من جديد، هجم القلق والخوف يراود المقدسيين، بعد عودة قضية تسريب العقارات المقدسية للواجهة، وذلك باستيلاء جمعية “العاد الاستيطانية” يوم الأربعاء الماضي، على عقار من شقتين وقطعة أرض في حي وادي حلوة ببلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، بحسب “المركز الفلسطيني للإعلام”.
وكان عشرات المستوطنين بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، اقتحموا عقاراً تمتلكه عائلة فتيحة الذين يقطنون في الولايات المتحدة الأمريكية، وأجبروا الموجودين فيه وهم من عائلة مسودة ومستأجرة من المالك الأصلي منذ 30 عاماً على إخلاء السكن، بحسب بيان لمركز معلومات وادي حلوة في بلدة سلوان.
وبين المركز أن العقار منزلان مساحتهما حوالي 160 متراً مربعاً، إضافة إلى أرض تبلغ مساحتها 800 متر مربع، ومزروعة بأشجار الزيتون والتين.
وخلال أقل من 24 ساعة عاد المستوطنون يوم الخميس الماضي 4/ 10/ 2018، للاستيلاء على ثلاثة عقارات مساحتها 660 متراً مربعاً وقطعة أرض مساحتها دونم في سلوان، ووادي حلوة، والبلدة القديمة في منطقة عقبة درويش، حيث بيت جودة الحسيني المطل على الأقصى مباشرة، والواقع في منطقة حساسة في قلب البلدة القديمة.
ولهول قضية تسريب العقارات، سارع رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري للتذكير بفتوى تحريم التسريب حيث قال: “نؤكد علی الفتوی التي أصدرها علماء فلسطين عام 1935م بأن مسرب العقار لليهود هو خارج عن ملة الإسلام، لا يغسل ولا يكفّن، ولا يُصلی عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين”.
ومن خلال المتابعة فان أغلب الذين كانوا يسربون عقاراتهم وأراضيهم كانوا يختلقون الحجج والذرائع أنهم باعوا تلك العقارات أو سربوها لأشخاص فلسطينيين أو عرب، ولا يعرفون أن البيع سيتم لجمعيات استيطانية وتلمودية وتوراتية.
ملاصقة للمسجد الأقصى
الكاتب والمتابع لقضايا الاستيطان في القدس المحتلة راسم عبيدات قال: إن تسريب العقارات يتجدد بين مدّة وأخرى، حيث كانت كارثة التسريب الكبرى للعقارات التي حدثت في سلوان في تشرين الآخِر 2015 وعددها 27 عقاراً، وقد هزت البلدة والقدس والفلسطينيين جميعا.
وعن سبب استهداف بلدة سلوان بالتسريب أكثر من أحياء أخرى في القدس المحتلة يضيف: “سلوان مستهدفة بشكل كبير من الاحتلال والجمعيات الاستيطانية والتلمودية، وذلك يعود لموقعها الجغرافي لكونها ملاصقة للبلدة القديمة من الجهة الجنوبية، (…) الأنفاق التي تحفر في واد حلوة والمنازل التي يستولَى عليها، تمكِّن من خلق فضاء يهودي، يوصل البؤر الاستيطانية الموجودة في سلوان بالأخرى داخل البلدة القديمة، وكذلك الأنفاق تمكن من الوصول للقصور الأموية وحائط البراق والأقصى، فضلًا عن موقع سلوان في الفكر التلمودي التوراتي؛ أنها مدينة داود عليه السلام”.
ويشير عبيدات إلى أن الطامة الكبرى تتمثل في أن عمليات الاستيلاء على العقارات المقدسية وتسريبها وبيعها، كانت تجرى تحت سمع وبصر السلطة الفلسطينية وأجهزتها، بل في العديد من عمليات البيع والتسريب تجد أن من قاموا بتلك الأفعال كانت لهم حواضن يسهلون لهم الحصول على أوراق ملكية تلك العقارات والأراضي.
وعن علم السلطة بسماسرة التسريب يقول عبيدات: “للأسف السلطة وأجهزها والمنظمة والقوى الوطنية، تتوفر لديها معلومات، عن السماسرة ومن يتاجرون بالوطن، ولكن لم تجر أي محاسبة وردود جدية على تلك الجرائم”، بحسب قوله.
أساليب ماكرة في التسريب
وعن تركيز المستوطنين على بلدة سلوان، يتفق الخبير في الاستيطان والخرائط، خليل التفكجي، مع راسم عبيدات ويشير إلى أن الاحتلال يسعى في سباق مع الزمن إلى الاستيلاء على البيوت، أو حتى إلى شرائها في البلدة القديمة وسلوان بالتحديد.
