اختتمت فعاليات الندوة الدولیة السادسة لمجلة “أوقاف” تحت عنوان “الوقف والأنظمة الأوروبیة المشابھة – نحو شراكة حضاریة إنسانیة|، بالتعاون بین الأمانة العامة للأوقاف الكویتیة ورابطة مسلمي الألزاس والبنك الإسلامي للتنمیة في مدینة ستراسبورغ الفرنسیة.
وهدفت الندوة التي أقيمت من 15-16 سبتمبر الجاري، استعراض التجارب والخبرات الوقفیة الإسلامیة في مختلف المجالات المرتبطة بالوقف ومدى إمكانیة الاستفادة من التجربة الخیریة للأنظمة الأوروبیة الشبیھة بالوقف، بحسب “وكالة الأنباء الكويتية” (كونا).
وقال سفیر دولة الكویت في باریس سامي السلیمان: إن شجرة الوقف في دولة الكویت وارفة وممتدة وتغطي أتباع جمیع المذاھب الإسلامیة وتستمد تشریعاتھا من أحكام الشریعة الإسلامیة واجتھادات علماء الأمة.
وأشار السليمان إلى وفرة الأوقاف وكثرتھا حیث یحرص جمیع أفراد المجتمع وحتى البسطاء منھم على وقف جزء من أموالھم حتى بات الأمر عادة من عادات المجتمع الكویتي وقیمة من قیمھ.
وأكد أن حرص القائمین على إدارة الأوقاف الكویتیة في الاستعانة بالخبرات والمعارف والعلوم في المجال الوقفي فضلاً عن استقطاب العلماء والمتخصصین في ھذا المجال أوجد قاعدة مرجعیة راسخة ووافرة معترف وموثوق بھا ویمكن الاستعانة بھا في مزید من التحصیل والتخصص العلمي في مجال الوقف.
وقال: إن موضوع الندوة یأتي في سیاق المساعي الحثیثة والجھود المستمرة على كافة الصعد الثنائیة والإقلیمیة والدولیة وفي كافة المجالات الإنسانیة لتحقیق مقصد مرغوب وھدف مطلوب ألا وھو التقارب الحضاري بین الثقافات والدیانات المختلفة.
وأكد السلیمان ضرورة الانفتاح والتبادل الفكري والتبادل المعلوماتي والتقبل والاحترام المشترك وصولاً إلى تحقیق الغایة السامیة.
وھي التعارف الواعي والتعایش السلمي والتعاون المنتج بین الشعوب رغم تنوع الأعراق والمعارف والمواطن وذلك لمصلحة البشریة.
وأضاف أن الندوة تتزامن مع الذكرى الرابعة لمنح الأمم المتحدة لحضرة صاحب السمو أمیر البلاد الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظھ الله ورعاه لقب “قائد للعمل الإنساني” وتسمیة الكویت “مركزاً إنسانیاً عالمیاً”، وذلك تقدیراً من المجموعة الدولیة لجھود سموه الإنسانیة الرائدة في تخفیف معاناة الفقراء ومنكوبي الحروب والكوارث في مختلف أنحاء العالم.
وأكد أن ھذا التكریم یعبر أیضاً عن التقدیر الدولي للعمل الخیري في دولة الكویت الذي شھد في عھد سموه رعاه الله ارتفاعاً في ھرمھ المؤسسي وتشعبا في تنظیمھ الإداري ورسوخاً في علومھ ومعارفھ ووفرة في خبراتھ وتجاربھ وانتشاراً واسعاً في أصقاع الأرض، انطلاقاً من الإیمان بنبل الرسالة الإنسانیة ودور العمل الخیري في إنقاذ الأرواح وانتشال الفقراء من مستنقع الجھل والمرض والفقر.
وذكر السلیمان أن تركیز الندوة على بحث واستكشاف النظم المشابھة للوقف سیساعد على حمایة وازدھار الأوقاف وتمكینھا من أداء الأغراض التي من أجلھا وجدت كما سیساعدھا في خدمة جمیع شرائح المجتمع وسیبعدھا عن دوائر الشبھة والتشكیك وسیفتح المجال أیضاً للاطلاع على التجارب والنماذج المماثلة بغیة الاستفادة والإفادة.
