منذ انطلاق مسيرات العودة في الثلاثين من مارس الماضي في قطاع غزة، حاولت دولة الاحتلال بكافة الطرق وقف مسيرات العودة، فاستخدمت القوة المفرطة بحق التظاهرات السلمية التي نظمت على طول السياج الفاصل شرق القطاع؛ مما أسفر عن استشهاد نحو 140 فلسطينياً وجرح 15 ألفاً آخرين، وهذا دفع بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بعد مطالبات عربية وإسلامية للمصادقة على قرار يدعو لتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم “الإسرائيلية” على حدود غزة، وطيلة المائة يوم الماضية من مسيرات العودة التي تطورت واستخدمت أنواعاً متعددة من المقاومة الشعبية أبرزها الطائرات الورقية الحارقة، حاولت دولة الاحتلال بكل الطرق وقف مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة التي شكلت كابوساً لكيان الاحتلال، وقررت بالتزامن مع عمليات القتل للمتظاهرين السلميين تشديد العقوبات المفروضة على غزة، ومنها تقليص البضائع، ومنع العديد من السلع من الدخول للقطاع المحاصر منذ 12 عاماً، إلى أن وصل مؤخراً لمرحلة إغلاق شبه شامل لمعبر كرم أبو سالم المنفذ الوحيد لغزة، من خلال منع معظم البضائع من الدخول خاصة الإسمنت والحديد والوقود، ليدخل قطاع غزة من جديد في أشد حلقات الحصار.
الضغط سيولد الانفجار
على صعيد متصل، حذر القيادي الفلسطيني أحمد المدلل من خطورة الأوضاع، وأن الضغط على قطاع غزة سيولد بدون شك انفجاراً في وجه الاحتلال.
وقال المدلل لــ”المجتمع”: إن الاحتلال يريد مقايضة فتح المعابر بوقف مسيرات العودة، وهي بالمناسبة معادلة مرفوضة، وأن الشعب الفلسطيني لن يسقط راية المقاومة، لأنه صاحب قضية سياسية، وليست إنسانية، وهم يريدون أن يفتحوا المعابر كرشوة سياسة وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً.
وأكد المدلل أن على الاحتلال أن يرفع حصاره بشكل كامل، ولا يمكن أن يوقف الشعب الفلسطيني مسيرات العودة، باعتبار ذلك ضمن مشروعه المقاوم للاحتلال “الإسرائيلي”، والاحتلال يريد تركيع غزة، لكن غزة صامدة لن تركع وستبقى هي حامية لمشروع الثوابت الوطنية الفلسطينية.
فيما اعتبرت حركة “حماس” تشديد الحصار على غزة بأنه يعد انتهاكاً للقوانين الدولية، ويعد عقوبات جماعية، محملة حكومة الاحتلال تبعات هذا الحصار، والكوارث الإنسانية التي ستنتج عنه، مؤكدة في الوقت ذاته سلمية مسيرات العودة، داعية العالم لتجنيب غزة كارثة إنسانية عبر الضغط على الاحتلال ليرفع الحصار الظالم المفروض على القطاع.
موعد نهائي لوقف المسيرات
ووفق وسائل إعلام الاحتلال، فقد وضعت حكومة الاحتلال يوم الجمعة المقبل آخر موعد نهائي لوضع حد للطائرات المشتعلة التي يطلقها الشبان الفلسطينيون على حدود غزة، إذا لم يحدث ذلك، فإن جيش الاحتلال سوف يشن حملة عسكرية في قطاع غزة، مشيرة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أوعز لقيادة جيش الاحتلال بتمديد إغلاق معابر قطاع غزة حتى الأحد القادم، وبعدها سيتم الانتقال للمرحلة الثالثة من العقوبات، وهي تشديد الحصار بشكل كامل.
وأكدت وسائل إعلام الاحتلال بأن القيادة السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال لا تعترف بوجود تهدئة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، ما لم يتم وقف الطائرات الورقية ومسيرات العودة.
