ادعت ميانمار مؤخراً أنها أعادت أول عائلة لاجئة من الروهنجيا، لكن، وكما أشار أحد المسؤولين من الأمم المتحدة، فإن البلد لا يزال غير آمن لعودة ما يقدر بنحو 700 ألف من اللاجئين الروهنجيا المسلمين، الذين فروا إلى بنجلاديش في عام 2017 هرباً من الحملة العسكرية المستمرة التي ترعاها الدولة والاضطهاد من الجيران البوذيين.
والواقع، أنه في الآونة الأخيرة، كان الجيش الميانماري يقوم ببناء سياج على طول الحدود بطول 170 ميلاً وتحصينه بالألغام الأرضية، لمنع الروهنجيا من العودة إلى قراهم.
وقد قضيت شهرين بين يونيو ويوليو 2017 في حديث مع أفراد من الروهنجيا الذين ما زالوا يعيشون في مخيم للمشردين، حول تجاربهم في أعمال العنف والنزوح والخسارة، ويظهر بحثي الظروف الصعبة التي يعيش فيها الروهنجيا في ميانمار اليوم ولماذا لا يوجد أمل كبير في عودة آمنة للغالبية العظمى من اللاجئين في المستقبل المنظور.
الأحوال في مخيم الروهنجيا
منذ عام 2012، فر أكثر من مليون لاجئ من الروهنجيا من منازلهم في راخين، وقد لجأت الغالبية العظمى التي فرت عام 2017 إلى بنجلاديش، حيث تلوح في الأفق مخاوف من حدوث فيضانات وشيكة، وبالإضافة إلى ذلك، هناك ما يُقدَّر بـ3.5 مليون من الروهنجيا منتشرون في جميع أنحاء العالم، معظمهم إما فروا أو ولدوا في المنفى بسبب العنف في وطنهم.
أولئك الباقون في راخين هم إما في منازلهم ويحظر عليهم السفر بعيداً عن قراهم، أو قيد الإقامة في مخيمات مؤقتة، وهناك ما يقرب من 120 ألفاً من الروهنجيا يقيمون في مخيمات، تقع على مشارف سيتوي، عاصمة راخين، على بعد أميال قليلة من منازلهم السابقة.
ويعيش معظم المقيمين في المخيمات منذ عام 2012، على الرغم من حقيقة أن الحكومة نقلتهم بالقوة على أساس زاعمة بأنه انتقال مؤقت، وتدار المخيمات بشكل مشترك من قبل الحكومة والجيش، وتتلقى مساعدة كبيرة من المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة، ومع ذلك، كانت هناك أوقات تمنع حتى المنظمات الإنسانية من تسليم الحصص الغذائية وغيرها من السلع والخدمات من قبل الحكومة والجيش.
وقد وافقت الحكومة علي زيارة المخيمات في العام الماضي، وفي شمال راخين، تم استجوابي من قبل مسؤولين عسكريين، وجاء أحد الضباط إلى منزل صديقي حيث كنت أتناول العشاء لأطلب جواز سفري ووثائق السفر، ثم سمح لي بالبقاء.
وعندما زرت مخيم الروهنجيا على مشارف سيتوي، كان الخوف واضحًا، كان الطريق الوحيد المؤدي إلى المخيم مليئاً بنقاط تفتيش الشرطة التي يعمل فيها ضباط يحملون أسلحة “AK-47″، وقد تم قطع واحدة من المقابلات التي أجريتها لأنه كانت هناك شائعة لرجل قتل بالرصاص، بينما كان يحاول الهروب من المخيم، وتم وضع المكان بأكمله في حالة تأهب قصوى.
وحدث أن قمت بزيارة المخيم في عيد الفطر، وكنت في آخر يوم في رمضان عندما يكسر المسلمون صيامهم بعد شهر، وفي خضم التوتر، كانت هناك نوعية من الفرحة، الفتيات الصغيرات بشعرهن المصبوغ حديثًا المزين بأقواس من الساتان والفساتين البراقة يلعبن جنبًا إلى جنب مع الضباط الذين يحملون رشاشات.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك أيضاً صدمة عدم القدرة على احترام وممارسة إيمانهم بحرية، وتحدث معي سكان المخيم عن القيود المفروضة على تعبيرهم عن دينهم، وشرحوا كيف طلب منهم مسؤولو المخيم البقاء في منازلهم ابتداءً من الساعة العاشرة مساءً، ولم يكن من الممكن لهم التجمع في مسجد للمشاركة في الاحتفالات التقليدية المركزية في العقيدة الإسلامية، حتى خلال شهر رمضان.
