأخيرة، ومع تزايد أهمية الوجود الإسلامي في أوروبا، تركز اهتمامي ونشاطي حول القضايا التي تخص هذا الوجود، كان ذلك على الصعيد المحلي في مسجد وجمعية المدينة، أو على صعيد ألمانيا في إطار الاتحاد الإسلامي للطلاب والتجمع الإسلامي في ألمانيا، أو على الصعيد الأوروبي في إطار اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
* أوروبا تمثل العالم الأول الذي قاد البشرية لفترات طويلة، فكيف رأيتموها؟ وماذا تقولون للقارئ العربي عما لا يسمعه في وسائل الإعلام؟
– الحديث عن أوروبا الماضي والحاضر، السياسة والجغرافيا، الدين والمجتمع، الاقتصاد والتكنولوجيا، حديث ذو شجون، ويصعب الإحاطة به إلا لأهل الاختصاص، ولكن أُجمِل القول في بعض النقاط مما استقر في قناعاتي حول أوروبا من خلال ما عايشته فيها على مرّ السنين.
تأسست أوروبا الحديثة على أنقاض حروب مدمرة ذهب ضحيتها ملايين البشر، وأهلكت الحرث والنسل، وهي تدير شؤونها اليوم على قاعدة استحالة العودة لمثل تلك الوضعية من التحارب والتقتيل، وأن هناك دائماً سبيلاً وطريقاً لحل الخلاف بالطرق السلمية، وتبقى مجازر الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك على أعتاب أوروبا نقطة سوداء وصمتها عليها وصمة عار في جبينها.
العمق الأوروبي متديّن ويحمل موروثاً دينياً تاريخياً، وما التماطل في ملف ضمّ تركيا ذات الأغلبية المسلمة إلى الوحدة الأوروبية إلا صورة معبرة عن ذلك، غير أن السياسة الأوروبية نجحت في تحييد الدين عن الحياة العامة وجعلته أمراً شخصياً، لقد أصبح الدين في حياة الناس طقوساً ورموزاً أكثر منه عقيدة وقيماً، وأصبحت العلمانية من فصل للدين عن السياسة إلى تحجيم للدين وحصره في حيز ضيق من حياة الإنسان.
لقد حققت أوروبا لشعوبها الأمن والاستقرار والرفاه، وضمنت لها حرية التعبير والتنظيم والتنقّل، وهي قيم أساسية ثابتة غير قابلة للتراجع.
في علاقتها بالوجود الإسلامي، فإن أوروبا تخوض مساراً يتجاذبه اتجاهان؛ الأول يريد التعامل مع هذا الوجود كمكون طبيعي في المجتمعات الأوروبية له ما له من الحقوق، وعليه ما عليه من الواجبات ضمن إطار المواطنة، واتجاه آخر يعتبر هذا الوجود دخيلاً على الثقافة الأوروبية ونمط حياة مجتمعاتها، وعليه فهو يتعامل مع أفراده كمواطنين من درجة ثانية، ويسعى إلى دفعهم إلى الذوبان والتنصل من خصوصياتهم الدينية والثقافية.
هذا هو محور التحديات التي يعيشها الوجود الإسلامي في أوروبا اليوم، ونتيجته ما زالت مفتوحة.
شهدت خارطة الأحزاب السياسية في أوروبا في السنوات الأخيرة تغييرات جذرية تمثلت في تراجع شعبية الأحزاب التقليدية (الأحزاب المحافظة، الاشتراكية..)، وصعود أحزاب اليمين المتطرف من ناحية، وأحزاب ذات تشكّل جديد يمين المحافظين أو يسار الاشتراكيين، هذه التطورات تعكس المزاج العام للشعوب الأوروبية التي فقدت الثقة في الأحزاب المحافظة، ووقع جزء غير قليل منها تحت طائلة الدعاية الشعبوية لليمين المتطرف.
* نود إطلالة تعريفية بمسلمي أوروبا؛ خريطتهم العرقية وواقعهم الاجتماعي.
– دخول الإسلام إلى أوروبا مرّ بثلاث محطات مهمة؛ أولها: الفتوحات الإسلامية خلال القرن السابع التي شملت البلدان الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، ثانيها: خلال التوسع العثماني من منتصف القرن الرابع عشر إلى القرن الخامس عشر، حيث انتشر الإسلام في دول البلقان ودول جنوب شرق أوروبا، وثالثها: عن طريق موجات الهجرة إثر الحرب العالمية الثانية والقادمة من المغرب العربي وتركيا وبلدان غرب أفريقيا وبعض دول آسيا مثل باكستان وبنجلاديش، وهذه الأخيرة ما زالت متواصلة وإن بأعداد أقل.
