قال الكاتب الصحفي جمال سلطان: إن وزارة الخارجية البريطانية أصدرت بياناً رسمياً أمس، موجهاً إلى مواطنيها الراغبين في زيارة مصر للسياحة أو لأي غرض آخر، البيان عبارة عن تحذير مفصل يرسم أجواء من الخوف تهيمن على مصر، وبالتالي يحذر البيان من أن يتصور المواطن البريطاني أنه من حقه التعبير عن الرأي في مصر مثل بلاده أو أي بلد آخر ينعم بالحرية والديمقراطية، ويقول التحذير الخطير محذراً المواطن البريطاني المسافر إلى مصر: “إن انتقاد الأوضاع الداخلية أو الحكومة المصرية أثناء إقامتك في البلاد قد يودي بك إلى السجن”، البيان البريطاني نبه المواطنين البريطانيين أن مجرد نشرهم أي تعليقات أو آراء تتحدث عن سياسة مصر في أي مجال أو التعليق على أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي أو الأجهزة الأمنية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات كبيرة مع السلطات هنا، وأضاف البيان الذي نشر على الموقع الرسمي للوزارة محذراً من استخدام حرية التعبير حتى في وسائل التواصل الاجتماعي -مثل “تويتر” أو “فيسبوك-لأن ذلك -حسب نص البيان- يمكن أن يؤدي بك إلى السجن.
وأوضح سلطان في مقال له على موقع المصريون أن بيان الخارجية البريطانية مروع بالفعل، ويقربك من فهم إدراك المجتمع الدولي لأحوال مصر الآن، ومناخات الخوف والرعب التي تملأ أرجاءها، وسهولة استباحة كرامة الناس وحرياتهم وحقوقهم البسيطة، وبطبيعة الحال، فإن هذا التحذير أتى بعد عدة مواقف وأحداث ووقائع تثبت لهم أن هذا هو المناخ السائد في مصر، وأنه مناخ لم يتعود عليه المواطن البريطاني، فلا يتصور أن إبداء رأيه في أي وضع سياسي أو شخصية سياسية يمكن أن ينتهي به إلى السجن، وهو الذي يمسح البلاط بأعلى رأس في بلاده ولا يقترب منه أحد، فأتى البيان لكي ينبهه إلى أنه ذاهب إلى “عالم آخر”، لا يعرف حكاية حرية الرأي والتعبير ولا ممارسة النقد السياسي أو التعليق على أداء أجهزة الأمن فضلاً عن أن تعلق على رئيس الجمهورية نفسه، حتى لو كان ذلك من خلال تغريدة على “تويتر” أو تعليقاً قصيراً على “فيسبوك”، فالأمر قد ينتهي بك ببساطة إلى السجن.
وأضاف: بيان الخارجية البريطانية ليس فقط مهيناً للنظام السياسي في البلد، بل مهين للبلد بكاملها، حتى بقضائها وميزان العدالة فيها، وحتى بالأجواء النفسية للمواطنين فيها أيضاً، لأن السجن المشار إليه لا يصدر بقرار مباشر من الحكومة ولا رئيس الجمهورية، وإنما يصدر من خلال إجراءات قضائية، عبر النيابة ثم المحاكم، وبالتالي، فلنا أن نفهم أن هذا التحذير الخطير يشير إلى اعتقاد الحكومة البريطانية أن أجواء الخوف والبطش في مصر لن يحميك منها قضاء ولا عدالة، بل يمكن فهم الأمر على ما هو أسوأ من ذلك، فالبيان يوحي ـ بوضوح ـ إلى أن ممارستك لحرية الرأي والتعبير سيعامل من قبل القضاء على أنه جريمة تستحق السجن.
وأوضح أن البيان يعطي الانطباع عن أن أجواء التحريض على البطش متفشية في المجتمع، وهناك متطوعون لتهييج السلطات عليك، إذا كانت السلطات في غفلة أو مشغولة! وهؤلاء محامون وإعلاميون ونشطاء، يتقربون إلى السلطان بدمك أو حريتك، ويحاولون صناعة قربهم من أصحاب القرار بمثل هذه التحريضات التي تنتفخ فيها أوداج كاذبة وتعلو فيها صراخات الوطنية الزاعقة والغيرة الجنونية على ما يتصورونه سمعة البلد وسمعة قيادتها، وهؤلاء كثيرون مع الأسف، وممكنون، ومحميون، ومقربون، وهم –بالتأكيد- شركاء في صناعة مناخ الخوف الذي أرعب الخارجية البريطانية فسارعت لتنبيه مواطنيها الذين يقررون السفر إلى هذه البلاد.
واختتم سلطان قائلاً: الملاحظ أن الخارجية البريطانية وجهت هذه التحذيرات الخطيرة لمواطنيها المسافرين إلى مصر، رغم أن الخارجية البريطانية لم تنتقد تلك الممارسات أصلا في مصر، ولا صدر أي بيان يندد بها أو يدينها، أي أن الحكومة البريطانية تتعامل مع “المصريين” باعتبارهم “كائنات” أقل من أن يستحقوا حياة آدمية أو أن تكون لهم حقوق وحريات وضمانات مثل البريطانيين، أو أن بريطانيا ترى أن تدع السلطات المصرية تفعل ما تشاء مع مواطنيها، شعبها وهي حرة فيه !، لكن المهم أن نحمي مواطنينا البريطانيين، وأن نوضح لهم كيف يتقون تلك المناخات المروعة التي تخيم على الحياة السياسية في مصر.