الضغط على المقاومة
وعقّب الكاتب والمحلل السياسي حسن جير لـ”المجتمع” على قرار الاحتلال بربط الطائرات الورقية ومسيرات العودة بفتح المعابر بالقول: إن هذه معادلة ظالمة، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يتحرك عبر المعبر بحرية، وحتى حق التظاهر هو مكفول في إطار القانون الدولي، والاحتلال يتذرع بالطائرات الورقية من أجل الحصول على مكاسب سياسية، 12 عاماً والحصار مفروض على غزة، ولم يكن هناك طائرات ورقية، والاحتلال يريد انتهاك التهدئة، والدليل أنه بات يومياً ينفذ غارات جوية على القطاع، على الرغم من وجود تفاهمات التهدئة الأخيرة، فهو يستهدف يومياً النشطاء الفلسطينيين الذين يطلقون الطائرات الورقية على المستوطنات التي تقع في غلاف قطاع غزة.
وأكد جبر أن ما تمارسه دولة الاحتلال يأتي في إطار الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية لوقف مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة، بعد أن فشلت في ذلك خلال جولة التصعيد الأخيرة في ربط التهدئة بوقف مسيرات العودة، ورسخت فصائل المقاومة الفلسطينية معادلة القصف بالقصف والنار بالنار.
سياسة تجويع
من جانبه، قال مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة في بيان تلقت “المجتمع” نسخة منه: إن سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” أغلقت معبر كرم أبو سالم الواقع جنوب شرق قطاع غزة، وقيدت حركة الواردات كلياً واستثنت فقط الأدوية والمواد التموينية، وهو المعبر الوحيد لمرور البضائع من وإلى قطاع غزة، كما قلصت مساحة الصيد إلى 3 أميال بحرية.
وطالب مركز الميزان المجتمع الدولي بالتحرك لوقف الإجراءات الجديدة بالنظر لآثارها الإنسانية الكارثية، وضمان إلزام قوات الاحتلال “الإسرائيلي” باحترام قواعد القانون الدولي ورفع الحصار الذي يشكل عقاباً جماعياً للسكان ويفضي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وأشار المركز إلى أن وقف توريد هذه المواد سيقوض من أسباب الحياة في قطاع غزة، سيما وأن القطاع يعاني نقصاً حاداً في إمدادات الطاقة الكهربائية، التي تقل عن أربع ساعات في اليوم، مشيراً إلى أن القرار من شأنه أن يقوض أسباب الحياة في قطاع غزة إذا ما استمر لأيام، لأن أثره سيكون حاسماً بوقف عمل المستشفيات؛ ما يعني أن دخول الدواء وحده ليس له قيمة دون قدرة مؤسسات الرعاية الصحية على العمل، هذا بالإضافة إلى الأثر الكارثي على حياة السكان وعمل المنظمات الإنسانية والإغاثية في قطاع غزة التي تعتمد في أنشطتها على المحروقات والمواد المستوردة عبر معبر كرم أبو سالم.
واستهجن مركز الميزان لحقوق الإنسان صمت المجتمع الدولي أمام تشديد سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” للحصار بما يتجاوز كونه عقاباً جماعياً ليشكل تهديداً جدياً لحياة المدنيين في قطاع غزة.
في سياق متصل، قال منسق الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة: إن الأحداث التي وقعت خلال نهاية هذا الأسبوع تشير إلى أن الوضع في غزة بات محفوفًا بمخاطر بالغة القيود تهدّد، في حال استمرارها، بحدوث تدهور كبير في وضع تنتابه الهشاشة وظروف إنسانية يلفّها البؤس في الأصل، ولا سيما في القطاع الصحي، مشيراً إلى أن الساعات والأيام القادمة مفترق طرق بالنسبة لغزة، أما الحرب أو الحلول الإنسانية.
ويشار إلى أن القيود الجديدة تأتي في ظروف بالغة القسوة يعانيها سكان القطاع، حيث بلغت فيه معدلات البطالة في صفوف القوى العاملة نسباً مخيفة تجاوزت في المخيمات 80%، وأن معظم سكان قطاع غزة يعانون من الفقر المدقع، أي أن أسرهم غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية من المأكل والملبس والمسكن وانعدم الأمن الغذائي في القطاع المحاصر.