واأقى السلیمان الضوء على النظام المؤسسي للوقف في دولة الكویت الذي یتفرد عن غیره في المنطقة بما یتمیز بھ من عدة أوجھ.
وأشار إلى وجوده المبكر الذي یعود إلى بدایة تأسیس الكویت في أوائل القرن ال16 حیث عمد تجار الكویت ومیسورو الحال إلى وقف جزء من أموالھم أو میراثھم لخدمة مجتمعھم بدءاً من دور العبادة ومروراً بتوفیر المیاه التي كانت تعاني البلاد من شحھا آنذاك وتوفیر الطعام والمساعدات للمحتاجین وشمل أیضاً دعم التعلیم وفي وقت لاحق تقدیم الرعایة الصحیة.
وأشار إلى استیعاب ومواكبة التطور الإداري والتنظیمي في إدارة الوقف وتشغیلھ، فضلاً عن مرونة الأجھزة الوقفیة الكافیة لاحتواء العصرنة والحداثة واستخدام التكنولوجیا في الأداء والتنفیذ بالإضافة إلى تمسكھا بكافة صور الضبط المالي من حوكمة وشفافیة ورقابة دقیقة.
وشدد على أھمیة التمیز والإبداع والتجدید في بلورة الأفكار ورسم الخطط وتنفیذ المشاریع في تقدیم الخدمات الوقفیة وتلبیة احتیاجات المجتمع، مؤكداً الحرص على موافقة ومطابقة رغبات الواقفین ما أمكن في تسییر أوقافھم نحو المسالك المطلوبة والوجھات المرغوبة.
وقال: إن مزیداً من التعریف بالوقف في المجتمعات غیر الإسلامیة سوف یؤدي إلى مزید من تقبل الطرف الآخر لھ وبالتالي تمكینھ من تنفیذ أھدافھ ومن ثم توسعھ.
وأضاف أن إلقاء الضوء على النماذج المشابھة سوف یساھم في بلورة التعاون المشترك في خدمة البشریة.
وأورد تجربة مماثلة كان للتعریف بھا وتبادل المعلومات بشأنھا سبباً في رواجھا ونجاحھا وھي الصنادیق الاستثماریة العاملة وفق الشریعة الإسلامیة التي انتشرت في الدول غیر الإسلامیة في فترة وجیزة لا تزید على 15 عاماً، وذلك بعد أن نجحت في تقدیم الاستثمار الأمثل والربح المضمون وبالتالي أقبل علیھا الجمیع.
وأرست ھذه الصنادیق العاملة وفق الشریعة الإسلامیة التي تجاوز نطاقھا الحدود المحلیة والإقلیمیة إلى العالمیة نماذج جدیدة من الصنادیق الاستثماریة في الأسواق العالمیة وھي “الصنادیق الأخلاقیة”.
وأكد أن الجھود التي قام بھا رجال الأعمال والمصرفیون العرب والمسلمون ساھمت في تسویق ھذه الصنادیق إلى انتشارھا وقبول الأطراف الأخرى بھا.
من جھتھ، أشار ممثل الأمانة العامة للأوقاف نائب الأمین العام للإدارة والخدمات المساندة ورئیس اللجنة التحضیریة للندوة صقر السجاري إلى دور الكویت في مجال الوقف ودور الأمانة العامة للأوقاف منذ انطلاق أول ندوة في جاكرتا عام 1997.
وبین السجاري في كلمتھ أن الوقف كنظام تنموي حضاري خیري استفادت منھ كل البشریة باعتباره نظاماً خیریاً تنمویاً وصل إلى الحضارات الإنسانیة الأخرى التي طورتھ بدورھا أنظمة شبیھة خیریة متعددة تحمل مسمیات مختلفة لكنھا تسعى إلى تحقیق أھداف مماثلة لنظام الوقف الإسلامي.
