لم يكن فجر الخميس الثاني من أغسطس 1990م صباحاً عادياً ليس للكويت، ولكن للعالم، ففي ذلك الصباح أعاد صدام حسين للعالم مبدأ اندثر منذ الحرب العالمية الثانية ألا وهو غزو دولة لدولة أخرى، وكذلك فإن رئيس النظام العراقي في ذلك الوقت قد ضرب أبشع الأمثلة في رد الجميل عندما أمر الجيش العراقي وقوات ما يسمى بالحرس الجمهوري وما يدعى بالجيش الشعبي باجتياح دولة مسالمة ومسلمة وجارة وقفت مع العراق 8 سنوات طوال حربه مع إيران.
لم يشهد التاريخ الحديث بشاعة وهمجية كأيام الغزو، فلم يكن الجيش العراقي مجرد احتلال، ولكن كان عبارة عن عصابات منظمة تستحل كل شيء، لم ينجُ طفل ولا شاب ولا عجوز على أرض الكويت في ذلك الوقت إلا واكتوى بنار أولئك المجرمين القتلة.
ومن الممارسات البشعة سرقة حضانات الأطفال التي نهبت مِن المستشفيات، بالإضافة إلى نهب كل شيء في الكويت ونقله إلى بغداد، وكذلك شهدت الكويت في ذلك الوقت أكبر سجن في العالم، فكان أي كويتي يُلقى عليه القبض لم يقتل فقط، ولكن كان يعذب ويُقتل أمام أهله بل ويمنع أهله من الاقتراب من جثمانه حتى بعد القتل.
وكذلك أسر الجيش العراقي مئات من العسكريين، ولولا تدخل الصليب الأحمر الدولي لما عادوا إلى الكويت مرة أخرى، ولأصبح مصيرهم مصير الأسرى والمفقودين الـ605 المدنيين الذين اعتقلتهم القوات الغازية الذين عُثر على جثامينهم رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء وأجزل الثواب للكويت ولذويهم.
وقام الجيش العراقي بجريمة لم يرتكبها أحد من قبل ألا وهي جريمة حرق الآبار النفطية، فبعد أن أيقن العراقيون أنهم مهزومون وسوف يطردون من الكويت أقدموا على حرق 737 بئراً نفطية حولت نهار الكويت إلى ظلام دامس يشبه قلوبهم وقلوب قيادتهم.
مع كل ذلك، فلم يدرك العراقيون الرد من الشعب الكويتي الذي افتدى الكويت بروحه وماله وكل ما يملك، فبمجرد العلم بالغزو العراقي للكويت كان الهدف الأول للشعب الكويتي الاطمئنان على القيادة المتمثّلة بحضرة صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله، وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله.
وعند العلم بسلامتهم بحمد الله أنشئت اللجان الشعبية لمقاومة المحتل العراقي، وقامت أول مظاهرة بوجه المحتل في أول يوم للغزو، وأرعبت المقاومة الكويتية العدو العراقي رعباً شديداً، وأنشئت لجان التكافل التي قامت بالمقاومة المدنية وبتيسير الحياة اليومية للمواطنين الكويتيين والمقيمين على أرض الكويت، وقامت بإدارة الجمعيات التعاونية والمخابز، وقام عدد من المواطنين بالعمل في مصانع الغاز والبترول لتيسير الحياة اليومية للصامدين في الكويت.
وقام الهلال الأحمر بإدارة العمل الصحي في الكويت وإنقاذ الجرحى الكويتيين، ولم يسلم كل من قام بهذه الجهود من الاعتقال بل والقتل.
وكان الكويتيون في ذلك الوقت صفاً واحداً، لم يفرق بينهم لا عرق ولا طائفة ولا لون، وأصبحت الهوية كويتياً فقط.
وأما الكويتيون الذين نزحوا من الكويت لظروفهم أو الذين كانوا خارج الكويت لقضاء الإجازة السنوية، فقد أبلوا بلاء حسناً، فقد استطاعوا أن يوصلوا القضية الكويتية إلى العالم أجمع من خلال المظاهرات التي أقيمت في جميع أنحاء العالم لنصرة القضية الكويتية، وما زالنا نذكر المسيرة الصامتة التي أقيمت في العاصمة البريطانية لندن التي اكتسبت وقتها شهرة عالمية، بالإضافة إلى الشهادة التي قدمها من استطاع الخروج من الكويت في الأمم المتحدة.
وانتصرت السياسة الكويتية وبدعم من الأشقاء والأصدقاء وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى الذي قال كلمته المشهورة: “إما أن تعود الكويت أو تروح السعودية مع الكويت”.
ورغم هذه الآلام، فقد استلم أمير الإنسانية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الراية لإعادة إعمار العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وبعد انتهاء ما يسمى بتنظيم “داعش” الإرهابي في العراق، فقد دعا حفظه الله في يناير الماضي إلى مؤتمر لإعادة إعمار العراق، بل وحتى في الأيام التي شهد فيها العراق مشكلات يومية فقد مدت الكويت بتوجيهات من أمير الإنسانية يد المساعدة، وأرسلت للعراق المولدات الكهربائية والمساعدات العينية والمياه، ودعت الكويت الشعب العراقي إلى التكاتف من أجل بلدهم.
إن دولة الكويت ورغم الألم الشديد الذي عانته من العراق فإنها تسامت فوق جراحها، ولم تأخذ الشعب العراقي بجريرة نظامه المجرم الذي أقدم على غزو الكويت، ولكن التاريخ يبقى، فالغزو هو غزو من العراق، ولا يمكن أن نغير المسميات.
إن الغزو العراقي انتهى للأبد، ولكن لن ننسى من قدم روحه أو أُسِر، ويجب علينا أن نتعلم من نتائج الغزو، وأن نعزز الجبهة الداخلية، وأن نبتعد عن كل ما يفرقنا، فنحن الكويتيين نتناسى ولكن لا ننسى، من وقف معنا ومن وقف ضدنا، ونتعامل مع الناس بالأخلاق الإسلامية التي تعلمناها من ديننا الحنيف وما تربينا عليه.
ولن ننسى..