بقلم: إيوان مكيردي
قصة صعود عمران خان الطويلة إلى السلطة في باكستان غير تقليدية، فالفائز في انتخابات الأربعاء هو أسطورة “الكريكيت” الذي طاف العالم واكتسب مكانة وشهرة كبيرة.
ستكون وظيفة عمران خان الجديدة أكثر صعوبة، فهو يرث أمة تمزقها المشكلات الاقتصادية، والتهديدات الأمنية، وبها جيش مندفع يتطلع إلى زيادة تدخله للحياة السياسية.
وهذا شيء ثقيل بالنسبة للسياسي الذي تمتع بصعود سريع، ولكن حزبه، حتى الآن، مازال يكافح لإحداث تأثير على المستوى الوطني.
وقد قام خان، الذي أدار حملة شعبية موجهة إلى الطبقة الوسطى من الباكستانيين المحبطين، بإجراء مقارنات مع شخصية أخرى من المشاهير، تحولت إلى السياسة مثل شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وقالت عائشة صديقة، المحللة السياسية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في معهد جنوب آسيا للدراسات: يبدو أنه مثل ترمب.. فمثلما يمثل ترمب بالنسبة للولايات المتحدة.. سيكون خان بالنسبة لباكستان.
ومثل نظيره الأمريكي ترمب، سهلت شهرة خان صعوده كما يقول الصحفي زاهد حسين “فهو لديه العديد من الوجوه كرجل رياضي وبطل، وهذه إحدى أسباب شعبيته وجاذبيته”.
وأضاف حسين: إن هناك تناقضاً؛ حيث إن خان الذي من المفترض أن يكون وجهًا حديثًا، لديه الكثير من التفكير المحافظ، بخصوص “طالبان”، والقضايا الدينية.
وقد أعلنت مفوضية الانتخابات في باكستان، أول أمس السبت، أن حزب خان حصل على 115 مقعدًا من أصل 270 مقعدًا متاحًا، الأمر الذي منحه الفوز بأقلية في البرلمان، غير أن المحللين يقولون: إنه لن يواجه مشكلة كبيرة في تشكيل تحالف يحكم البلاد كرئيس للوزراء.
ومدعياً للنصر يوم الخميس الماضي، استغل خان الدين، قائلاً: “لقد منحني الله تلك الفرصة لتحقيق هذا الحلم”.
التعامل مع ترمب
وبغض النظر عما إذا كان خان سيصبح دونالد ترمب باكستان، فإنه من المتوقع أن يتعامل مع الزعيم الأمريكي، بعد أن ميز نفسه كمرشح شديد الانتقاد لواشنطن، وهو الحليف العسكري الأكثر أهمية لباكستان، لكن محللين أعربوا عن شكوكهم بشأن ما إذا كان راغباً في إغضاب واشنطن بشكل حقيقي.
وقالت عائشة صديقة، المحللة السياسية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في معهد جنوب آسيا للدراسات: إن خان كان معارضاً صريحاً لضربات الطائرات المسيرة في المناطق القبلية في باكستان، ودعا إلى أن تكون البلاد أقل اعتماداً اقتصادياً على الولايات المتحدة، ولكن من المرجح أن يخفف من لهجته.
وفي كلمة ألقاها مساء الخميس الماضي، قال: إنه يبحث عن “علاقات تعتمد تبادل المنفعة” مع الولايات المتحدة.
وقال: في الوقت الحالي لدينا علاقة في اتجاه واحد مع الولايات المتحدة، وأمريكا تخوض حربها الخاصة ونحن بحاجة إلى علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة.
ويملك الجيش الباكستاني قدراً هائلاً من النفوذ على السياسة الخارجية، وسيبحث عن إصلاح العلاقات مع واشنطن التي علقت مساعدات بأكثر من تريليون دولار هذا العام متعللة بفشل باكستان في قمع الجماعات الإرهابية التي تنطلق من أراضيها.
وقد دعت سياسة ترمب الجديدة بأفغانستان الهند المنافس الكاره لباكستان لممارسة دور أكبر في أفغانستان، مما زاد من التوترات مع إسلام آباد.
كما هدد البيت الأبيض باتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية، بما في ذلك إعلان باكستان دولة راعية للإرهاب، على الرغم من أن الخبراء شككوا في مدى استعداد إدارة ترمب لإغضاب إسلام آباد، خوفاً من قطع خطوط الإمداد الخاصة بها إلى أفغانستان.
وفي الوقت الذي يجب أن ننتظر كيف سيتعامل مع ترمب، قد يكون خان -وهو من عرقية البشتون- قادراً على ممارسة دور في تحسين العلاقات مع أفغانستان، حسبما أفادت الصحفية رفيعة زكريا من صحيفة “Dawn” الباكستانية المستقلة.