يصل العدد الإجمالي للمسلمين في بلدان الاتحاد الأوروبي (28 دولة إضافة إلى النرويج وسويسرا) حسب إحصائيات معهد «بيو» الصادرة في أواخر عام 2017م إلى حدود 25.8 مليون نسمة؛ أي بنسبة 4.9% من مجموع عدد السكان، تذكر نفس الإحصائية أن تطور عدد المسلمين إلى حدود عام 2050م وبدون احتساب هجرات محتملة يصل إلى 7.4%، وهذا راجع لمعدل الأعمار المنخفض للمسلمين (معدل الأعمار 13 عاماً)، كما أن هناك دولاً ذات أغلبية مسلمة والمسلمون فيها من السكان الأصليين، مثل ألبانيا وكوسوفو وتركيا، وهي مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وإجمالاً لو احتسبنا دولاً هي جغرافيّاً تابعة لأوروبا ولكنها سياسيّاً ليست تابعة للاتحاد الأوروبي (روسيا، وتركيا..)، فإن عدد المسلمين سوف يرتفع إلى ما يقارب 140 مليوناً.
في الاتحاد الأوروبي، نجد فرنسا على رأس القائمة من حيث عدد المسلمين بـ5.72 مليون نسمة؛ أي ما يعادل 8.8%، تليها ألمانيا بـ4.95 مليون نسمة؛ أي ما يعادل 6.1%، ثم بريطانيا بـ4.13 مليون نسمة؛ أي ما يعادل 6.3%.
وفيما يتعلق بواقع المسلمين الاجتماعي، فقد أثبتت دراسات حديثة أن اندماج مسلمي غرب أوروبا على وجه الخصوص حقق تقدماً واضحاً، وقد ظهر ذلك في نجاح أبناء الجيل الثاني والثالث من المسلمين في حياتهم المهنية والاجتماعية، غير أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وصعود اليمين المتطرف وشعاراته الشعبوية التي تستهدف بدرجة أولى الوجود الإسلامي، أوجد أجواء من الكراهية ليست الأرقام المفزعة لعدد الاعتداءات على المسلمين؛ أشخاصاً ومنشآت، إلا إحدى نتائجها في الواقع.
* بصفتكم الرئيس الحالي لاتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا، ما أهم أولوياتكم في العمل الدعوي والمجتمعي فيما يتعلق بالتواجد الإسلامي العام بالقارة؟
– لئن انطلق الوجود الإسلامي الحديث في أوروبا عفوياً وظرفياً، حيث لم يكن غالبية المهاجرين يخططون للاستقرار، فإنه انتهى إلى مكوّن مستقر، بل أساسي في بنية المجتمعات الأوروبية، وهذا يؤثر في كيفية تعاطي المسلمين مع واقعهم وأولوياتهم، فمثلاً في البداية كان المسلمون يكتفون بغرفة صغيرة في قبو بمكان معزول من المدينة يتخذونها مسجداً للصلوات الخمس وصلاة الجمعة، واليوم وقد استقر بهم المقام تجدهم يبحثون عن مكان وسط المدينة يشيّدون فيه مسجداً بالقبة والمئذنة وبينهم وبين ذلك صعوبات إدارية وتحديات مالية.
إننا كاتحاد للمنظمات الإسلامية في أوروبا عايشنا هذا التطور، وكان لنا مع شركائنا دور ريادي في توجيهه وترشيد مسيرته، وننظر اليوم إلى أولوياته على خلفية وجود إسلامي أوروبي مستقر نافع لنفسه ولمحيطه مُثمر ومُنتج لما فيه خيره وخير محيطه.
وبناء عليه؛ فإننا نرى أولوياتنا في العمل الدعوي والمجتمعي في النقاط التالية:
1- بناء وتطوير المؤسسات الإسلامية انطلاقاً من مبدأ التخصص والانفتاح على الآخر، وخدمة الوجود الإسلامي في أوروبا، وهذا من شأنه أن يرسّخ الوجود الإسلامي في أوروبا، ويؤسس لتعايش سلمي في مجتمع متعدد الثقافات والأديان، والمقصود بالمؤسسات هنا ليست الدعوية فقط، وإنما أيضاً الإعلامية والمالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
2- مساعدة الأجيال الجديدة للمسلمين في الحفاظ على هويتها الإسلامية كمواطنين أوروبيين، وهذه الأجيال هي الحلقة الأهم في الوجود الإسلامي بأوروبا، إن صلحت صلُح الوجود كلّه أو جلّه، وإن فسدت انتهى هذا الوجود إلى التقلّص والذوبان.
