على غير المعتاد، بدت سيطرة قوات خليفة حفتر، المدعومة من مجلس النواب في طبرق (شرق)، على معظم أجزاء مدينة درنة شرقي ليبيا، أسهل بكثير من سيطرته على مدينة بنغازي (عاصمة الشرق الليبي)، التي قاتل فيها “كتائب الثوار” وتنظيم “أنصار الشريعة” لأكثر من 4 أعوام كاملة.
ومنذ 17 مايو الماضي، تدور مواجهات مسلحة بين قوات حفتر، و”قوة حماية درنة” (مجلس شورى مجاهدي درنة سابقًا، وشباب من المدينة)، في محيط المدينة، وامتدت إلى أحيائها.
معارك أفرزت سيطرة قوات حفتر على العديد من المواقع بالمدينة، في حيّز زمني قصير، مما طرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا السقوط “السريع” لـ”قوة حماية درنة”، والتكتيك المحتمل الذي قد تعتمده الأخيرة في ظل ميل موازين القوى على الأرض لصالح عدوها.
الحيثيات تطرح أيضاً تساؤلات عن الخطوة التالية لما بعد سقوط درنة.
الحصار والاستنزاف وغياب الدعم
الكاتب الليبي علي الزيتني، اعتبر أن الكثير من الأسباب تقف وراء السقوط السريع لدرنة، بأيدي قوات حفتر، غير أنه يمكن الاكتفاء بأربع نقاط فاصلة.
وأوضح الزيتني، في حديث لـ”الأناضول”، أن الحصار الخانق والمحكم الذي تعرض له مجلس شورى مجاهدي درنة، لمدة أربع سنوات داخل المدينة، جعل إمكانية حصوله على أي دعم من سلاح أو مقاتلين، أمر شبه مستحيل.
وأضاف أن هذا الحصار الذي طوّق المدينة براً وبحراً وجواً جعل القوة بمعزل عن العالم.
واستطرد: وبعد عزلها، كان حفتر يعمد، من وقت لآخر، بافتعال مناوشات واشتباكات في محيط المدينة، استنفذت خلالها القوة المحاصرة، على مدى 4 أعوام، جزءاً من ذخيرتها.
أما السبب الثاني، فيتعلق، وفق الزيتني، بحالة الاستنزاف التي تعرّض لها “مجلس مجاهدي درنة”.
وأشار إلى أن “معظم قادتها ومقاتليها التحقوا بالقتال في بنغازي (شرق) قبل أربعة أعوام، إلى جانب كتائب الثوار، وأنصار الشريعة، وقتل وأصيب وأسر منهم الكثير”.
عامل ثالث تسبب في استنزاف القوة، وهو الحرب التي خاضتها في عام 2015، ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، حسب الكاتب الليبي.
فهذه المعارك الضارية، حسب الزيتني، كلّفت القوة الكثير سواء من حيث المقاتلين أو الذخيرة والأسلحة، ما “جعلها غير قادرة على مواجهة جيوش مثل التي قادها حفتر للسيطرة على درنة”.
أما العامل الرابع، فيتمثل في “الطبيعة التنظيمية، ومرجعية قوة حماية درنة، التي لا تعترف بأي حكومة أو كيان، ما يجعل من حصولها على دعم، أمراً صعباً للغاية”.
الكاتب الليبي لفت، في السياق نفسه، إلى أن مجلس شورى مجاهدي درنة، غيّر اسمه، مايو الماضي، ليصبح قوة حماية درنة، تجنباً لما يثيره الاسم الأول من نفور لدى الكثيرين، وخصوصاً القوى الإقليمية، ما يمكن أن يحرمه الدعم جراء ما يوحي به الاسم السابق من فكر متطرف لا يعترف بمدنية الدولة.
وتابع: من كان يدعم مجاهدي درنة سياسياً في الداخل هو جزء من تيار الإسلام السياسي، وكتائب مصراتة، التي خسرت وخرجت من المعادلة ومن السلطة، بعد مواجهات مع كتائب حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس في عام 2017م، ومواجهات أخرى مع قوات حفتر بالجنوب في العام نفسه.
ومن بقي في المعادلة والسلطة من تيار الإسلام السياسي، على حد قول الكاتب هم جماعة الإخوان المسلمين، وحزب العدالة والبناء، الذي صرح رئيسة محمد صوان، قبل شهرين، أن جميع المجالس الثورية إرهابية، وغير معترفة بالدولة، ليدقّ بذلك آخر مسمار في نعش مجلس شورى درنة (قوة حماية درنة حالياً).
