لم يكد صوت المؤذن لصلاة العشاء يعلو عبر الصومعة المربعة الضخمة لـ”جامع عقبة بن نافع” في مدينة القيروان، شمالي تونس، ليلة 27 رمضان (أمس)، حتى استوى آلاف المصلين في صفوف موزعة بين مكان الصلاة داخل المسجد، وصحن الجامع والساحة الخلفية أسفل الصومعة.
وتبعت الصفوف المزدحمة حركات الإمام في سجوده وركوعه عبر مكبرات الصوت ثم حركات الأئمة في صلاة التراويح، في أجواء من الحرص على اغتنام المزيد من النفحات التي قطعوا من أجلها مسافات طويلة.
حضور غير مسبوق
وحسب لجنة التنظيم بجامع عقبة بن نافع بالقيروان (تأسس في 50 هجري على يد الفاتح عقبة بن نافع الفهري)، مثل عدد حضور المصلين بالجامع الحد الأقصى الذي لم يسجل له مثيلاً منذ تاريخ إنشاء الجامع، الذي يتسع بدوره لعدد كبير من المصلين، حسب “الأناضول”.
فقبل غروب شمس الإثنين الموافق 26 رمضان وصلت أعداد غفيرة من الزائرين إلى مدينة القيروان، وقدم بعضهم في رحلات منظمة عبر حافلات من عديد المحافظات بتونس.
كما تنقلت عائلات بأكملها عبر سياراتها الخاصة أو المؤجرة لتشهد الأجواء الروحانية والإيمانية بجامع عقبة بن نافع خصوصاً خلال صلاتي التراويح والتهجد وراء أجود القراء والأئمة المنتخبين لإمامة المصلين خلال رمضان.
وبخلاف عدد قليل من العائلات التي حجزت غرفاً بنزل المدينة، فإن العدد الأكبر من الوافدين اتخذوا من الساحات المحيطة بجامع عقبة بن نافع مفترشا لهم لتناول وجبات الإفطار التي احضروا بعضها معهم ودعموها بأرغفة خبز قيرواني تقليدي تعده مخابز المدينة العتيقة، أو حلويات المقروض الذي تعرضه عشرات المحلات وتتنافس في جودته.
وحرص الزوار على متابعة تفاصيل الأجواء الرمضانية المميزة لمدينة القيروان بدءا بالتجوال قبيل الغروب وسط المدينة العتيقة وأسواقها، وقطف بعض المعروضات من مصنوعات تقليدية مثل النحاس والزربية والحلويات، ومشموم (مستخلص عطور) زهرات الفل التي انتشر عبقها في أرجاء القيروان، وخُصص لها مكان عرض بباب الجلادين أحد أشهر أبواب المدينة.
وقبيل موعد الإفطار، تحلق عدد كبير منهم حول برج إطلاق مدفع رمضان المحاذي لجامع عقبة بن نافع، ثم سارعوا إلى صلاة المغرب بالجامع، ومنهم من حجز مجلسه كأنه في سباق على الأماكن المحدودة خلف الإمام.
وقضى زوّار المدينة الوقت الفاصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء في مراوحة بين التعبد وتناول الأطعمة وتفحّص أرجاء الجامع وأركانه العتيقة كمن يبحث عن سر مدفون بين الأعمدة الرخامية وزخرفة التيجان أو السقف المنقوشة بورق الذهب أو المنبر العتيق (الذي يعتبر أقدم منبر في شمال أفريقيا).
ومنهم من بقى مشدودا وهو يتفحص تفاصيل المحراب العتيق للجامع المزخرف بشتى فنون المعمار والهندسة والنقوش ومربعات الخزف، التي تنافس الذهب والفضة في بريقها كأنها صقلت لهذه المناسبة الدينية العظيمة.
وحول مظاهر الاحتفال بليلة القدر في جامع عقبة بن نافع وسر توافد آلاف الزوار -ومنهم المصلون- إلى الجامع، قال محمد الحبيب العلاني، أحد أئمة صلاة التراويح بالجامع، إن “ليلة 27 من رمضان لها رمزية خاصة ومنزلة كبيرة في قلوب المسلمين لذلك تشهدها أعداد كبيرة من المصلين، وترتبط بإحياء ليلة القدر والاحتفاء بالعشر الأواخر من شهر رمضان”.
وأوضح العلاني أن هذه الليلة (ليلة 27 من شهر رمضان) فيها مظاهر الفرحة بختم القرآن الكريم.
ولفت إلى أنه عادة ما تشهد ليلة القدر في القيروان تكريم الفائزين في المسابقة الجهوية للقرآن الكريم.
وافدون من خارج تونس
ويأتي زوار مدينة القيروان من عديد الجهات بالبلاد التونسية من الشمال والجنوب.
غير أن يوسف كونفي (أربعيني)، أتى من جمهورية بوركينا فاسو، وقطع حوالي 5 آلاف كم من أجل أن “يشهد ليلة القدر في جامع عقبة بن نافع بالقيروان”.
وعن ذلك، قال يوسف، لمراسل “الأناضول”، إنه حرص على الحضور هذه السنة لمشاركة أهالي القيروان وأهالي تونس ليلة القدر المباركة، لافتا إلى أنه دعا الله إلى توحيد كلمة المسلمين.
يوسف حفظ القرآن الكريم في أرجاء جامع عقبة بن نافع قبل 26 عاماً، وحضر حلقات العلم التي كان يعقدها الشيخ عبد الرحمان خليف سنة 1991، ودفعه الشوق والحنين إلى زيارة القيروان مجدداً.
تواجد أمني مكثف
وشهد محيط جامع عقبة بن نافع والنقاط الحيوية بالمدينة، تواجدا ملحوظا للأمن والجيش التونسيين لضمان سلامة الزوار، إلى جانب تواجد فرق الدفاع المدني.
ويتضمن برامج الرحلات الجماعية للوفود التي جاءت إلى القيروان، حضور الصلوات بجامع عقبة وزيارة المعالم الأثرية مثل “فسقية الأغالبة” و”مقام أبي زمعة البلوي” وأسواق المدينة العتيقة التي تشهد حركية كبيرة بمناسبة خروج العائلات القيروانية لاقتناء ملابس العيد لأبنائهم، قبل الرجوع إلى جامع عقبة، محور الزيارة الرمضانية، لحضور صلاة التهجد التي تمتد حوالي ساعة ونصف قبيل موعد الإمساك.