اشتملت كلمة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، التي ألقاها سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء، أمام الدورة (73) للجمعية العامة للأمم المتحدة على العديد من الملفات الدولية الحساسة، التي بعثت رسائل واضحة المعالم تجاه ما يحدث في العالم من اضطرابات سياسية وإنسانية، تحتاج إلى تدخل فاعل وحقيقي من الأمم المتحدة.
وتتميز كلمات سمو الأمير عادة بالشمولية، فقد بلغ عدد المواضيع التي حوتها الكلمة 12 موضوعاً، وهي: هيكلة الأمانة العامة للأمم المتحدة، وطلب عضوية عربية دائمة في مجلس الأمن، وإصلاح مجلس الأمن، والقضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والأزمة اليمنية، وملف “الإرهاب”، وإعمار العراق، وإيران، وأقلية الروهنجيا المسلمة في ميانمار، وأهداف التنمية المستدامة 2030م، والمساعدات التنموية، وهذا يؤكد مدى حرص سموه على الاهتمام بالقضايا العالمية، وبالأخص القضايا الإنسانية، التي استحق أن يكون “قائداً إنسانياً عالمياً”.
كان الدخول في الكلمة ذكياً، حيث تطرقت إلى أساس إنشاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو تجنب الحروب والعواقب الكارثية على الإنسانية. ولتغير الأوضاع السياسية في العالم؛ كانت المطالبة بتعزيز فعاليتها من خلال إعادة هيكلة الأمانة العامة.
وطالبت الكلمة تمثيلاً عربياً دائماً في مجلس الأمن، يتناسب مع عدد الدول العربية، وحجم مساهماتها في دعم أنشطة الأمم المتحدة، مع ضرورة إصلاح مجلس الأمن من أجل تعزيز مصداقيته.
وجاءت تلك المطالبات بعد ممارسة عملية ناجحة لدولة الكويت منذ شغلها رئاسة مجلس الأمن (رغم أنها عضو غير دائم)، والتعامل بموضوعية وحيادية مع مختلف القضايا، لإعلاء سيادة القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان.
وهذا يؤكد اهتمام دولة الكويت بالإنسان كإنسان، فاستحقت لقب “مركز إنساني عالمي”.
وليس من الغريب أن تتصدر القضية الفلسطينية أول الملفات الدولية في الكلمة، فالكويت كانت وما زالت من أكثر الدول اهتماماً بالقضية الفلسطينية بمصداقية وشفافية وحب صادق.. ويصادف هذا العام 2018م الذكرى السبعين لصدور أول قرار أممي بشأن الاحتلال الصهيوني (رقم 56 عام 1948م)، وتلاه عشرات القرارات الأممية التي لم تطبق، وآخرها القرار (2334) الذي طالب بالكف عن التوسع الاستيطاني دون جدوى، لتستمر “إسرائيل” في تجاهل قرارات الشرعية الدولية.
وأشار سموه إلى تواصل “إسرائيل” هجماتها المدنسة لقدسية الحرم القدسي الشريف، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، مع اعتقال آلاف الأطفال والشباب دون جريمة، وعشرات الاعتداءات العسكرية على قطاع غزة ومحاصرته، واستخدام الأسلحة المحرمة التي راح ضحيتها مئات الأبرياء من الأطفال والنساء، مخالفة معاهدة جنيف عام 1949م لحماية المدنيين وقت الحرب.
تلى ذلك طرح ملف “الأزمة السورية” في عامها الثامن، مع أكثر من نصف مليون شهيد، وأكثر من مليوني جريح (بعضهم إعاقة دائمة)، وأكثر من 12 مليون لاجئ ونازح، واستمرار اعتداء النظام السوري على شعبه الأعزل، والقصف الروسي المتوالي على الأبرياء، والتدخل الإيراني المستباح، والدعوة لتنفيذ القرار (2401) الذي تم اعتماده بالإجماع، وتطبيق القرار (2254) بشكل سلمي.
وكان ملف “الأزمة اليمنية” حاضراً في عامها الرابع، واستمرار تهديد جماعة الحوثي لأمن المنطقة، وإطلاق الصواريخ على السعودية، والتأثير على الملاحة البحرية وباب المندب، وتدهور الأوضاع الإنسانية بسبب الانقلاب على الشرعية الأولى والثانية، والمطالبة بالحل السياسي استناداً للمرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، والحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن والقرار (2216).
ثم جاء ملف “الإرهاب” في العالم أجمع، وبالأخص تنظيم “داعش”، وضرورة تكوين تحالف دولي لمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله.
وأشارت الكلمة لاستضافة الكويت لمؤتمر “إعمار العراق”، وتقديم كل الدعم لهم، وهذه لفتة إنسانية رائعة، رغم مأساة الاحتلال العراقي السابق للكويت.
وطالبت الكلمة من إيران ترسيخ حسن الجوار والاحترام المتبادل، فتدخلها الإداري والعسكري الممتد في العراق ثم في سورية، واختراق الدولتين لبنان واليمن سياسياً وعسكرياً، إضافة لخلايا التجسس وترسانة الأسلحة وإثارة الفتن في دول الخليج العربي، لها آثارها السلبية في استقرار المنطقة برمتها.
وتبقى أزمة “الروهنجيا” المسلمين في ميانمار، وضرورة محاسبة المسؤولين فيها عن الجرائم التي ارتكبت في حقهم، وتقديم المساعدة العاجلة للاجئين منهم في بنجلاديش.
وأكدت الكويت التزامها بتحقيق “أهداف التنمية المستدامة 2030م” تحت مظلة الأمم المتحدة، والمساهمة في القضاء على الفقر، والمساواة في التعليم والصحة، والتصدي لآثار تغير المناخ، واستيعاب المهاجرين واللاجئين، مع أهمية اعتماد “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنتظمة”.
وقدمت الكويت في ذلك رؤية مستقبلية “كويت جديدة 2035م”، والسعي لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وثقافي.
وتصدرت الكويت الدول المبادرة لتقديم “المساعدات التنموية” للدول النامية والدول الأقل نمواً، وحتى الدول المستقرة، متجاوزة 110 دول حتى اليوم.
وتعد هذه الكلمة المستفيضة رسالة عالمية لاهتمام الكويت بالإنسان والأمن والأمان، مناشدة الجميع الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة، حتى يعيش الكل بسلام، مادة يد العون والمساعدة للجميع، فكانت معاني إنسانية رائعة، وفكراً سياسياً قديراً، وعمقاً دبلوماسياً، وفهماً إستراتيجياً لأحداث المنطقة.
ونسأل الله عز وجل أن يحفظ كويتنا الحبيبة وجميع بلاد المسلمين من كل شر.