فتحت الحكومة المصرية باب استيراد الأرز من الخارج بعد عقود من الإنتاج والاكتفاء الذاتي للسلعة الأبرز محلياً وعالمياً إلى جانب القمح.
وبينما رحب تجار ومستهلكون بمساعي الحكومة المصرية لاستيراد الأرز، تخوفاً من الاحتكار وزيادة الأسعار، انتاب المزارعين خوف من القضاء على زراعة الأرز في البلاد.
ووافق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 8 يوليو الجاري، على السماح باستيراد الأرز.
وكانت مصر تنتج من الأرز 4.5 مليون طن سنوياً، تستهلك منها 3.5 مليون والباقي يتم تصديره، لكن الإنتاج سيقل مع تقليص المساحات المزروعة بهذا المحصول، وفق وزارة الزراعة.
ويعد الأرز من السلع الغذائية الأساسية للمصريين مثل الخبز تماماً؛ لذلك تضعه الحكومة ضمن السلع التموينية المدعمة.
ومطلع مايو الماضي، أقر البرلمان المصري، بشكل نهائي، تعديلات قدمتها الحكومة لبعض أحكام قانون الزراعة، بما يمنح وزيري الزراعة والري سلطة إصدار قرار بحظر زراعة محاصيل حسب استهلاكها للمياه.
وأصدرت الحكومة المصرية بالتزامن مع التعديلات القانونية، قراراً يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز، الذي بدأت زراعته مطلع مايو الماضي مقابل 1.8 مليون فدان في عام 2017.
وتأتي تلك القرارات في وقت تتخوف فيه مصر من تداعيات سد “النهضة” الإثيوبي (قيد الإنشاء)، وأن يكون لسرعة ملء خزانه آثار مدمرة على المزارعين المصريين، خشية أن يقلل من حصتها من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب سنوياً)، مصدر المياه الرئيس في البلاد.
قرار جريء
ومشيداً بقرار السمح باستيراد الأرز، قال رئيس شعبة الأرز بـ”اتحاد الصناعات المصرية” (تشرف عليه وزارة التجارة والصناعة المصرية)، رجب شحاتة: إن “الرئيس فاجأ الجميع بالقرار الجريء بفتح باب الاستيراد الذي نبحث عنه منذ عام 2008”.
وأوضح شحاتة لـ”الأناضول” أن قرار استيراد مصر الأرز من الخارج يهدف إلى “ضبط الأسواق ومنع رفع الأسعار”، واصفاً هذا القرار بأنه “مهم لعمل التوازن المطلوب”.
ولفت إلى أن حجم محصول الأرز المقرر بدء حصاده من الشهر الجاري يكفى حاجة السوق المحلية بنسبة 90%، والكميات المتوقع استيرادها من الأرز لا تتجاوز 500 ألف طن.
وأشار إلى أن مصر يمكن أن تستورد الأرز من عدة دول تضم تايلاند والهند وروسيا والولايات المتحدة والبرازيل وميانمار.
وفي مطلع مايو الماضي، قال وزير التموين المصري، علي المصيلحي: إن الاحتياطي الإستراتيجي من الأرز يكفي البلاد حتى ديسمبر 2018.
لا بديل
ومشيداً بالقرار أيضاً، اعتبر عضو لجنة الزراعة في البرلمان المصري، عبدالحميد الدمرداش، أنه “لا بديل عن استيراد الأرز من الخارج في ظل تقليص المساحة المزروعة به”.
وأضاف الدمرداش، في تصريحات متلفزة قبل أيام، أن “فتح باب الاستيراد بجانب الإنتاج المحلي سيخلق توازناً في سعر الأرز”.
وتجاهل فلاحون مصريون في دلتا النيل (شمال) لسنوات طويلة قيوداً على الزراعة، تهدف إلى ادخار المياه، واستمروا في زراعة الأرز، لكن تغليظ العقوبة للحبس يوشك أن يغير هذا الوضع، وفقاً لمراقبين.
مشكلات غذائية
في المقابل، حذر البعض من مخاطر تقليص المساحة المزروعة بالأرز، والتوجه إلى استيراده.
ومن بين هؤلاء الباحث والمحلل الاقتصادي المصري، أشرف إبراهيم، الذي قال: إن الحكومة “ترى استيراد الأرز من الخارج أرخص من زراعته محلياً، لكن هذا الوضع خطير ويضع الدولة في مأزق كبير”.
وأوضح: “اعتماد الاقتصاد على استيراد الغذاء الأساسي يجعله عرضه لتقلبات أسعار الغذاء العالمية، كما أن الطقس السيئ عند بعض الدول سيؤثر سلباً على إمدادات الغذاء لضعف الإنتاج وبالتالي ارتفاع أسعاره”.
وأبدى إبراهيم تخوفه من أن الاعتماد على استيراد الغذاء الأساسي “يضع ضغوطاً على موارد النقد الأجنبي للدولة، لاسيما مع مصر التي تعاني من محدودية العملات الصعبة”.
ورأى أن “استهلاك الأرز للمياه كان يمكن السيطرة عليه من خلال الاستعانة بالمراكز البحثية الزراعية في جميع الجامعات والمعاهد والمؤسسات المصرية، من أجل إنتاج سلالات أقل استهلاكاً للمياه”.
ومنذ الأزل، يعتمد المصريون على نهر النيل في زراعة المحاصيل المختلفة.
وفي 10 يوليو 2017، حظرت الحكومة المصرية تصدير الأرز إلى الخارج، وذلك للموسم الثاني على التوالي، لحين تأمين احتياجات السوق المحلية.
تدمير الزراعة
على النحو ذاته، حذر نقيب الفلاحين بمصر، حسين أبو صدام، من أن “استيراد الأرز من الخارج يعد بداية لتدمير زراعة هذا المحصول الحيوي في مصر”.
وأضاف أبو صدام، في تصريحات صحفية مؤخراً، أن مصر كانت تصدر الأرز للخارج حتى العام الماضي، لكن بعد قرار تقليص مساحة زراعة الأرز أصبحت دولة مستوردة للأرز.