* الرياضة لها مكانة في قلوب الشباب، فأرجو أن تلقي الضوء على أهميتها.
– بداية، أنا سعيد جداً بهذا اللقاء، فمجلة «المجتمع» هي تاريخ، وعلم من الأعلام الثقافية والعلمية، وأنا تأثرت بالمجلة منذ الصغر، ولي معها ذكريات في سنوات الصبا والشباب.
بالنسبة للرياضة، فأنا رياضي الأصل؛ حيث مارست لعبة المبارزة بالسيف 13 سنة تقريباً، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي والأولمبي، ومثلت الكويت في 8 بطولات عالمية، وبطولة واحدة آسيوية، وبطولتين أولمبيتين، فأنا كابتن منتخب الكويت في 7 سنوت من بين الـ13 سنة التي مارست فيها هذه اللعبة؛ وقد مارستها في سن 13 إلى أن اعتزلت وأنا في سن 25، فمارست الرياضة لاعباً وحكماً، وعشتها مدرباً.
كما أن دراستي كلها تتعلق بالتربية البدنية والرياضة؛ حيث حصلت على دبلوم تربية بدنية ورياضة، وبكالوريوس علوم فلسفة التدريب، وماجستير ودكتوراه في علم نفس المجال الرياضي.
فخلفيتي ليست خلفية ثقافية فحسب، بل خلفية حياتية معيشية عملية علمية تطبيقية حقيقية.
ولهذا، أنا مقتنع تماماً أن الرياضة هي وسيلة تربية الجيل، بل أكثر من هذا، فهناك فلسفات كثير من الحضارات السابقة كانت مبنية على الأجسام، وما كانوا يسمونها رياضة، فالإغريق -على سبيل المثال- كانوا يهتمون بكمال الأجسام وجمالها، وهو أساس عنصر الإثارة عندهم، ولهذا تجد صورهم وتماثيلهم كلها مبنية على الشخص الفتي المفتول العضلات.
وفي الحضارة الفرعونية، كانوا يأخذون الأطفال الرضع على الجبال، والطفل الذي يستطيع التحمل والحياة؛ يعني أن لديه القوة الجسدية والبدنية لمواجهة الحياة، فحضارتهم كانت مبنية على كمال الأجسام.
وفي الحضارة الأوروبية، كانوا يقومون بمصارعة النمور والأسود، حيث كانت من أساسيات ثقافتهم.
الشاهد في الأمر أن حضارات كثيرة تبني فلسفتها مع الشباب على القوة والفتوة، وكمال العضلات والأجسام.
* هل من الممكن أن تكون الرياضة باباً للقيم؟
– الرياضة بالفعل باب للقيم، فالإنسان بطبيعته بين لفظ وحركة؛ فهو يفكر، ثم يترجم هذا التفكير إما بلفظ وإما بحركة، وكما يقال: إما قول وإما فعل، ولو قمنا بتقسيم الإنسان بين كلام وحركة سنجد أن هناك 50% حركة، لذا فالرياضة بالنسبة لنا نشاط حركي ونشاط رياضي.
إذن، فالقيم عند الإنسان إما قيم فكرية، أو نفسية، أو اجتماعية، فالإنسان لديه أمور فكرية منطقية عقلية كالتأليف والتصميم، وقرض الشعر، والتفسير وغيرها، كلها قيم فكرية، وحين تريد أن تغرسها لدى الشاب مثل التنظيم والتخطيط والجدولة اليومية، كلها قيم فكرية، والعلاقات وقبول الآخر والصحبة وبر الوالدين قيم اجتماعية، ومن القيم النفسية الصبر، والتحمل، والمشاجرات كونها عكس القيم الإيجابية، فهذه كلها يتم غرسها بالرياضة، أو بالنشاط الحركي.
فإذا كنت أرغب في جعل المجموعة تقوم بالتفكير، فما عليّ إلا أن أضع أمامها مشكلة وتقوم بحلها بطرق حركية؛ فعلى سبيل المثال؛ لدينا متاهة ونضع أمامهم ألغازاً حركية، فيتحركون ويحلون المشكلة، فالطفل من طبيعته يحب الحركة عن القعود، وبالحركة يستطيع استيعاب كل ما يُعرض عليه من أفكار وقيم ومبادئ حسنة، فالحركة أسهل طريقة لتعلّم القيمة الفكرية، وكيفية التحاور فيما بينهم، وكيف يحترمون أفكار بعض، وكيف يستمعون لبعض، وكيف يقود أحدهم مجموعته، كل ذلك من خلال اللعبة.
