كشفت عملية التصويت على منح الثقة لوزير الداخلية التونسي الجديد هشام الفوراتي، بنسبة كبيرة 148 صوتا مقابل رفض 13 وتحفظ 8 نواب آخرين،{ من أصل 217 نائبا } عن خلل جسيم في بنية وهيكلة عددا من الأحزاب السياسية، ولا سيما الأحزاب التي انبثقت عن حل حزب “التجمّع” الذي حكم البلاد نحو 70 سنة ، والممثلة في البرلمان وبالأخص، حزب نداء تونس، وآفاق تونس، ومشروع تونس. فبعض هاته الأحزاب غيّرت موقفها بعد تأكدها من أن، هشام الفوراتي سيحصل لا محالة على الأصوات المطلوبة، وهي 108 أصوات، ومنها أصوات بعض نوابها . وقد أعرب حزب آفاق تونس، عن غضبه الشديد من نوابه الأربعة{ له 6 نواب} ، وعلى رأسهم رئيس مكتبه السياسي، كريم الهلالي الذي استبق عملية التصويت على سحب الثقة منه بالاستقالة. وقد ساهمت عملية التصويت تقسيم هاته الأحزاب في العمق، وإن بدت غير ذلك ظاهريا.
تحول 180 درجة
حزب نداء تونس الذي أعلن بعض قادته عن أنه لن يصوّت لصالح وزير الداخلية وقاد حملة لهذا الغرض منذ إقالة وزير الداخلية السابق، في 6 يونيو الماضي، وجد نفسه مجبرا على التصويت خشية انقسام الحزب، حسب بعض التصريحات، واستجابة لنداء الرئيس الباجي قايد السبسي، كما أكد زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي. وكان رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال قد أعلن وبشكل مفاجئ يوم السبت 28 يوليو عن تغيّر موقف الكتلة والتصويت بمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد.
وقد شدد طوبال على أن منح الثقة للفوراتي لا يعني بالضرورة منحها لحكومة الشاهد, وأن الكتلة متمسكة بتعديل شامل، رغم أن مجموعة تتحدث باسم الهيئة التأسيسية لا ترى نفس الموقف عما عبّرت عنه القيادية في النداء أنس الحطاب. وأشار طوبال بأن التصويت بمنح الثقة كان لحماية المؤسسات والحفاظ على الأمن والاستقرار. في حين يشير محللون إلى أن التغيير المفاجئ في الموقف نابع من إدراك أن الفوراتي سيفوز بثقة البرلمان، وأن عدم التصويت سيمثل خسارة في اتجاهات متعددة، منها انقسام الحزب مجددا بشكل دراماتيكي، لا سيما بعد اعلان 20 نائبا من النداء عزمهم على التصويت لصالح منح الثقة للفوراتي. وهو ما أكدته النائبة عن نداء تونس زهرة إدريس يوم الاثنين 30 يوليو، والتي أكدت على أنه تم إقناع حافظ قايد السبسي بأنه سيدخل معركة يكون فيها الخاسر، وأن تصويت كل الكتلة من عدمه سيان. وذهبت أكثر من ذلك عندما عبرت عن وقوفها إلى جانب من ينادون بتغيير جزئي داخل الحكومة وليس تغيير الحكومة. فضلا عن تحقيق الشاهد نقاط قوة جديدة داخل الحزب، في حال لو لم يتم التصويت بالإجماع. وهو ما ذهب إليه النائب عن نداء تونس شاكر العيادي، الذي أشار بأن الحفاظ على وحدة الحزب من الانقسام هو ما دفع الجميع للتصويت على منح الثقة للفوراتي.
