تشهد الجزائر أطول احتجاج عمالي في تاريخها في ظل استمرار الإضراب المفتوح، الذي بدأه الأطباء المقيمون العاملون في المستشفيات الحكومية، منذ 7 أشهر.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلنت تنسيقية الأطباء المقيمين (نقابة مستقلة غير معتمدة) في الجزائر، دخولها في إضراب مفتوح، ورفعت مطالب تتعلق بتحسين ظروفهم، وإلغاء إجبارية الخدمة المدنية.
والأطباء المقيمون، هم من أتموا دراسة الطب، وحصلوا على شهادة التخرج الأولى، ويعملون بالمستشفيات كأطباء عامين، لفترة تصل إلى خمسة أعوام، هي مدة التدريب على التخصص الطبي الذي سيمتهنونه، حيث تختلف مدة كل تخصص عن الآخر.
وبعد قضاء هؤلاء الأطباء المقدر عددهم حاليا بنحو 15 ألفًا، مدة التخصص، ينفذون ما يسمى بـ”الخدمة المدنية الإجبارية”، التي يعد إلغاؤها أحد المطالب الرئيسية لإضرابهم.
و”الخدمة المدنية الإجبارية”، تفرضها الحكومة على كل الأطباء بعد اجتيازهم فترة التخصص، وتشمل العمل بالمناطق النائية، من عامين إلى 4 سنوات، قبل أن يتمكنوا من العمل لحسابهم بالعيادات الخاصة، أو العمل الدائم في المستشفيات الحكومية.
ومنذ بداية الإضراب، حاول الأطباء المقيمون الخروج عدة مرات في مسيرات احتجاجية؛ انطلاقًا من مستشفى “مصطفى باشا” بالعاصمة، لكن الشرطة منعتهم وتحولت المسيرة في أكثر من مناسبة إلى مواجهات بين الطرفين، أسفرت عن إصابات متفاوتة.
وطيلة 7 أشهر فشلت جميع جلسات الحوار بين الحكومة ممثلة بوزارة الصحة، و”تنسيقية الأطباء المقيمين”، بعد عقد 13 جلسة حوار دون التوصل لأي نتيجة.
وفي 29 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت “تنسيقية الأطباء المقيمين” مقاطعتها نهائيًا لجلسات الحوار مع وزارة الصحة، بدعوى عدم جدوى تلك اللقاءات التي لم تأت بأي جديد.
وفي ذات اليوم، شرع الأطباء المقيمون أيضًا في مقاطعة المناوبات الليلية في المستشفيات الحكومية، إضافة لعدم ضمان الحد الأدنى من الخدمة.
وبعد تأزم الوضع في المستشفيات الحكومية بالبلاد، وكرد فعل على تلك الخطوات دعت وزارة الصحة الأطباء المحتجين إلى استئناف الحوار مجددًا بشرط ضمانهم للمناوبات الليلية، والحد الأدنى من الخدمة.
وفي تقرير أصدرته في 2017، أعلنت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة)، أنها سجلت نحو 14 ألف احتجاج عبر مختلف محافظات البلاد، وكانت ناجمة عن ظروف اقتصادية واجتماعية.
واللافت في جل الاحتجاجات الجزائرية، أنها قصيرة المدة، وبعضها لا يتجاوز يومًا أو نصف يوم؛ لكن احتجاج الأطباء المقيمين حطم كل الأرقام القياسية، رغم كل النداءات التي صدرت من أحزاب الائتلاف الحاكم، والمعارضة على حد سواء لإيجاد حل للقضية.
وسبق أن استمرت إضرابات في الجزائر لفترة 3 أشهر أو أربعة على غرار قطاع التعليم، سنوات 2003 و2009 و2017.
وفي 27 مايو/ أيار 2018، أعلنت “تنسيقية الأطباء المقيمين” عودتها إلى ضمان المناوبات الليلية في المستشفيات الحكومية؛ اعتبارًا من 3 يونيو/حزيران الجاري.
وقالت التنسيقية، في بيان، إن هذا القرار ليس معناه العدول عن الإضراب الذي سيتواصل، مع فتح الباب للحوار مع وزارة الصحة.