وبناء على ما تقدّم، خلص الكاتب إلى أن القوّة خسرت أي داعمين محتملين لها، تماماً كما خسرت قواتها وذخيرتها ودعمها السياسي أيضاً، وهذا ما عجّل بخسارتها السريعة أمام قوات حفتر، بل كانت تلك الخسارة أمراً متوقعاً.
سيناريو بنغازي الأقرب
على الأرض، لم تحسم الأمور بشكل نهائي في المدينة، ذلك أن “قوّة حماية درنة” لا تزال تحتفظ ببعض المواقع التي تشهد معارك عنيفة.
ومن بين تلك المناطق “حي المغار”، و”شعبية إسكندر”، و”حي القلعة”، و”شعبية غازي” و”منطقة السواني”.
كما تحتفظ القوة أيضاً بشوارع مثل “شارع الفنار”، و”معسكر عزوز” و”شارع حشيشة”، و”نادي دارنس”، في وقت أعلن فيه المتحدث باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، أن ما تبقى في درنة خارج سيطرتهم هو فقط 10 كيلومترات مربعة.
وعموماً، فإن صغر مساحة، وقلة عدد المناطق المتبقّية تحت سيطرة “قوة حماية درنة”، يثير تساؤلات عما سيكون عليه الوضع بالمدينة بعد سيطرة حفتر عليها.
فهل ستضع السيطرة الكاملة لحفتر على المدينة نقطة نهاية للمعارك فيها، أم أنها ستضع -خلافاً للمتوقع- نقطة لبداية حرب قائمة على أسلوب وتكتيك جديد تعتمده “قوة حماية درنة”؟
نورة التميمي، صحفية ليبية من درنة، قالت لـ”الأناضول”: إنّ “قوة حماية درنة ستخرج منهكة من هذه الحرب”.
ورجحت التميمي أن القوة لن تتمكّن من التحصّن بالجبال التي خسرتها في بداية الحرب، خصوصاً وأن الأخيرة قريبة من مدن مثل طبرق والبيضاء، حيث تتمركز أقوى قوات حفتر.
ومع ذلك، لم تستبعد التميمي تحوّل مقاتلي “قوة حماية درنة” إلى “منغصات” لقوات حفتر، مشيرة إلى أن الفكر الذي يتبناه مقاتلو القوة يبيح العمليات الانتحارية والنوعية.
واستشهدت بإعلان القوة، في 3 سبتمبر 2016م، مسؤوليتها عن محاولة تفخيخ قاعدة جوية عسكرية في الأبرق (يتبع محافظة البيضاء المجاورة لدرنة)”.
وخلصت الصحفية إلى أنه استناداً لما سبق، فإن درنة ستستنسخ سيناريو ما يحصل في بنغازي من تفجيرات ومحاولات اغتيال لشخصيات عديدة، وبعيداً عن الفكر الذي تحمله قوة حماية درنة، فإن الأخيرة تعتبر حفتر غازياً لمدينتهم، وبالتالي فلن يتركوه يمرّ بسهولة.
حفتر نزع شوكة من ظهر النظام المصري
وبخصوص ما سيكون علية الوضع في درنة بعد سيطرة حفتر عليها، قال المحلل السياسي الليبي مروان الخرطوش: سياسياً، الأمور ستسير لصالح حفتر.
وأوضح الخرطوش، لـ”الأناضول”، أن الدعم المصري لحفتر سيرتفع، خصوصاً وأن قوة حماية درنة كانت شوكة في ظهر النظام المصري القريب جغرافياً من هناك، وحفتر نجح في انتزاع هذه الشوكة.
وتابع أن النظام المصري يتهم القوة بتدريب عناصر قاموا بعمليات إرهابية في مصر، ما جعلها (القوة) عدواً أولاً وظاهراً للنظام المصري، الذي شن غارتين بالطائرات على درنة.
ويرى المحلل أنه بسيطرة حفتر على درنة، أصبح الأخير يحكم رسمياً كامل الشرق، إضافة لمعظم الجنوب وجزء من الغرب.
ولفت إلى أن الموقع على الأرض يجعل حفتر أقوى في المفاوضات الدولية باعتباره الحاكم الفعلي للأراضي الليبية، والغرب لا يعترف إلا بصاحب النفوذ على الأرض حتى وإن افتقد للشرعية.
وأشار الخرطوش إلى أنه عندما سيطر حفتر على بنغازي ثاني أكبر مدن البلاد، تقاطر عليه جميع سفراء ووزراء ومبعوثي المجتمع الدولي، كما سموه في تغريداتهم، لأول مرة آنذاك، بقائد الجيش الوطني الليبي، ما يؤكّد أن العالم لا يعترف إلا بالقوة على الأرض.