فبالرياضة تستطيع تكوين مجموعة، فيما يسمى العمل الجماعي؛ فالفريق الرياضي عبارة عن كابتن، ومسؤول، ومدير، وخطط، وكل شخص له دور في الخطة، فهناك تقسيم أدوار، وتوزيع أدوار، فالرياضة تعطي لكل شخص قيمته واحترامه، حتى المشجع له دور، والفراش له دور، وأذكر أنني حينما كنت أمارس الرياضة كنت أحترم الفراش كما أحترم مدير الفريق أو رئيس الاتحاد؛ لأن له دوراً؛ ففي الرياضة كل شخص له دور، بذلك تستطيع إحياء القيم الفكرية الخامدة لدى هؤلاء.
لكن للأسف، هناك بعض المعلمين أو المدربين أو حتى في البيت يقومون بعملية التلقين، مثل: قم، اقعد، اكتب، ادرس، وحين ينفذ الأوامر يكون في نظرهم ممتازاً، مع أنه لم يفعل شيئاً، وبعض الأمهات تكتب وتمسح وترسم بيدها، وولدها ينال 100% مع أنه لم يبذل أي جهد يُذكر.
والمعلم يقوم بالتحفيظ والتلقين دون تنشيط العقل؛ فيتخرج الطالب في الجامعة حافظاً وليس فاهماً، وبهذا لا يستطيع ممارسة العمل في المجال الذي درسه وتخرج على أساسه.
* هل تدخل الرياضة في نطاق «الدين المعاملة»؟
– الرياضة كانت أساساً في حياة النبي “صلى الله عليه وسلم”، فكان في زمنه “صلى الله عليه وسلم” الفروسية، فقد ركب الخيل، والإبل، وسابق بهما، وسابق النبي السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث قالت: سابقت النبي “صلى الله عليه وسلم” فسبقته، فلما حملت اللحم سبقني، وقال: «هذه بتلك» (رياضة عائلية).
فالرياضة ليست بدعة، والرسول “صلى الله عليه وسلم” يقول: «كل شيء في غير ذكر الله فهو لهو، إلا في ثلاث خصال: مداعبة الرجل أهله، وتربيته فرسه، والمشي بين الفرضين»، وفي رواية: «والسباحة».
فالرسول “صلى الله عليه وسلم” كذلك شجع على الرماية: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً»، فوقف الفريق الثاني وقالوا: كيف نرمي وأنت معهم يا رسول الله؟ قال: «ارموا فإني معكم جميعاً».
وفي موقف آخر يفتح حضنه لأبناء العباس ويقول: «إليّ إليّ»، حتى يتسابقوا إلى حضنه “صلى الله عليه وسلم”، فقد كان يحفزهم على الجري.
وفي حديث: «لا سبق إلا في ثلاث؛ إلا في خف أو في حافر أو في نصل»؛ أي لا يوجد تحد إلا في هذه الثلاث: ركوب خيل، أو ركوب عير، أو المبارزة، والصحابة كانوا رياضيين، وكانوا يركبون الخيل والإبل، وكانوا يبارزون بالسيف، والرماح والنبال، وقد قال “صلى الله عليه وسلم”: «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»؛ فجيل الصحابة تربى بالرياضة.
والرياضة من أسمى أبواب إتمام الأخلاق، فعلى سبيل المثال؛ أنا لاعب رياضي (مبارزة) فلا يمكن أن أقوم باللعب مع لاعب آخر إلا بعد تقديم التحية له وللحكم وللجمهور، وتختم المسايفة بالمصافحة بين الغالب والمغلوب، وتقدم التحية للحكم والجمهور سواء كان معه أو ضده، وكل من يمتنع عن ذلك يعرض نفسه للحساب، فاللاعب يفعل هذا الأمر سواء عن حب واقتناع، أو رضوخ واتباع للنظم والتعليمات، ومع مرور الوقت يصير هذا الأمر عرفاً اعتيادياً.
فالرياضة هي مجموعة قيم محكومة بمجموعة قوانين، بصرف النظر عن اختلاف الدين، فالملعب يحكمه قانون، ومن يحترم القانون ينال كل حقوقه، ومن لا يحترمه يتعرض للمخالفة، وبالتالي يصبح اللاعب أسيراً للنظام، والنظام خُلق، والخُلق له أصل في الدين، وأنا أدعو أن نجعل الرياضة برنامجاً شبه يومي، بحيث يدخل أولادنا في نظام صحيح وقوانين صحيحة، فبذلك سيتعلمون قيماً فكرية واجتماعية ونفسية، والأخلاق ستكون سمتهم إن شاء الله.
* هل لممارسة الرياضة دور في تغيير سلوك الأفراد المنحرفين؟
– نعم لها دور، لكن لا بد أن يتم ممارستها تحت إشراف مختصين؛ لأن المنحرفين أخلاقياً أو سلوكياً أو فكرياً أو مدمني المخدرات لهم أفكارهم وطريقتهم في التعامل، بحيث تحتاج إلى ضبط، فالرياضة بدون شك تقوم أولاً بتصريف الطاقة، والأفضل بالنسبة للشاب أن تصرف طاقته بما يعود عليه بالمنفعة، من خلال رفع مستوى لياقته البدنية والصحية، وتعود عليه كذلك بالمعرفة، من خلال التعرف على أناس يحترمونه، ويعطونه فرصة المنافسة الشريفة في المجال الرياضي، ويعيش في بيئة قائمة على الاحترام المتبادل، خلافاً للبيئة التي كان يتعايش فيها سابقاً القائمة على عدم الاحترام والتقاذف والسباب والعنف المتبادل؛ وبالتالي يصبح للشخص قيمة واحترام عن طريق منافسته والسماح له بالمنافسة.