3- دعم وتوسيع الحوار والتعاون مع أصحاب الأديان والعقائد والأفكار الأخرى ومع قوى المجتمع المدني لما فيه صالح المجتمعات الأوروبية واستقرارها، والحوار مبدأ أصيل، والتعاون منهج أصيل، والمسلمون قادرون وهم أقلية على أن يساهموا في رقي المجتمعات الأوروبية.
4- تحصين وحماية الوجود الإسلامي في أوروبا من حملات التشويه والاعتداء ومحاولات التهميش والإقصاء؛ ذلك أن صعود اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية أوجد مناخاً عدائياً ضد المسلمين، فمسّهم الأذى اللفظي (إعلام، سياسيون..)، والمادي (اعتداءات على المنشآت الإسلامية ودور العبادة..)، وهذه حالة تنذر بالتطور إلى الأسوأ، لا قدّر الله، وعليه فلا بد للوجود الإسلامي بالتعاون مع المُقسطين في المجتمعات الغربية من حماية نفسه وتحصينها.
* ما أبرز التحديات التي تواجهكم خلال سعيكم لتحقيق أهدافكم؟
– لا شك أن الممارسة غير النظرية، والواقع غير ما نخُطه، مع وضوح الأهداف ضمن الأولويات المذكورة أعلاه، إلا أن نسق الإنجاز تعتريه في أحيان ليست بالقليلة عوائق وصعوبات، أهمها:
1- تطوير المؤسسات وترسيخ عملها وتجويد أدائها يحتاج بدرجة أولى إلى كوادر لها درجة من الكفاءة، وتتوافر لها إمكانات مناسبة إن لم نقل عالية، والأولى عُملة نادرة إن وُجدت فضّلت أن تسلك طرقاً أخرى تُوفر لها مستقبلاً أكثر إشراقاً ودخلاً أكثر جاذبية، والثانية ما زالت في مستويات دون المطلوب، حيث الاعتماد على التبرعات والدعم الخارجي في غياب دعم رسمي من الدولة أو مشاريع استثمارية تعود على هذه المؤسسات بريعها، هناك محاولات جادة لتخطي هذا العائق، إلا أنه يحتاج زيادة في الوعي من ناحية، وفسحة من الوقت من ناحية أخرى.
2- إن عدم الانتباه إلى أن الوجود الإسلامي في أوروبا له خصوصياته، وأنه ليس نسخة من غيره في مناطق أخرى من بلاد العالم، يشكل في أحيان كثيرة عائقاً أمام التقدم في تحقيق الأهداف، قد نحبس أنفسنا في اجتهادات فقهية لا تضع خصوصية الواقع في الاعتبار فنضيّع مصالح معتبرة، أو يكثر سجالنا حولها فنضيّع الفرص والأوقات، ما زال عدد لا بأس به من مسلمي أوروبا أجسادهم فيها وقلوبهم وعقولهم تحلق في عوالم أخرى.
3- كثير من الأهداف والأعمال تحتاج إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة، وهذا ما نفتقده بأقدار للأسف، المحاولات في هذا الاتجاه حققت خطوات ولكنها ما زالت لم تصل إلى مداها، ويوم يلتقي مسلمو أوروبا ويزيلون بعض الحواجز بينهم، حينها يتقدمون أكثر في تحقيق أهدافهم.
4- المناخات المجتمعية التي تخلفها حملات التحريض والتشويه ضد المسلمين تلقي بظلالها السلبية على عملنا وفي طريق تحقيق أهدافنا، فهي من ناحية تدفع بعض المسلمين إلى التقوقع والخوف، ومن ناحية أخرى تدفع الآخرين ممّن يتبنون مثل هذه الحملات إلى التضييق علينا ومحاولة عزلنا، فلا تتحقق المشاركة المجتمعية التي نريد، ولا يحصل السلم والأمن الاجتماعي الذي نبتغي، الخاسر في ظاهره هم المسلمون، وفي باطنه المجتمع بأسره.
* ما أبرز الإنجازات التي تحققت بالفعل في ترسيخ التواجد الإسلامي بأوروبا أو ببعض مناطقها ودولها؟
– رغم الصعوبات والعراقيل؛ الذاتية منها والموضوعية، فإن مقارنة بسيطة بين واقع المسلمين حين قدموا إلى البلاد الأوروبية وواقعهم اليوم يدلل بوضوح على أن هناك حجماً لا يستهان به من الإنجاز، بفضل من الله أولاً:
1- تطور وعي جانب كبير من المسلمين في البلاد الأوروبية وانتقال تفكيرهم واهتمامهم من الظرفية إلى الاستقرار، وهذا في حد ذاته أعطى أبعاداً جديدة للوجود الإسلامي؛ فثمرات هذا الإنجاز الذي تضافرت فيه جهود مؤسسات إسلامية كثيرة على رأسها اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، لا تخطئها العين، ولعل عنوانها الأهم أن كبار السياسيين وأصحاب القرار لا يترددون اليوم في القول: إن «الإسلام جزء من أوروبا».