انقسام في مشروع تونس
ما حاول تجنبه حزب نداء تونس، سقط فيه مشروع تونس، وذلك عندما أعلن 5 من أبرز قادته في الحزب والبرلمان عن مخالفتهم لرأي الكتلة والحزب، وهم ليلة الشتوي، وهدى سليم، ومروان فلفال، وسهيل العلويني، والصحبي بن فرج، ونشروا بيانا يوم الاثنين 30 يوليو أكدوا فيه أنهم صوتوا بمنح الثقة رغم أن الأمين العام للحزب محسن مرزوق وبقية زملائهم في الكتلة تمسّكوا بالتحفظ على التعيين. واعتذر النواب الخمسة عن عدم التزامهم بالموقف الحزبي، وأن دافعهم للمخالفة هو ضرورة إنهاء الفراغ على رأس وزارة الداخلية والنأي عن التجاذبات السياسية ودعم التفاعل الايجابي الذي ساد لقاء رئيس الحكومة بوفد عن الحزب يوم 26 يوليو الماضي.
وقد كشف النائب عن كتلة مشروع تونس ، حسونة الناصفي، يوم الثلاثاء 31 يوليو هذا الانقسام الذي طال عدة أحزاب. وأن كتلة نداء تونس انقسمت بخصوص التصويت على منح الثقة لوزير الداخلية هشام الفوراتي، قبل تدارك الأمر، وكتلة مشروع تونس أصيبت بالانقسام ، ونفس الشيء بالنسبة لكتل آفاق تونس والوطني الحر{ حصل له ما حصل للنداء} والولاء للوطن. كما أكد على أن بعض الأحزاب التي غيّرت مواقفها بخصوص منح الثقة لوزير الداخلية كان ذلك خوفا على وحدتها وكتلها ومصيرها المجهول في المستقبل.
حركة النهضة مكسب للوطن
صوتت كتلة حركة النهضة، لصالح منح الثقة للوزير الفوراتي، واعتبر القيادي في مشروع تونس الصحبي بن فرج أن ذلك عزز من مكاسبها ، وضاعف من رصيدها السياسي على حساب الجميع دون استثناء، على حد تعبيره.
وأكد على أن عملية التصويت كشفت على أن يوسف الشاهد ليس مدعوما من النهضة وحسب، وإنما من الأحزاب التي وصفته طيلة الفترة الماضية بأنه” فتى النهضة”. وأنه” اتضح للجميع أن أنصار الشاهد داخل النداء وبعض الكتل الأخرى قادرون عددياً على تمرير الوزير بسهولة “.
وأكد وزير الخارجية الأسبق والقيادي في حزب حركة النهضة، الدكتور رفيق عبدالسلام أن عملية التصويت لصالح وزير الداخلية هشام الفوراتي لم تكن انحيازاً لطرف الحكم على حساب طرف آخر بقدر ما كانت انحيازاً للدولة والاستقرار السياسي وروح الانضباط والمسؤولية، وأن الأولوية لتغيير الواقع وليس الحكومات وأن المنتصر الوحيد هو روح التوافق الوطني والديمقراطية.. وهذه أهم انجازات الثورة.
أخيراً..
حصل وزير الداخلية هشام الفوراتي على الأغلبية المطلوبة وبمستوى غير متوقع، وهو ما يعني وفق مراقبين نجاة حكومة الشاهد من المقصلة ، رغم مناداة البعض بعرض الحكومة على البرلمان ، الذي دخل في عطلة تستمر حتى أكتوبر القادم، وبالتالي تبدو نظرية أن التصويت كان على الحكومة من الناحية المعنوية ، أكثر موضوعية . في حين تتجلى المواقف المهزوزة كتعبير عن العجز أو تغطية له، وإلا فما معنى مطالبة طوبال رئيس الحكومة بعرض حكومته، على برلمان في عطلة.. بل إن المطالبة في حد ذاتها غير دستورية إذ أن أعضاء البرلمان وفق الفصل 97 من الدستور ورئيس الجمهورية وفق الفصل 99 من يحق لهم استخدام آليات العرض لتجديد الثقة ، ولا يكون ذلك سوى بثلثي الأعضاء، ولا يسمح الدستور بذلك عندما تكون البلاد في حالة طوارئ كما هو الحال الآن، وفقاً للفقيه الدستوري، قيس سعيد ، علاوة على أن رئيس الجمهورية يجد نفسه مستقيلاً إذا صوت البرلمان مرتين لصالح تجديد الثقة في الحكومة وفق الدستور.