“يمكنك بالتأكيد أن ترى انتخابه بمثابة مصافحة لأفغانستان، أفغانستان الشعب، وليس بالضرورة الحكومة في كابول، أفغانستان الباشتون (الشعب)، والأفضل من ذلك هو أن يقدر علي جعل البشتون يجتمعون حول معاهدة سلام أو نوع من الاتفاق”، كما تقول رفيعة.
وكان خان قد تحدث من قبل عن الحاجة إلى التحدث إلى “طالبان”، التي زادت من مساحة الأراضي التي تسيطر عليها في أفغانستان.
وقال يوم الخميس الماضي: إنه يريد تنفيذ سياسة “الحدود المفتوحة مع أفغانستان، كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف أنه سيسعى لتحسين العلاقات مع إيران و”استخدام قوتنا لتخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط، نريد أن نكون البلد الذي ينهي الحروب”.
وسيتعين على خان، الذي سيحقق توازناً آخر كبيراً، أن يؤدي دور الريادة مع الصين، التي ساهمت في إبقاء اقتصاد باكستان صامداً باستثمارات ضخمة مرتبطة بخطة الحزام والطريق والتجارة والبنية التحتية لبكين.
وقال زكريا: عند هذه النقطة، فإن ترسيخ الصين لأقدامها في باكستان عميق للغاية بحيث لا يمكن شطبه بجرة قلم.
وقد حذر العديد من المراقبين الخارجيين من أن خطة الحزام والطريق قد تنتهي باقتصادات أصغر وبكميات ضخمة من الديون مقابل مكافآت مشكوك فيها.
وكان مركز التنمية العالمية، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة، قد حذر في وقت سابق من هذا العام من أن باكستان “هي أكبر بلد في العالم من حيث المخاطر العالية”، حيث يتم فيها تنفيذ مشاريع للبنية التحتية وللطاقة تمولها الصين بحوالي 50 مليار دولار.
وقال البنك: إن زيادة مخاطر الديون في باكستان تتمثل في أسعار الفائدة المرتفعة نسبياً التي تتقاضاها الصين.
وقد سبق للصين أن استخدمت نفوذها المالي لتحقيق مكاسب سياسية، ففي عام 2011، وافقت بكين على شطب ديون لطاجيكستان في مقابل أراضٍ متنازع عليها، وفقاً للدراسة، وقد حصلت في العام الماضي على عقد إيجار لمدة 99 عاماً لميناء في سريلانكا في مقابل إعادة التفاوض على قرض بقيمة 8 مليارات دولار.
وعلى الرغم من المخاوف، اتفق معظم المحللين على أن الاعتماد المالي للبلاد على بكين من المرجح أن يمنع أي نوع من التحول الكبير من قبل خان في كيفية تعامله مع الصين.
وقال خان: إن باكستان بحاجة إلى مواصلة روابطها مع الصين ومواصلة مشاريعنا (الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني). ونحتاج إلى استخدام الصين كمصدر إلهام لتحرير شعبنا من الفقر.
من المرجح أن يستمر الحفاظ على التوازن الحالي كما هي الحال مع الهند، وعلى الرغم من أن خان أدلى بملاحظات تصالحية فيما يتعلق بجار باكستان النووي، قائلاً: إنه “يرغب في تخفيف حدة التوتر”، فإنه من غير المرجح أن تتغير العلاقات كثيراً بين إسلام آباد ودلهي، بحسب قول عائشة صديقة.
لقد ذهب خان إلى الهند وأحدث كل هذه الضجة، ولكنه عندما يصل إلى السلطة، سوف يستسلم للوضع الراهن.
وفي خطابه الخميس، قال خان: إن الأولوية رقم واحد لباكستان هي تحسين العلاقات التجارية واستشهد بمسيرة “الكريكيت” لديه كسبب لكونه أكثر دراية بالتفكير الهندي من أسلافه.
وقال: “أنا الباكستاني الوحيد الذي يعرف أكثر عن الهنود، أكثر من أي زعيم آخر، بسبب خبراتي في لعبة الكريكيت”.
أزمة الفساد
وقالت عائشة صديقة قبيل التصويت: إن الحكومة المقبلة في باكستان ستواجه “تحدياً كبيراً” في الاقتصاد.
أضافت: “لا يوجد مال، لذلك كيف تخطط؟”، وقالت: مشكلة لن يتم حلها في السنوات الأربع القادمة.
ووافق الصحفي حسين زكريا على أن فرز الموارد المالية للبلاد هو “أكبر تحد لأي حكومة جديدة”، مضيفاً أن أول شيء يتعين على الإدارة الجديدة القيام به هو الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، وقد ادعى خان أنه لن يذهب إلى صندوق النقد الدولي، ولكن قد يحتم الوضع عليه الذهاب لهيئة دولية.
