لا توجد دولة في العالم تنهض بدون عمل خدمي تطوعي يشارك فيه أبناء المجتمع المحبون لنفع غيرهم، كما لا توجد مؤسسات مجتمع مدني تترعرع وتتطور إلا في ظل دولة تحترم الحريات وتدعم مسار المجتمع الأهلي ومنظماته وتوفر سبل التكوين والتدريب.
العمل التطوعي مظهر من مظاهر انتماء الفرد لوطنه ومجتمعه، كما أنه يعبر عن مخزون القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية التي يحملها الفرد، التي تتجاوز حدود وطنه إلى العالم كله.
وهو رأس المال الاجتماعي ومصدر قوة للمجتمع الإنساني.
لقد ذُهِلت وسعدت عندما اطلعت على إحصائيات حول نسبة المنخرطين في العمل التطوعي في دولة مثل ألمانيا، حيث تشير بعضها إلى مشاركة 14 مليون متطوع عام 2009 بحسب موقع “Statista”.
وتشير بعض الدراسات إلى أن 45% ممن هم فوق 15 سنة قد شاركوا في عام 2015 في أعمال تطوعية داخل وخارج ألمانيا.
فكم نصيب مسلمي ألمانيا من هذه الأرقام الضخمة؟
إذا كان دافع العمل التطوعي عند غير المسلمين دافعاً قِيَمياً أخلاقياً إنسانياً، فإن تلك الدوافع وغيرها يجب أن تقذفنا إلى صنوف هذا العمل.
إن القرآن الكريم يقرع آذاننا دوماً بالحض على صناعة الخير بجميع صوره، وإسعاد البشر والتخفيف عن كل مكروب وإغاثة كل ملهوف دون النظر للدين أو اللغة أو اللون أو المكان.
وكذلك سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية وسيرته العملية.
إننا لا نعاني فقراً في الأفكار بقدر ما نشكو من ضعف الحضور في بعض المجالات.
ولعلي أسأل بعض الأسئلة:
– هل نحن راضون عن مشاركتنا المجتمعية وحضورنا في العمل التطوعي؟
– هل حضورنا يتناسب مع عدد المسلمين في أوروبا؟
– هل التحديات والصعوبات التي تواجهنا تُعد عذراً مقبولاً لعزلة عدد ليس بالقليل من المساجد عن محيط المجتمع وقضاياه؟
يتعلل البعض قائلاً: إننا مشغولون بترتيب ملفاتنا الداخلية أولاً، وبعد أن نفرغ منها نخرج للمجتمع.
قلت: إذن لن نفرغ من همومنا الداخلية وسنبقى عليها عاكفين حتى تفوتنا كثير من الفرص، ونزداد عزلة ثم نتساءل في غفلة: لماذا يجهلنا الناس؟ لما يكرهنا البعض؟
إن قدوم شهر رمضان لهو فرصة لتفعيل هذا الملف المهم وتوجيه أنظار المسلمين لآثاره الكبيرة فلماذا لا نستثمره في تأسيس لجان داخل المساجد تكون مهمتها تفعيل طاقة الشباب خاصة وعموم المسلمين عامة في العمل التطوعي في مجالاته المتنوعة؟
إن انخراطنا في العمل التطوعي لهو أبلغ من آلاف المقالات والخطب في التعريف بالإسلام والمسلمين بطرق أكثر نجاعة وفاعلية.
كما أنه يوفر فرصاً واسعة لتشبيك العلاقات وصناعة مناخ وأجواء وافرة الحظ في التعاون على ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، كما أن فوائده على مستوى الفرد كبيرة، كتطوير المهارات وصقل الخبرات وإشباع الجانب الروحي والنفسي.
حتى لا يقول قائل: لقد غفلت عن الجهود التطوعية الكبيرة التي تقوم بها المساجد في ألمانيا أقول:
لا ريب أن المساجد في أوروبا بوجه عام تقوم بأعمال طيبة من شأنها خدمة المسلمين والمجتمع لكن ليس لها حضور إعلامي يشكل نافذة على محيطها الخارجي.
كما أن القائمين عليها ينفقون أموالهم وأوقاتهم ويجهدون فكرهم محتسبين ذلك عند الله طمعا في مغفرته ورضاه، لكن ما ننادي به أن نبذل جهدنا مع المجتمع الذي نعيش فيه وتتحول المشاركة المجتمعية إلى ثقافة.
كما أدعو إلى أن تجعل المؤسسات التربوية والتعليمية والدعوية على الساحة الألمانية والأوروبية ضمن برامجها الموجهة للأطفال والشباب أنشطة تطوعية تدور حول ما سنذكره من أمثلة.
وتلك بعض المقترحات لبعض مجالات العمل التطوعي:
١- ملف حماية البيئة وهو ملف عظيم الأثر جليل الشأن.
٢- حملات توعية حول خطورة المخدرات وسبل الوقاية والعلاج.
٣- محو الأمية اللغوية.
٤- دروس التقوية في المواد العلمية للأطفال.
٥- الدعم الروحي والنفسي للمرضى والعجزة.
٦- التطوع في مجال الإطفاء والإسعاف.
٧- المشاركة في الجمعيات الرياضية والموسيقية.
إننا نتعبد إلى الله تعالى بكل معروف نقدمه للإنسان، أو الحيوان، أو الطير، أو النبات، أو الجماد.
وقِبْلتنا هذه الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)) (الحج).
(*) رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا.