“يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها” (حديث رواه أبو داوود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 599).
وإن كنا نعتبر الإمام محمد بن عبدالوهاب أحد مجددي القرن التاسع عشر، فإن الكثيرين يعتبرون الإمام حسن البنا مجدد القرن العشرين بعد أن كادت ملامح الشريعة الإسلامية وتعاليم القرآن أن تطمس بسقوط الخلافة العثمانية التي أضعفها يهود الدونمة وأصبحت عالة على العالم الإسلامي وانتهى زمانها باحتلال أوروبا للعالم العربي بعد “سايكس – بيكو” (1917م)! وتم عزل الدين عن حياة الناس العامة وحصره في المسجد الذي لم يكن يؤمه آنذاك إلا الكهول الذين هم قاب قوسين أو أدنى من القبور!
وبإنشاء الإمام البنا لجماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، بدأت روح جديدة تسري في شرايين العالم الإسلامي، ووجدت دعوتهم قبولاً كبيراً وانتشاراً واسعاً في مصر وسورية والعراق والهند وبلاد المغرب العربي، وتمت إعادة كتابة التاريخ من جديد، وتم طرح الإسلام كمنهج حياة، والقرآن كدستور يحتكم إليه الناس، ودبّ الأمل في قلوب الملايين من المسلمين لإحياء الدين في النفوس، ولوحظ سرعة تأثر الناس بهذا المفهوم الشامل للإسلام لأنه يتوافق مع الفطرة البشرية (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم: 30).
ولذلك عندما بدأ اليهود المدعومين من أمريكا وبريطانيا غزو فلسطين عام 1948م كانت طلائع الإخوان المسلمين في مقدمة الجيوش العربية التي واجهتهم، وأبلوا بلاءً حسناً بشهادة قادة الجيش النظامي المصري آنذاك (راجع قافلة الإخوان/عباس السيسي 2/37) و(قضية السيارة الجيب ص172-176) و( حرب فلسطين – رؤية مصرية ص310)
إلا أن خيانة بعض القيادات العربية آنذاك منعت العرب من تحقيق الانتصار على اليهود وتم الانسحاب ولذلك كانت مكافأة الإخوان بعد عودتهم إلى مصر حل جماعتهم وتصفيتها بتوجيه من بريطانيا للملك فاروق ثم بعد ذلك تم اغتيال الإمام الشهيد غدراً في عام 1949!
الذي لم يكن يدركه خصوم الإخوان أن دعوتهم ربانية، ولم تكن مرتبطة بالأشخاص مهما علت منزلتهم، لذلك كان لاستشهاد الإمام دافعاً كبيراً لانتشار دعوتهم حتى أصبحوا خلال ثلاث سنوات فقط أكبر قوة شعبية في مصر، مما اضطر بعبدالناصر ورفاقه إلى الاستعانة بهم لطرد الملك عميل الإنجليز، ووافقوا على التعاون معه شريطة أن يقوم الحكم الجديد على مبادئ الشريعة الإسلامية خلال سنتين، وفعلاً بعد سنتين وقبل تنفيذ الاتفاق انقلب الضباط على الإخوان واختلقوا حادثة المنشية 1954م بهدف كسب التأييد والتعاطف الشعبي لعبدالناصر، وليحل الجماعة من جديد ويزج بالآلاف منهم في السجون ويعدم عدد من قياداتهم، وقد تبين بعد ذلك حجم الظلم والافتراء الذي وقع على جماعة الإخوان المسلمين في تلبيسهم هذه الحادثة إذ كيف يتم إطلاق تسع رصاصات من مسافه قريبة على رجل بحجم عبدالناصر ومن شخص متخصص بالرماية دون أن يقتله؟! (راجع: كتاب “كنت رئيساً لمصر” لمحمد نجيب ص 268-269، وكتاب “أسرار حركة الضباط الأحرار” حسين محمد حمودة ص 163-164) وغيرها كثير من شهود تلك الفترة!
ثم توالت الابتلاءات على جماعة الإخوان المسلمين وامتلأت بهم السجون من جديد، واستمروا في السجون سنين طويلة تحت التعذيب مات منهم من مات وخرج الأحياء منهم بعد هلاك عدوهم، واستمروا يمارسون دعوتهم إلى الله بشكل سلمي رافضين جميع أشكال الدعوات إلى استخدام العنف وفقاً لتعاليم الإسلام التي تربوا عليها منذ عهد الإمام الشهيد، لذلك من لم يعجبه شعار “سلميتنا أقوى من الرصاص” كان يخرج من الجماعة ويشكل تنظيماً خاصاً به لأن جماعة الإخوان ترفض وجوده في صفوفها!
اليوم يأتي بعض الأقزام ليتطاولوا على هذا الرمز الشامخ الإمام الشهيد، ويمارسوا هوايتهم بالافتراء على التاريخ والحقيقة وعندما لم يجدوا ما يحقق غايتهم الدنيئة في شخصية الإمام ذهبوا يبحثون عن أنسابه وأقاربه علهم يجدوا ما يريدون لتضليل الرأي العام، معتمدين على جوجل وبعض المراجع الإنجليزية المرتبطة بالاستخبارات الأجنبية!
ستظل جماعة الإخوان باقية إلى أن يشاء الله، نعم قد تمرض، قد يهدأ انتشارها، لكنها قضية وقت ثم تعود للحياة من جديد، لأنها دعوة ربانية، كلمة لا يدرك معناها الكثير!
ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.