تدمير المساجد
حقيقة أخرى محزنة للعديد من الروهنجيا في ميانمار، هي تدمير مبانيهم الدينية، فقد تم تدمير أو إغلاق جميع المساجد في راخين بعد اندلاع أعمال شغب طائفية بين السكان البوذيين المحليين والروهنجيا عام 2012.
والعديد من المساجد المهجورة التي رأيتها قد تحولت إلى ركام، واستمر القليل منها في العمل تحت حراسة مشددة، كما جعلت الحكومة من غير القانوني بناء مساجد جديدة تحل محل المساجد التي تم تدميرها أو لإجراء إصلاحات أو تجديدات، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت سلطات الولاية في عام 2016 عن خطط لهدم العشرات من المساجد والمدارس الأخرى، بناء على ادعاء، بأنها بنيت بطرق غير قانونية.
في المعسكر، علمت أن السكان سمح لهم ببناء اثنين من الأكواخ الطينية والقشيرية الصغيرة، التي ستكون بمثابة مساجد لهم، هذه الهياكل الصغيرة بالكاد قادرة على استيعاب الآلاف الذين أرادوا الصلاة هناك، لذلك يجب على الناس الصلاة بشكل منفصل، وهي خطوة أدت إلى كسر العلاقات الاجتماعية داخل مجتمعهم.
لا قيمة لحياتنا بدون أن نكون قادرين على عبادة الله
كان السكان يذكّرون بجمال مساجدهم التي هدمت الآن، ورفض بعضهم حتى تسمية الهيكل في المعسكر بمسجد لأنهم اعتقدوا أنه لا يحترم دينهم، بالنسبة لبعض السكان، لم يكن تقديم الصلاة في هذا الهيكل ممارسة حقيقية لإيمانهم، كما قال لي أحد الشبان: “بدون أن نكون قادرين على عبادة الله، لم نعد نعيش حياتنا”.
علاوة على ذلك، يسمح فقط للرجال بالدخول إلى هذا الفضاء والنساء مطالبات بالصلاة داخل الملاجئ، وخلال إحدى المقابلات التي أجريتها مع شاب، رأيت زوجته وهي تهرع على الأرض الترابية في الزاوية الخلفية لكوخها من الخيزران وسط كومة من أدوات الطهي، سألت عما كانت تفعل، قال: “كانت تصلي”.
حتى قبل الحملة العسكرية عام 2012، تم فرض قيود على الكثير من الالتزامات والممارسات الدينية للروهنجيا، ومن خلال المقابلات التي أجريتها، علمت أنه في الأغلب لا يتمكن أي من الروهنجيا الذين يعيشون في راخين من المشاركة في الحج، كما تم منعهم من دعوة أي من الزعماء الدينيين المسلمين لزيارة مساجدهم.
وعندما تحدثت مع أفراد الروهنجيا في المخيم، أخبروني بالأهمية الدينية العميقة لهذه الممارسات، وبالنسبة للكثيرين، لم يكن الأمر مجرد إنكار لتدينهم، بل لإنسانيتهم، “إن تاريخنا هو الروهنجيا، وديننا هو الإسلام، وموطننا هو راخين”، قال أحد كبار السن، وهو يطلعني على الأرضية الرطبة، الموحلة، المتسخة، حيث تنام عائلته المكونة من 8 أشخاص كل ليلة منذ 9 يونيو 2012.
لم يهتز إيمانهم
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، تعمقت معارضة الروهنجيا، ويعتقد العديد من سكان راخين أن الروهنجيا مهاجرون غير شرعيين من بنجلاديش، مشيرًا إلى حقيقة أن بعض الروهنجيا يعود تاريخهم وأصلهم إلى البنغال، وهي منطقة أصبحت جزءًا من الهند البريطانية في منتصف القرن الثامن عشر، وقد هاجر منها العديد من الناس الفترة الاستعمارية.
ومع ذلك، وبالرغم من اضطهادهم، فإن كل من تحدثت إليهم يتمتعون بعقيدة لا تتزعزع، وأثناء مغادرتي، قال لي شاب: أمضى خمس سنوات، أو قرابة ثلث حياته، في المخيم، “المحنة جعلتني أكثر قوة، لقد حاولت حكومة ميانمار تدمير ديننا وتدمير شعبنا، لكن الطفل لا يفقد ثقته في أمه، ونحن لم ولن نفقد إيماننا”.