وقال: إن الندوة الدولیة السادسة لمجلة “أوقاف” تعتبر من مشاریع الدولة المنسقة لجھود الدول الإسلامیة في مجال الوقف التي تشرفت الأمانة العامة للأوقاف للقیام بھا عبر تكلیف الكویت في المؤتمر السادس لوزراء أوقاف الدول الإسلامیة الذي انعقد بالعاصمة الإندونیسیة جاكرتا في أكتوبر 1997.
وأشار السجاري إلى مجلة “أوقاف” التي تعد أحد أھم مشروعات الدولة المنسقة باعتبارھا مجلة علمیة محكمة نصف سنویة تعنى بشؤون الوقف والعمل الخیري منذ صدور عددھا الأول في سنة 2001.
وذكر أن المجلة تواصل صدورھا منذ 18 عاماً بثلاث لغات ھي العربیة والإنجلیزیة والفرنسیة حتى وصلت إلى العدد 34 مبیناً أن المجلة تضم قائمة من المشتركین تتجاوز 1200 مشترك ینتمون لمختلف دول العالم.
من جانبھ، وصف ممثل المعھد الإسلامي للبحوث والتدریب أحمد بن یحیى في كلمتھ المجلة بالنبع الصافي الذي ینھل منھ الجمیع لما تعطیھ من خبرة في ھذا المجال من تجارب وخبرات.
وأضاف أن شجرة الوقف معروفة منذ عھد النبوة وعصر الرسالة الأول مع الصحابة الكرام ونمت ھذه الشجرة مع تطور العصور.
واستخرجت منھا الأحكام التي تواكب التطور لتشمل كافة الاحتیاجات إلى أن وصل الوقف إلى تمویل الأفراد والمجتمع عامة ونفع الإنسان والمخلوقات الأخرى.
وأكد بن یحیى أن أوروبا استفادت من نظام الوقف وأدخلتھ في كافة صور الحیاة، موضحاً أن المجلة خدمت الجمیع وساعدت في تطویر أبحاث الوقف على كافة الصعد، وھذه الندوة أضفت على ذلك ودعمتھ وأن المعھد الإسلامي للبحوث والتدریب سعى إلى تحقیق دفع عجلة الشراكات ودفع عجلة التقدم في الوقف نحو المستقبل.
من جانبھ، أكد ممثل رابطة مسلمي الألزاس ناصر القاضي في كلمتھ دور الإسلام في صقل الوقف وتنزیلھ على أرض الواقع لتستفید منھ دول كثیرة.
وقال: إن الوقف اتسع حتى شمل في خیره كائنات أخرى غیر الإنسان، فھناك جمعیات للطیور المھاجرة والقطط الضالة وغیرھا.
مشیراً إلى أن التراث الفكري الإسلامي غني ودورنا الآن بیان المقاصد ومنھا الشراكة والتواصل الحضاري.
وبین القاضي أن فكر كل الجمعیات والمؤسسات الإسلامیة في أوروبا قد تغیر في الفترة الراھنة وذلك من خلال تخطیطھا لإحداث وقف في مشاریعھا الجدیدة.
ودعا الكویت للمساعد في إدارة الوقف في بلاد الغرب من خلال المشاركة والاستفادة من القوانین.
وشملت فعالیات الحفل عرض فیلم تسجیلي حول دور الكویت في العمل الإنساني من خلال المؤسسات الحكومیة الرسمیة والأھلیة، ودورھما في التخفیف من معاناة الشعوب حیث كان على رأس ھذه المؤسسات حضرة صاحب السمو أمیر البلاد الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان لھ بصمة خاصة وإنجازات عظیمة بشھادة الأمم المتحدة.
ونوه الفیلم بما تقدمھ الأمانة العامة للأوقاف منذ انطلاقھا من خلال تفعیل دور الوقف في العمل الخیري حیث قدمت مشاریع أكبر من أن تعد وتحصى سواء في أمریكاً الجنوبیة وآسیا وأفریقیا وكافة ارجاء العالم.
وحضر حفل الافتتاح عدد كبیر من المشاركین والمتخصصین من عدة دول عربیة وإسلامیة وأوروبیة.