ويظل العاملون في المؤسسة الربانية ينظرون إلى ما عند الله تعالى من أجر وثواب وتوفيق لخير يرجونه ولمعروف يسدونه ولأمل في نصر للإسلام وأهله يرمقونه ولنهي عن منكر يحذرونه ولأمن لوطنهم وأمتهم يبغونه، فهم لا يريدون علواً في الأرض بالبغي والبطر والكبرياء، ولا فساداً بعمل المعاصي.
وصدق الله العظيم: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83}) (القصص).
وفي الحديث الصحيح: «أنه أوحي إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر
أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» (رواه مسلم).
وفي الحديث الصحيح أيضاً: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» (رواه مسلم).
والعاملون في المؤسسة الربانية ينظرون إلى المنصب على أنه تكليف ارتقوا إليه مع سلطة محدودة حازوها لإدارة عمل وتخصص نبغوا فيه وتميزوا عبر فترة زمنية أكسبتهم خبرات ومهارات جعلتهم مؤهلين ومرشحين لمنصب ما، معتبرين هذا المنصب اختباراً وابتلاءً من الله تعالى لتقديم الأفضل والأحسن للناس عبر المؤسسة؛ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) (الملك).
وحيازة المنصب يزيد تضرعهم ومناجاتهم لخالقهم؛ (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ {101}) (يوسف).
والمدير وصاحب المنصب لا ينفك عن تفكير مستمر يحدوه لرقي نفسه تارة والارتقاء بمستوى أعضاء المؤسسة واستثمار طاقاتهم وقدراتهم في دروب الخير تارة أخرى مع نصح مستمر.
«والقيادة من بعد يجب أن تكون سابقة في توفير مناخ العمل للجميع وفقاً لتطور كفاياتهم ونمو آمالهم وتوسع آفاقهم، وإلا فإن من لم تصرف طاقته في دروب الخير المستقيمة سيبددها في متاهات الشر، أو يجمعها ليعصف بك.
وكل ذلك من كمال معاني النصح والجهد الواجبة على كل أمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة» (البخاري ومسلم)» (الراشد، العوائق).
وصاحب المنصب لا يستغني عن المشورة والاستخارة ولا عن النصح والتسديد والتصويب، ولكن بالحسنى والتلطف والرفق حتى يُعان عليه أخوةً ومحبةً لا غلظة ولا تعنيفاً درءاً لمفسدة من الشيطان يضخم عليه أمر الرئاسة والمنصب!
ومما يعين على الزهد في المنصب:
– معرفة الدنيا وتقلباتها وأنها فانية بمظاهرها وزخارفها ومناصبها وألقابها؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {27}) (الرحمن).
– إن المنصب أمانة وإنه يوم القيامة خزي وندامة إلا من أدى الذي عليه.
– تذكر أصحاب المناصب وما كانوا يملكون ويسودون فزالوا وذهبت مناصبهم وألقابهم، ولو دامت لغيرك ما اتصلت إليك.
– المنصب وسيلة لغاية تقربك من الله تعالى أو هدف يكون فيه الخير للوطن والأمة والناس أجمعين.
– ارتباط القلب بالله ذكراً وعبادة وتأملاً وتسبيحاً وتلاوة للقرآن، والقلب ما لم يكن بالله مرتبطاً فإنما هو بالأهواء جوّاب.
– المحافظة على ميثاق الأخوة العظيم وعدم التنازل عن الأخوة والمحبة والصفاء الأخوي وعدم الرضا بالتنافس والتنافر والتنازع بسبب المناصب!
– اليقين الصادق أن ما عند الله خيرٌ وأبقى من الألقاب الفارهة والمناصب الفانية.
– العبادة والصيام والقيام بين يدي الله تعالى وإطالة السجود والمكث في المساجد.. كل ذلك ينمي البصيرة الإيمانية التي تبصرنا بحقيقة المناصب والألقاب.
والحمد لله رب العالمين.