يقول التفكجي: إن “إسرائيل” تريد ألا تدفع ثمناً مقابل البلدة القديمة أو سلوان فيما بعد، وتكون قد حسمت هاتين المنطقتين بالسيطرة عليهما وفرض الأمر الواقع؛ لكونهما جزءاً مما يسمى بالحوض المقدس ومدينة داود.
وعن القوانين التي يتستر بها الاحتلال لمصادرة العقارات يقول التفكجي: إن “أحد تلك القوانين هو قانون حارس أملاك الغائبين الذي يعود تاريخه إلى عام 1950 حين أقرّه الكنيست، وبموجبه استولى الاحتلال على الأراضي والممتلكات التي تعود للفلسطينيين الذين هُجّروا منها ونزحوا إلى مناطق فلسطينية ودول عربية مجاورة، نتيجة احتلال المنظمات الصهيونية جزءاً من فلسطين عام 1948، أو بحجة أن العقارات تعود ملكيتها ليهود تملكوها قبل حرب عام 1948، أو عن طريق البيع والشراء، بمعنى شراء الحقوق في العقار، بما فيها حق الملكية أو التصرف للمستأجر المحمي، الذي يقطن في العقار قبل عام 1967، وهي الطريقة التي تزايد استخدامها مؤخرا من المستوطنين”.
وتداعت العديد من العائلات والعشائر المقدسية وممثلي المؤسسات والشخصيات الوطنية والدينية، وفي المقدمة منهم الشهيد مصباح أبو صبيح، لعقد لقاء موسع في مقر الجالية الأفريقية بالبلدة القديمة من القدس في 31/ 5/ 2016، حيث صدر عنها وثيقة سميت بوثيقة “عهد القدس وميثاقها” لمنع تسريب الأراضي، حيث عدّت كل من يسرب أرضا لليهود “خارجا عن الصف الوطني”، و”خائنا لله ولرسوله”، ولا مكان له في صفوف الشعب الفلسطيني، وتعلن العائلات المقدسية براءتها منه، ولا حق له على مقدسي، ولا يدفن في مقابرنا، ولا يصلَّى عليه في مساجدنا، ولا عزاء فيه”.
كذلك عدّت الوثيقة أن البقاء في القدس واجب مقدس، ومن يفرط في أي جزء منها فقد فرط في عقيدته، وتعهد القائمون على الوثيقة بالتصدي لمحاولات الاحتلال الممنهجة لتفريغ البلدة القديمة من أهلها والضغط على الأهالي لتسريب بيوتهم.
عدة أساليب للتسريب
بدوره يشير الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي إلى أن الاحتلال يستخدم أحيانا جمعيات وشركات وهمية لتسريب العقارات، وهو ما يحدث في بقية مناطق الضفة الغربية، كما أن جمعيتي” إلعاد” و”عطيرت كوهنيم” الاستيطانيتين تعدّان الأكثر نشاطا في مهمة شراء البيوت الفلسطينية، وهناك أسماء وشركات مسجلة خارج البلاد أو جمعيات مسجلة في الخارج أو داخل “إسرائيل” كاسم للشراء، أحيانا تكون بأسماء الجمعيتين وأخرى باسم شركات تملكانها وتقوم بعمليات الشراء.
وعن أساليب التسريب؛ يذكر معالي أن الجمعيات الاستيطانية تستغل تلف أو عدم صلاحية بعض البيوت القديمة للسكن، ومن ثم تعرض شراءها بثمن مغرٍ، وعن طريق أشخاص أو سماسرة وأحيانا من أعضاء الجمعية نفسها، وأحيانا يقوم بعض مريضي النفوس بشراء عقارات ومن ثم بيعها للمستوطنين، كما أن الاحتلال والمستوطنين يستغلون أي ثغرة قانونية أو حالات اجتماعية واقتصادية لشراء العقارات بأساليب ماكرة وخادعة.
ولفت معالي إلى أن السماسرة ومسربي الأراضي غالبيتهم من حملة الهوية “الإسرائيلية” وذلك ليتجنبوا عقوبة القانون الذي أصدره عباس، أواخر شهر أكتوبر 2014، حيث اتخذ قراراً بتشديد العقوبة على كل من يسرّب أو يؤجّر أو يبيع الأراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها، بحيث وصلت العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أن هناك ثغرة في القانون أنه لا يشمل مواطني القدس الذين يحملون إجباريا الهوية “الإسرائيلية”، أو فلسطينيي الـ 48 فهم أيضا يحملون إجباريا الهوية الزرقاء.