ومنتصف يونيو/ حزيران الجاري، ألغت التنسيقية العودة للمناوبات بدعوى قرار الوزارة فصل قرابة 800 من الأطباء المقيمين بعدة مستشفيات حكومية بسبب الإضراب.
وقال المتحدث باسم “تنسيقية الأطباء المقيمين” في الجزائر، حمزة بوطالب، إن استمرار هذا الإضراب لأكثر من سبعة أشهر، وهو الأطول من نوعه في الجزائر، سببه عدم استجابة الوزارة الوصية لمطالب المحتجين.
وأضاف “بوطالب”، في حديث للأناضول، أن المضربين مصممون على المضي قدمًا في حركتهم الاحتجاجية؛ حتى تحقيق المطالب المرفوعة.
وتابع: “تصميمنا على المطالب جعل من احتجاجنا، الأطول في تاريخ الجزائر”.
وأشار إلى أن “الأطباء في إضراب منذ 7 أشهر، وهم مستعدون للإضراب لأعوام إن تطلّب الأمر في سبيل تحقيق المطالب التي رفعت”.
ولفت إلى أن إصرار الأطباء على تحقيق المطالب المرفوعة؛ وخاصة ما يتعلق بالخدمة المدنية، يرافقه أيضًا انفتاح على الحوار الجاد والحقيقي مع وزارة الصحة.
من جانبه، يؤكد وزير الصحة، مختار حسبلاوي، في مختلف تصريحاته الإعلامية منذ بداية الاحتجاج، أن “مطالب الأطباء غير معقولة؛ خاصة ما تعلق بوقف الخدمة المدنية، وأن أبواب الحوار تبقى مفتوحة لدراسة كل نقاط الخلاف”.
وخلال الأيام الأخيرة، اشترطت الوزارة عودة الأطباء إلى العمل قبل استئناف أي حوار معهم، وهو ما رفضته تنسيقية الأطباء المحتجين.
من جهته، قال رئيس عمادة الأطباء الجزائريين (نقابة معتمدة للأطباء الدائمين)، بقاط بركاني للأناضول، إن استمرار هذا الإضراب طيلة أكثر من 7 أشهر مرده تركيز السلطات ووزارة الصحة على تمرير قانون الصحة في البرلمان.
وأضاف: “نحن كعمادة أطباء لم نفهم لماذا تتمسك السلطات بموقفها، والمفروض أن تبدي نوعًا من المرونة، لحل القضية التي تستمر منذ 7 أشهر، وهي ربما أطول إضراب في تاريخ البلاد”.
وأشار إلى أن المحتجين يطالبون بأمور عادية؛ منها تحسين ظروف العمل، وضمان السكن عند تأدية الخدمة المدنية، وهي أمور جد عادية ولا بد منها.
وفسر بركاني، هذا التصميم واستمرار الاحتجاج منذ شهور، بكون الأطباء المقيمين تلقوا وعودًا بتسوية مشكلاتهم في 2011، بعد احتجاجات متكررة، لكن السلطات لم تفِ بوعودها إلى اليوم.
ونوه إلى وساطة عرضتها عمادة الأطباء بين المضربين، ووزارة الصحة، لكن الأخيرة رفضت.
وأردف موضحًا: “عرضنا وساطة بين الطرفين قبل شهرين، وكررناها قبل 15 يومًا، لكن وزارة الصحة رفضت مسعانا، والمؤسف أن الأوضاع تعفنت (تدهورت) في المستشفيات”.
واختتم بالقول: “أعتقد أن وزارة الصحة كانت مهتمة بتمرير قانون الصحة في البرلمان بغرفتيه، وجعلت منه أولوية؛ عوضًا عن أن تركز على إضراب الأطباء المقيمين، وإيجاد حل نهائي له”.
وقبل أيام صادق مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) على قانون الصحة الجديد، الذي أثار جدلًا واسعًا في البلاد.
ونهاية أبريل/ نيسان الماضي، منح المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) الضوء الأخضر لهذا القانون، وسط اتهامات من المعارضة بأنه سيكون تمهيدًا للتخلي عن مجانية العلاج، ومطالب بسحبه.
وتطبق الجزائر نظام المجانية في قطاعات عدة منها الصحة والتعليم والجامعات، وذلك منذ استقلال البلاد في 1962.