كما أن المعلومات وعلوم المعرفة المختلفة التي تُقال في تلك البيئة سواء الحوارات أو النقاشات أو معرفة خبايا اللعبة نفسها، كل هذا يعتبر إضافة لهذا الشخص الذي كان يعاني من الانحراف، وهذا بمثابة استبدال للجو الذي كان يتشوق له بالانحراف؛ حيث أصبح لديه جو جديد يتشوق له من خلال الحركة والمعرفة ومن خلال الصحبة، وبالتالي ستتغير حاله إلى الأفضل.
* هل سبق أن قابلت لاعباً من الكيان الصهيوني؟
– في عام 1983م رفضت اللعب مع رياضي صهيوني؛ فنحن أصحاب قيم، سواء في الرياضة أو المسابقات الثقافية، أو المسابقات العلمية؛ فعدو الله وعدو الإنسانية عدونا، والنبي “صلى الله عليه وسلم” يقول: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، قالوا: ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ على يديه».
هذا الدين جاء لكي يهذب الإنسان وسلوكه، وعندما يأتي إليّ عدو للإنسانية وعدو للدين، لا ينبغي لي أن أضع يدي في يده، وهذه رسالة مني حتى يعرف أنه معتد، ومغتصب، وكذلك لا بد أن يعرف العالم بذلك، حين يرى أن اللاعب الكويتي والمصري والإماراتي وغيرهم من الدول العربية يمتنعون عن اللعب أمام هذا اللاعب الصهيوني مضحين بمراكزهم المتقدمة رياضياً فسيكون للأمر وقع آخر، فأنا شخصياً خسرت المركز قبل النهائي حتى لا أقوم باللعب في مواجهة لاعب صهيوني، وخسرت مكانة رياضية كبرى، بعد أن سافرت وتغربت من أجلها، كل ذلك في سبيل أن أحيي رسالتي؛ فنحن ضد العنف والإرهاب، وضد الأذى سواء للمسلم أو لغير المسلم، لذا فأنا أعتقد أن الرسالة من اللاعب الرياضي ذي الخلق حين يقوم بالتضحية بمكانته ومركزه ويقوم بالانسحاب من مواجهة المعتدي والمغتصب، فهذا فيه رسالة أننا نحن ضد العنف وضد الإرهاب وضد إيذاء الإنسان، ومع إقامة شرع الله على الأرض.
* ما مسؤولية الرياضي أمام المجتمع؟
– الاقتداء، فهو قدوة شاء أم أبى؛ حيث يحمل علم دولة، وهناك 9 دوافع تجعل الشخص يمارس الرياضة؛ أحدها الناحية الجمالية، فالناس تحب متابعة الرياضة للجمالية التي تحتويها، والجمالية تأتي من اللاعب الماهر، واللاعب الماهر شاء أو أبى هو قدوة لمن يتابعه لجمال ما يؤدي في الملعب، كأن يناور ويقطع مسافات طويلة في أزمنة قصيرة، ونتيجة ذلك تكون هناك ميدالية على صدره؛ فهذا اللاعب أصبح – طوعاً أو كرهاً – رمزاً وقدوة لغيره، في حركاته وكلامه، ولبسه وشكله، فصار لا يسعه ما يسع العامة، بل يسعه ما يسع الخاصة؛ لذا يجب أن يكون قدوة في شكله، وقدوة في لبسه، وقدوة في كلامه، وقدوة في تصرفاته، وقدوة في ألفاظه، وقدوة في حركاته؛ لأنه يجب أن يعي أن هناك شخصاً يتابعه، فيقلده ويتعبد الله سبحانه وتعالى على نهجه، فهذا اللاعب لا بد أن يتقي الله حتى يترك الأثر الطيب والإيجابي والإيماني في نفوس الشباب.
ونصيحتي لكل شاب رياضي رمز أو يريد أن يكون رمزاً، أن يتعبد لله ويتقيه في حركاته ولبسه وكلامه وأدائه في الملعب؛ حتى يكون باب أجر بالنسبة له، يقول رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص من أجره شيء».
أفلا يحب الرياضي الرمز والقدوة أن تكون لديه جبال من الحسنات يوم القيامة بسبب تقليده والاقتداء به من قبل الشباب؛ فالدال على الخير كفاعله؟ لذا على اللاعبين الرموز أن يتقوا الله، ويتعبدوا له سبحانه وتعالى في أبنائنا.