وقال زكريا: إن خان وعد بتعزيز الاقتصاد من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد الأثرياء، كيف يفعل ذلك ولديهم نفوذ كبير في الحكومة؟
وقال: أتوقع أن تكون هناك حالات استرشادية وأعداء سياسيون من رجالات الصناعة يتم تجميد أصولهم، وأتوقع أن يحدث ذلك بعد توليه السلطة مباشرة.
فقد أدار خان حملته إلى حد كبير على وعد بتجفيف مستنقع السياسة الباكستانية، حيث وضع نفسه فوق الصراع، على النقيض من خصمه المخلوع نواز شريف، ولكن وفقاً لحسين حقاني، وهو دبلوماسي سابق له علاقات وثيقة مع عائلة بوتو القوية، فإن هذه المقارنة خاطئة.
خان لم يمارس السلطة أبداً، فكيف نعرف أنه نظيف؟ لم يكن أبداً في الحكومة، لذا لم يكن باستطاعته استخدام أموال الحكومة، حتى الآن؛ لذا فإن حجته كاذبة بأن هذا الرجل لن يفسد مالياً بأموال الحكومة لأنه لم يكن لديه قط أموال الحكومة.
بعض الأشياء التي يقول خان: إنها صحيحة تماماً، تحتاج إلى أساليب قانونية، وليس تدخلات تعسفية.
القضايا المحلية
وبالإضافة لشعور غامض في الغالب عن سياسته وكيفية تنفيذها، هناك نقطة أخرى رئيسة للمقارنة مع الرئيس الأمريكي هي علاقة الزعيمين مع وسائل الإعلام.
فقد تنبأت عائشة صديقة بأن خان في السلطة، سيتصرف مثل ترمب في التعامل مع الصحافة.
وأضافت: عندما يبدأ الحكم ستكون هناك أسئلة، وسيكون الناس ناقدين، وسنرى المزيد من الضغط على وسائل الإعلام.
وقال مشرف الزيدي، كاتب ومحلل سياسي: إنه كشخصية عامة كان عالي الصوت في الحملة الانتخابية، وكان يشتبك علانية مع الصحافة ويهاجم الصحف والصحفيين، إنه لن يختار حرية الصحافة ما لم تستلزم حرية الصحافة مدح عمران خان.
وسيكون هذا مصدر قلق لكثير من الصحفيين الباكستانيين الذين واجهوا بالفعل قيوداً متزايدة على طريقة عملهم، وقد يصعد خان أيضًا من الخطط المقترحة للحد من حرية الإنترنت في البلاد، مما سينسخ من أساليب الرقابة من الصين.
وقال حقاني: غالباً ما سيظهر عمران خان سلسلة سلطوية قائمة بذاتها، تصف المعارضين والنقاد بالفساد ومعاداة الإسلام والخيانة. وهذا قد يعني المزيد من تقييد الحريات المدنية والحريات الإعلامية.
أعتقد أن خان أظهر نفسه كغير متسامح للغاية مع المعارضة، فأي شخص ضده يوصف بأنه خائن، غير مؤمن، وقد لعب الورقة الدينية في هذه الانتخابات، ويمكن أن يتهم الناس بقوانين التكفير.
الجيش الباكستاني
السؤال الأكبر حول أي حكومة باكستانية هو مقدار الحرية التي يجب أن تعمل بها في ظل مراقبة الجيش لها عن قرب.
فقد رزحت البلاد تحت الحكم العسكري المباشر لأكثر من نصف وجودها الذي استمر 71 عامًا وما زال الجيش يحتفظ بقوة ونفوذ هائلين.
وكان يشك منذ زمن طويل أن الجيش فضل ترشيح خان وكثيرين زعموا بأن الجنرالات كانوا يراقبون الانتخابات، والآن بعد أن تم انتخابه، فمن المرجح أن يتبع سياسات صديقة للجيش.
وقال حقاني: قد لا يكون (خان) في جيب الجيش، لكنه سيكون مخلوقاً سياسياً آخر للجيش.
ويعتقد محللون آخرون أنه بينما يصور خان نفسه على أنه مستقل، فإن صلاته بالجيش وحلفائه السياسيين تعني أن هناك فرصة ضئيلة للغاية له في تقويض النظام الراسخ والنفوذ العسكري.
وقال الزيدي: أظن أنه يعتقد أنه يستخدم الجيش ولا يدرك أن الجيش هو الذي يستخدمه.
لا أعتقد أن في الأفق نذراً لقدوم أي نوع من الثورة الكبيرة، فالخريطة الانتخابية وخياراته من الحلفاء والأصدقاء والزعماء السابقين تشير إلى أنه لم يحدث مثل هذا التغيير الكبير.