ليس هناك أغلى من هدية نجاح أبناء الأسرى إلى ذويهم داخل السجون، فهذه الهدايا تعزز صمودهم أمام جبروت السجان وعذابات الأسر.
النجاح في امتحانات الإنجاز “التوجيهي” له طابع خاص بالنسبة للفلسطينيين بشكل عام وللأسرى بشكل خاص، فهو يأتي بعد دراسة متواصلة لمدة 12 عاماً والانتقال إلى مرحلة جديدة من الدراسة الجامعية.
الطالبة أفنان أبو أسنينة كريمة الأسيرة صفاء أبو أسنينة من الخليل حصلت على معدل 90%، كانت أولى كلماتها بعد ظهور النتيجة: هذا النجاح لوالدتي خلف القضبان، ولن يكون هناك أي احتفال أو استقبال للمهنئين حتى الإفراج عن والدتي، ما في حلوان ولا حفلة.
وفي مشهد آخر أكثر تأثيراً في بلدة بيت ريما قضاء رام الله في منزل الأسير عبدالكريم الريماوي، حيث تفوقت الطالبة رند الريماوي بمعدل 92.4% وكان عمرها عند اعتقال والدها ثمانية أشهر.
تقول الطالبة رند: هذا النجاح هو استكمال لمسيرة والدي الأسير داخل سجون الاحتلال، فوالدي اعتقل وهو طالب في جامعة بيرزيت تخصص إعلام، وأنا سأواصل مسيرته التعليمية كهدية له داخل أسره، فوالدي قدوتي في كل حياتي وأفتخر به كأب إنسان ومناضل.
وأضافت: الاحتلال قبل امتحانات التوجيهي منعني من زيارة والدي، وهذا الأمر أثَّر على نفسيتي، إلا أنه في الزيارة الأخيرة التي كانت في شهر مارس الماضي، شجعني كي أرفع رأس العائلة، وأن بيت الأسير هو بيت يصنع فيه النجاح رغم الفراق والبعد، ولم يتوقف والدي عن لحظة واحدة عن دعمي نفسياً وتشجيعي حتى يكون النجاح فرحة تسكن بيتنا.
وأشارت رند إلى أن النجاح في بيت الأسير له أهميته، وكنت دائماً في أي مناسبة وبعد تخرجي في المدرسة أحمل صورة والدي، كي يكون حاضراً معي في كل مرحلة، فلا يعني وجوده داخل الأسر أن يكون مغيباً كما يريد الاحتلال من اعتقاله وأسره، ورسالتي له أن يكون فخوراً بنجاحي ورسالتي وصلت له، وفي النجاح القادم في الجامعة أتمنى أن يكون والدي معي يشارك حفل تخرجي القادم.
أما الطالب براء الخصيب نجل الأسير فتحي الخصيب المحكوم (58 عاماً) المحكوم 29 مؤبداً، حصل على معدل في الفرع العلمي 98% من بلدة قفين شمال طولكرم.
شقيقه الإعلامي مصعب الخصيب قال في لقاء معه: نجاح شقيقي براء بتفوق سيدخل السرور على والدي الذي يقبع في السجن، فهذه ستكون أعظم هدية له، وأنا أتصور كيف يحتفل والدي بهذه النتيجة مع زملائه الأسرى، فجسم الحركة الأسيرة يتأثر بعوامل النجاح والسرور كما يتأثر بأسباب الحزن.
المحرر الأديب وليد الهودلي قال: هذه الهدايا حصاد الأبناء تُهدى في وقت الاحتلال غيبهم عن عائلاتهم ومنازلهم، الاحتلال ومخابراته يرصدون هذا النجاح ويقيمون إجراءاتهم التي لم تنجح في زرع الانتكاسة كما هو مخطط لها من قبل قادة السجون والخبراء فيها على مدى سنوات الاحتلال منذ عام 1967م.
وأضاف الهودلي: الأسرى في امتحانات التوجيهي تكون لهم غرفة عمليات لمتابعة نتائج التوجيهي من خلال التقاط أثير الإذاعات المحلية، وتسمع التكبيرات من داخل الغرف والأقسام بعد سماح نجاح أحد أبناء الأسرى في تلك الغرف والأقسام ويكون المشهد في غاية الروعة، حيث ينسى الأسير وجعه وألمه وهو ينتظر نتيجة النجاح لأحد أبنائه أو أقاربه.
وعلق د. أمين أبو وردة الذي ألف عدة مؤلفات على نجاح أبناء الأسرى: خلال وجودي معهم رصدت فرحهم وحزنهم، وكانت أكثر الأسباب سعادة لهم نجاح الأبناء في التوجيهي أولاً ثم في الجامعة وهذه السعادة أكثر من حالات الزواج أو الإنجاب، لأن النجاح يعتبر رافعة نفسية وروحية للأسير.