2- لم يحصل انقطاع بين أجيال المسلمين، حيث نجد اليوم الأجيال الجديدة، في نسبة محترمة منهم، متمسكة بدينها وتعمل على خدمته بكل ثقة في النفس، إن هذه الأجيال الجديدة بدأت شيئاً فشيئاً تتبوأ مواقع متقدمة في مجتمعاتها وتأخذ مكانها في المؤسسات الإسلامية.
إن هذه الأجيال ورغم أنها تعيش بين مطرقة التطرف والتشدد وسندان الميوعة والانحلال، فإن غالبيتها اختار طريق الوسطية والاعتدال، لم يعد استثناءً أن يعتلي شاب من الأجيال الجديدة المنبر خطيباً يوم الجمعة، كما لم يعد استثناءً أن تجد شاباً من الأجيال الجديدة ضمن إدارة مؤسسة إسلامية، أما عن المشاركة المجتمعية فإن الأجيال الجديدة في جزء مهم منها تخوض هذا الغمار من غير أن تخفي انتماءها الديني، بل إن هذا الانتماء قد يكون دافعاً وراء هذه المشاركة.
3- من مظاهر رسوخ الوجود الإسلامي في الواقع الأوروبي نجاحه في إيجاد مؤسسات تخدم أهدافه وتستجيب لحاجياته وتكون نافذة له على محيطه، بدأت هذه المؤسسات بجهود متواضعة، وهي اليوم تسير بخطى ثابتة نحو أكثر حرفية، بدأت هذه المؤسسات ذات اهتمامات متعددة وهي تسير اليوم نحو التخصص، هناك طبعاً المسجد كمؤسسة جامعة، ولكن هناك أيضاً مؤسسات تعليمية وخيرية ومجتمعية.
* لترسيخ التواجد الإسلامي بشكل إيجابي فعال في القارة الأوروبية، ما أبرز توصياتكم المستقبلية؟
– إن توصياتنا في هذا الإطار تنطلق من قناعة أن الوجود الإسلامي في البلاد الأوروبية وُجد ليبقى، وأنه ليس أمراً عارضاً، وأنه قدر من أقدار الله في حفظ دينه وتبليغ رسالته.
وأهم هذه التوصيات:
1- الحرص على الأجيال الجديدة، وفتح المجال لها وإشراكها، فهي التي ستحمل المشعل، ومن خلالها سوف يتحقق تواصل الأجيال بإذن الله، نعم العقليات والتفكير بين الأجيال يختلف، ولكن يجب ألا يكون هذا عائقاً، بل إنه أمر طبيعي ومحمود.
2- الحرص على توحيد الصفوف وجمع الكلمة، فذلك سبيل لكسب كثير من التحديات وتجاوز كثير من الصعوبات، هذا يحتاج إلى التجرد وتقديم المصالح الكبرى والابتعاد عن المصالح الضيقة والآنية.
3- الحرص على الانفتاح على الآخر والتواصل معه والبحث عن مساحات الالتقاء معه، هذه قيمة مهمة في ديننا علينا أن نتمثّــلها ونعمل بمقتضياتها، لا يستوي أن نعيش بين القوم وكأن بيننا وبينهم حاجزاً، فاختلاف الدين والمعتقد لا يعني انتفاء التعامل والتواصل والتعاون.
4- الحرص على تطوير المؤسسات لتستجيب للتحديات المتجددة والمتغيرات المتسارعة؛ فالمراجعة والتقييم سبيل للتدارك والتطوير، وسنن الله غلاّبة، فمن لم يتجدد يتبدد ومن لم يتطور يتخلف.
5- الحرص على التعاطي مع الشأن الأوروبي ضمن خصوصياته وتركيز الاهتمام به بعيداً عن عقلية «الطابور الخامس»، أنت أيها المسلم «هنا»، فاعمل لـ«هنا»، ولا تشوش على بوصلتك بما ليس «هنا»، وهذا لا ينفي أن يكون لك قدر من الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي والتعاطف معها ودعمها بما هو ميسّر ومتاح لك.
يبقى التحدي الأكبر هو التحدي الداخلي:
إلى أيّ مدى نحن قادرون على بناء العلاقة بين الأجيال على نحو يحصل معه التكامل بدل التنافر والتعاون بدل الخلاف؟
إلى أيّ مدى نحن قادرون على تطوير مؤسساتنا لتكون في مستوى التحديات؟
إلى أيّ مدى نحن قادرون على بناء علاقة إيجابية تشاركية مع محيطنا ومجتمعاتنا؟