انتظرت كعادتها حتى ساعات المساء من يوم الجمعة التي عرفت باسم جمعة “انتفاضة الأقصى” عودة شقيقها الصغير إلى المكان المتفق عليه، لكن غيابه قد طال، وبدأ القلق يطاردها.
لم تكن المسعفة دعاء مصبح شقيقة الشهيد الطفل ناصر أبو مصبح (12 عاما)، تدرك أن غياب شقيقها الذي يشاركها في عملية إسعاف المصابين والجرحى داخل مخيم العودة سيطول، وتنتهي حياته بهذه السرعة، وهو الذي كان يحلم بأن يكون طبيباً يساعد أبناء شعبه ويداوي جراحهم.
سألها أحد رجال الأمن عن سبب بقائها داخل المخيم إلى هذا الوقت، فأجابت أنها تنتظر مع شقيقتها إسلام، شقيقهما الصغير الذي لم يعد إلى البيت، حيث تواصلت مع والدتها التي أخبرتها أنه لم يعد بعد.
الشهيد المجهول
وخلال هذه الفترة، كان الطفل ناصر يرقد في ثلاجة الموتى دون التعرف على هويته، وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتناقل صورته حتى يتعرف عليه ذووه، لتتفاجأ دعاء وشقيقتها إسلام بأن الطفل المجهول هو شقيقهما ناصر.
واستشهد الطفل مصبح ابن بلدة عبسان الكبيرة متأثرًا بجراحه التي أصيب بها في مسيرات العودة شرق خانيونس جنوب القطاع.
مساعد الإسعاف
حالة من الصدمة انتابت المسعفات، وقد كان ناصر قبلها بساعات يتنقل بين الخيمة الطبية والميدان، ينقل لهم الأدوات والمعدات التي كانت تنقصهم في الميدان من محاليل وشاش وأدوية.
وتقول دعاء: “كان ناصر يحاول دائماً مساعدتنا داخل المخيم، وينزل معنا وفي يده محلول ملحي يقدمه للمصابين بحالات الاختناق بالغاز”، مستهجنة استهداف الاحتلال الإسرائيلي له رغم صغر سنه، وعدم ممارسته أي شكل من أشكال العنف.
الخطيب حافظ القرآن
وما أن وصل الخبر إلى والدته حتى استقبلت خبر استشهاده بالصبر والاسترجاع، قائلة: “اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها”.
وتلفت الوالدة أن ناصر قد حفظ كتاب الله عن ظهر قلب العام الماضي، وكانت الفرحة لا تتسع داخل البيت، فهو الخطيب المفوه الذي يلقي الخطب والمواعظ في المسجد والمدرسة.
وتضيف: “كان شديد الحرص على المشاركة في مسيرات العودة شرق محافظة خانيونس منذ انطلاقها في الثلاثين من مارس الماضي، مطالبا بأرض الآباء والأجداد التي سلبها الاحتلال”.
لماذا قتلوه؟
وتتساءل الوالدة عن الذنب الذي ارتكبه نجلها حتى يغتال بهذه الطريقة، ويطلق الرصاص الغادر على رأسه الصغير، رافعةً الشكوى لله عز وجل بأن يحاسب الاحتلال، لأنه لا ناصر ولا معين لهذا الشعب سوى الله، وجميع العالم يقف متفرجاً على هذا الشعب، حسب قولها.
وتقول: “كان ناصر يتمنى أن يكون طبيباً، وهو المتفوق في دراسته، حيث كان من ضمن فريق الصحة المدرسية بمدرسته، ويشارك في دورات الإسعاف مع شقيقاته، ويحب إنقاذ الناس ومساعدتهم”.
لن ننساه
أما صديقه محمد الذي يجلس بجواره في الفصل الدراسي، ويرافقه دائماً إلى المدرسة عبر دراجته الهوائية، فلا يزال غير مصدق لما حصل مع زميله ورفيقه ناصر، قائلاً والدموع لا تكاد تتوقف من شدة الحزن: “مع مين بدى أروح (أذهب) إلى المدرسة، ومع مين بدي ألعب، راح ناصر”.
ويضيف بحرقة: “والله لأضع له في كل المدرسة صورا حتى تبقى ذكراه حاضرة وما ننساه، راح نضع له في كل مكان صورا، وما راح نخليه يغيب عنا ولا لحظة”.
“المصدر: “المركز الفلسطيني للإعلام