الغرب يعتبر شعوب منطقتنا العربية وغيرها شعوب درجة ثالثة ويسميها: (العالم الثالث). وأحيانا يعتبروننا أطفالاً في مرحلة النمو ويسموننا (العالم النامي).
عنوان كبير لسياسة ثابتة ينتهجها الغرب لتحقير الشعوب كمدخل للسيطرة عليها؛ فحين تقتنع الشعوب أنها متخلفة بحكم الواقع والتاريخ والعادات والمعتقدات فسيكون أقصى طموحها التبعية والتقليد للنموذج الأرقى والأعلى .
تنبه شعب جنوب أفريقيا وهو في طريقه لنيل حريته من السيطرة العنصرية للبيض لتلك السياسة فأنشئوا أثناء تواجد “مانديلا” في السجن حركة تُسَمي (حركة الوعي الأسود)، كانت مهمتها إعادة الثقة لشعب جنوب أفريقيا في نفسه .
فقد كان الطفل الأسود في أول دخوله للمدرسة يمحون اسمه الأفريقي ويعطونه اسما إنجليزيا، ويعلمونه أن التنصر يساوي التحضر، وأن تاريخ جنوب أفريقيا يبدأ مع وصول الرجل الأبيض إلى البلاد .
يقول “ألبرت لوتولي” زعيم حزب المؤتمر الأفريقي الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1962 في مذكراته: (كان البيض يروجون أن السود كانوا جماعات من الهمج قبل وصول البيض للبلاد، وأن السود يلزمهم ألفا عام حتي يبلغوا مستوى تحضر البيض)!
وساهمت الكنيسة في خطة البيض في تحقير السود؛ فقد كان “لوتولي” عضوا في المجلس المسيحي، وغادر في سفينة مع مجموعة من القساوسة في مهمة تبشيرية، وفي السفينة تم عزل القساوسة السود في الدرجة الثانية، ورفض القساوسة البيض اشتراك السود في صلاة الأحد معهم في الدرجة الأولى.!
نحن في بلادنا جربنا تلك السياسة وما زلنا تحت تأثيرها؛ فالغرب الذي احتل بلادنا حَقَّر من تاريخنا وعقيدتنا وعاداتنا وشَوَّه رموزنا، حتي يقنعنا بأننا محتقرون غير مؤهلين للاستغناء عنه والاعتماد على أنفسنا .
وأنشأ جيلا من المتغربين كانت وظيفتهم النيابة عنه في تحقير قومهم لدرجة أن سلامة موسى في كتابه “اليوم والغد” يقول: (كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها وتعلقي بها…، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب ).
و”طه حسين” في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” يحدد سبيل تقدم بلادنا بالسير على خطى الحضارة الأوروبية والأخذ من: (خيرها وشرها، حلوها ومرها)!
وفي المقابل كان هناك قلة من المفكرين الذين تنبهوا لخطورة احتقار الذات ومنهم المفكر الراحل “علي شريعتي” في العديد من كتبه ومنها كتاب: (النباهة والاستحمار).
نعود إلى حالنا اليوم فنجد ثمرة تلك السياسة فيما يردده أهل بلادنا من أننا: “شعب لا يستحق الديموقراطية، شعب همجي، شعوب لا يصلحه إلا العصا…”.
بل نتبادل تحقير الذات بين مكونات المجتمع: مدني وفلاح وصعيدي، حضري وبدوي، شامي وحِمصي، عربي وأمازيغي…
احتقار الذات يولد شعوراً بالدونية نتيجتها الخضوع والاستسلام والتبعية .
بذرة خبيثة زرعوها في أرضنا، ونحن استكملنا زراعتها ونشرنا ثمرتها.
نحن في حاجة إلى “حركة الوعي العربي” مثل “حركة الوعي الأسود”، تعيد لنا ثقتنا بأنفسنا؛ فإثبات الذات يولد شعوراً بالعِزة .
والشعور بالعِزة هو أول درجات سُلَم المقاومة .