مظاهر الفتور في العبادة تبدو واضحة عند بعض المسلمين في شهر الصيام من خلال أكثر من مشهد وملمح أبرزها تناقص صفوف المصلين في صلاة الفجر والعشاء و”التراويح” مع مرور أيام قليلة من الأيام المعدودات وازدحام الأسواق شيئاً فشيئاً بالزبائن والمبتاعين في وقت ارتفاع أصوات المساجد بالتكبير والركوع والسجود لله تعالى بصلاة القيام.
ينشط المسلمون في أيام رمضان الأولى نشاطاً إيمانياً ملحوظاً ويقبلون على العبادة والطاعة إقبال من يستشعر حلاوتها ولذتها بعد نوع من الجفاف الروحي السابق، ثم ما يلبث ذلك النشاط أن يصيبه شيء من الفتور ويتحول الإقبال مع مرور الأيام وتسلل شيء من الرتابة إلى سكون.
أمور كثيرة تساهم في حالة الفتور عن العبادة والطاعة التي نتحدث عنها، بعضها داخلي يتعلق بميل الإنسان بطبعه للكسل والركون إلى الدعة وعدم الرغبة في تحميل النفس تكاليف المواظبة على العبادات والطاعات، وبعضها خارجي يتعلق بسيل من البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي تشد إليها الناظرين و زخرف الأسواق وزينتها وبريق أضوائها التي تستدرج بها الصائمين.
هناك الكثير من الوسائل والسبل التي يمكن أن تساعد المسلم في الثبات على همته الإيمانية وحيويته التعبدية ونشاطه في فعل البر والخير وتساهم في مدافعة حالة الفتور التي هي في الحقيقة الداء الأكثر انتشارا بين صفوف المسلمين بعد أيام من استقبال الضيف الكريم.
أولى سبل المدافعة تتلخص في إدراك عِظم المنحة الإلهية التي اختص الله بها أيام رمضان، و مكانة ومنزلة هذا الشهر المبارك عند الله، وتصور عظيم ما أعد الله تعالى للمثابرين على الطاعة في رمضان من رحمة ومغفرة وفضل وعطاء.
يكفي في هذا السياق استذكار الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ” (صحيح مسلم برقم/2763) واستحضاره طوال أيام الشهر المبارك لمدافعة الفتور وطرد الرتابة وتجديد النشاط.
أمر آخر يمكن أن يساهم في تبديد حالة الرتابة والفتور عن الطاعة والعبادة التي قد تعتري البعض في الثلث الثاني من شهر الصيام وتتمثل في تذكير المسلم لنفسه بأن مشقة الطاعة والعبادة تذهب وتتلاشى بعد أدائها ويبقى أجرها وثوابها وثمراتها كما أن لذة الراحة والفتور عن طاعة الله والركون إلى الكسل في أيام المنح والعطايا والسباق والتنافس تذهب وتتلاشى أيضا وتبقى الحسرة في القلب والندم في النفس على التفريط وتضييع فرصة نيل المكرمات واغتنام ساعات المغفرة والعتق من النار.
إن استحضار المسلم لهذه الحقيقة الجلية وإدراكه أن أيام الصيام والقيام والإنفاق وقليلة ومعدودة كما وصفها الله تعالى في كتابه: (أياماً معدودات) كفيل بمنع تسلل الفتور إلى نفسه و تجديد الهمة والحيوية في روحه لمواصلة ما بدأ به الشهر المبارك.
تخيُّل إمكانية عدم إدراك رمضان مرة أخرى واحتمال مفارقة الحياة الدنيا قبل مجيء موسم الخير والعطاء في العام المقبل من الأسباب التي ستدفع المسلم إلى اغتنام فرصة إدراكه لشهر الصيام خير اغتنام وستساعده بالتأكيد على مدافعة الفتور وتجديد الهمة والنشاط للعبادة كلما بردت أو فترت.
مطالعة أحوال السلف الصالح وبرنامجهم اليومي المليء بالقربات والطاعات في شهر الصيام وسيلة أخرى من وسائل مدافعة الفتور وطرد الرتابة وتجديد العزيمة على الاستمرار في اغتنام كل دقيقة في رمضان بالعمل الصالح.
تبدو حكمة الله تعالى بجعل ليلة القدر -التي هي بنص القرآن الكريم خير من ألف شهر- في العشر الأخير من رمضان جلية واضحة، إذ تبث النشاط في النفوس التي قد يتسلل إليها شيء من الفتور، وتبعث الحياة في القلوب التي قد يصيبها شيء من الذبول والخمول.
لا يحسن بالصائم في مثل هذه الأيام المباركة أن يؤجل مدافعة الفتور الذي قد يعتريه أو يتأخر في التغلب عليه، فدقائق وساعات رمضان لا تعوض، والخير والأجر والثواب العظيم الذي قد يفوته لا يقدر بثمن.
المصدر: موقع “المسلم”.