حكاية ممزوجة بالألم استمرت زهاء ربع قرن، هي المدة الزمنية التي قضاها الأسير المحرر نهاد جندية من سكان قطاع غزة في سجون الاحتلال “الإسرائيلي”، الأم والأب والأخوة فارقوا الحياة وهو دخل سجون الاحتلال، لم يكحل عيناه برؤيتهم، وخرج من سجون الاحتلال بعد أربعة وعشرين عاماً ونصف عام، وكأن العالم تزلزل من محيطة، لم يتمالك نفسه حين تذكر أنه فقد أمه والده وأخوته وهو في سجون الاحتلال.
“المجتمع” ترصد في هذا الحوار مع الأسير المحرر نهاد جندية مراحل حياته الطويلة التي قضاها في سجون الاحتلال التي دخلها في 16 من عمره وخرج وعمره 41 عاماً، كل هذه المدة الزمنية التي قضاها جندية في حياته امتزجت بالألم والمعاناة والقهر داخل سجون الاحتلال إلى نص الحوار.
في البداية، حدثنا عن ظروف اعتقالك وكم من المدة قضيتها في سجون الاحتلال؟
– قضيت في سجون الاحتلال 24 عاماً، واعتقلت في 14/ 7/ 1989، بتهمة قتل مستوطن صهيوني، وكنت حينها أبلغ من العمر 16 عاماً، وكان من المفترض أن يتم الحكم على بالمؤبد مدى الحياة لكن صغر سنى حال دون ذلك، وقضيت هذه المدة الطويلة أتنقل من سجن إلى سجن، وأقبية التحقيق عانيت فيها الكثير تحت تعذيب السجان الذي كان لا يتورع في التفنن في عمليات التعذيب التي يستخدمها ضدنا، أنه محتل غاشم.
تحدثت عن مدة طويلة قضيتها في سجون الاحتلال، ما وقع الخبر على أمك ووالدتك؟ وكيف تلقت خبر حكم السجن عليك 30 عاماً؟
– يا وجع القلب، إنه حدث مؤلم أمي وأبي وأهلي انتابهم الحزن والألم والقهر عليَّ، بعد أن حكم الاحتلال على بالسجن 30 عاماً كنت صغيراً تعاملوا معي وكأني قد فارقت الحياة، ومن حزنهم عليَّ فارقوا الحياة في بدايات اعتقالي، مشهد مرعب تلقيت خبر وفاتهم وأنا في السجن، شعرت أن العالم تزلزل في محيطي، ولكن إيماني بقدر الله وقدرته جعلني أتجاوز هذه المحنة.
ما أصعب شيء كنت تراه في سجون الاحتلال بشكل مستمر؟
– أتذكر أحضان أمي حين تقوم أمهات الأسرى بزيارة أبنائهن في سجون الاحتلال، أشعر بحزن يتكرر كل زيارة لأمهات الأسرى، مشهد مؤلم ما زلت أعانيه حتى الآن، فقدان أعز ما تملك في حياتك هم الأب والأم، كنت أشعر بحزن وألم، طيلة فترة حياتي في سجون الاحتلال وأنا أتذكر أمي فارقتها صغيراً، وفارقتني وأنا في سجون الاحتلال، حياة الأسير في سجون الاحتلال، كلها معاناة وضغوط نفسية، لا تستطيع أن تنسى أهلك لو لحظة واحدة على الرغم من المحنة التي أنت فيها، مسلسل التعذيب في سجون الاحتلال.
كيف كنت تقضى أوقاتك في سجون الاحتلال، في ظل هذه المدة الطويلة؟ وكيف تمارسون طقوس المناسبات؟
– بالعادة للأسير في سجون الاحتلال يحاول التأقلم مع الواقع الجديد في حياته، فهو أسير وسيقضي مدة طويلة في سجون الاحتلال، فعلى سبيل المثال في أيام الأعياد نتواصل مع الأحبة، ونتبادل التهاني ونحن داخل السجون، لكن لا نشعر أن هناك عيداً، فالاحتلال يمنعنا من الفرحة التي يسلبها منا، وذلك من خلال منعنا من التجمع جماعات في السجن، وأحياناً يقوم باقتحام غرفنا مثلاً في شهر رمضان المبارك، فالحياة في السجون مريرة ومرعبة، تضاف إليها الضغوط النفسية اليومية التي تمارس على السجين، وذلك من خلال نقله من سجن لآخر.
حدثنا عن طعام الأسير، في ظل تقارير حقوقية بأنه لا يصلح حتى للحيوانات.
– الأسير يأكل فقط المعلبات، والطعام الذي يطبخ في سجون الاحتلال عادة لا يصلح، فهو في بعض الأحيان نجد فيه الصراصير والحشرات، والمناسبة الأسير بالكاد يحصل على اللحوم في سجون الاحتلال، فعلى سبيل المثال كل ثمانية أسرى يتم توزيع دجاجة واحدة عليهم أحياناً كل أسبوع أو كل أسبوعين، ومع رداءة الطعام في سجون الاحتلال يلجأ الكثير من الأسرى للشراء من الكانتينة، وهي بقالة صغيرة تكون في السجن وأسعار بيعها مرتفعة جداً لا يستطيع الأسير دائماً الشراء منها، فالطعام في سجون الاحتلال يخالف كل القوانين والأنظمة المتعلقة بنظافة الطعام وصحته خاصة لأسير يقبع في سجون الاحتلال الصهيوني، وكثير من الأسرى يصنعون الطعام بأيدهم لانعدام النظافة في الطعام المقدم.
كيف تلقيت نبأ الإفراج عنك؟ وحدثنا عن شعورك حين فارقت السجن؟
– هذه لحظات لا توصف أنك ستتنسم عبير الحرية بعد 24 عاماً من السجن والألم والقهر، لم أتمالك نفسى حين سمعت أن اسمي ورد في قائمة الأسرى الذين سيفرج عنهم ضمن تفاهمات تمت بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال عام 2013 حيث كانت الجهود حينها تنصب على استئناف المفاوضات وطلبت السلطة الفلسطينية من واشنطن الضغط على الاحتلال للإفراج عن أسرى ما قبل اتفاق “أوسلو” الذي كان عام 1993، وذلك كبادرة حسن نية لاستئناف المفاوضات، فرحت كثيراً، وبدأت بتجهيز نفسي لحياة جديدة، هي حياة الحرية والخلاص من سجون الاحتلال، ولكن كانت هناك غصة في نفسي هي أنني سأفارق إخوة أسرى يطوقون للحرية كما أنا، وينتظرون اللحظة بالإفراج عنهم، وبالمناسبة الاحتلال كعادته لم يلتزم بوعده للسلطة الفلسطينية بالإفراج عن كافة الأسرى من هم اعتقلوا قبل اتفاق “أوسلو”، وبقي الكثير منهم حالياً داخل سجون الاحتلال ينتظرون الحرية.
ماذا يعني “يوم الأسير” بالنسبة للأسرى داخل سجون الاحتلال؟
– “يوم الأسير الفلسطيني” الذي يصادف 17 أبريل كل عام هو يوم وطني للأسرى في سجون الاحتلال، يشعرون بمدى أهمية قضيتهم وعدالتها، ويشاهدون تفاعل الجماهير معهم المطالبة بالإفراج عنهم، يوم الأسير يحمل الكثير من المعاني الوطنية للأسرى في سجون الاحتلال، لا شك أن قضية الأسرى تسكن في وجدان كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وهي متفق على عدالتها ويناضلون من أجل تبييض سجون الاحتلال من الأسرى، وذلك عبر طرق مختلفة.
أخيراً كيف هي حياتك بعد السجن، وكلمتك للعالم ولمؤسسات حقوق الإنسان؟
– بعد الخروج من السجن عام 2013 حاولت التأقلم مع الحياة هنا في غزة، تزوجت وأنجبت طفلتين بحمد الله، كل أسير في سجون الاحتلال يحلم بتكوين أسرة، وبطفل يناديه، كنت أحلم بهذه اللحظات التي كنت على يقين بأن الله عز وجل سيحققها، ورسالتي للعالم أجمع، بأن هناك أسرى يموتون داخل سجون الاحتلال فمنهم المريض، ومنهم قضى زهرة حياته داخل سجون الاحتلال وهناك أطفال أسرى تمارس بحقهم كل أنواع التعذيب يجب أن يلتفت العالم لهم، يجب أن تطبق على الأسرى عليهم اتفاقيات جنيف الخاصة بمعاملة الأسرى كأسرى حرب.