تمر اليوم 2 نوفمبر ذكرى الوعد المشؤوم الذي أطلقه وزير خارجية بريطانيا عام 1917م، “آرثر بلفور” إلى المصرفي اليهودي “ليونيل والتر روتشيلد”، أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وسمي فيما بعد “وعد بلفور”.
وهو في الوقت نفسه مشروع غربي، يحقق عقيدة دينية -أسطورية- تبلورت في اللاهوت البروتستانتي الغربي، تقول: إن عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة سعيدة مرهونة بحشر اليهود في فلسطين وإقامة دولة صهيون، وهدم المسجد الأقصى ليقوم على أنقاضه الهيكل الثالث لليهود.
ولقد التقت هذه العقيدة اللاهوتية بمصالح الإمبريالية الغربية في إقامة كيان مزروع في قلب الوطن العربي، يقطع وحدة أرضه، ويكون بمثابة قاعدة غربية لإجهاض نهضة الأمة العربية، ومنع تحررها وتقدمها.
وبعد تبلور هذا “المشروع الديني الإمبريالي” تم تسويقه في الأوساط اليهودية؛ فانعقدت الشراكة من أجل تنفيذه بين الصهيونية المسيحية الغربية، الحاكمة لفكر المؤسسات الغربية، والحركة الصهيونية الحديثة.
ولعل في وقائع التاريخ البراهين الساطعة على صدق هذا الذي نقول: فـفي أمريكا -على سبيل المثال- بلغت الكتب التي نشرت عن “الصهيونية المسيحية” -بين عام 1800 إلى 1875م- حوالي ألفي كتاب!
وفي عام 1866م أرسلت البروتستانتية الأمريكية أولى بعثات الاستيطان اليهودي إلى فلسطين، يقودها القس “آدم”، ومعه 150 قسيساً أمريكياً، وفي العام التالي (1867م) قامت على أرض فلسطين أولى المستوطنات، بمشاركة 70 شخصية دينية من المسيحيين الصهاينة الأمريكيين، وفي عام 1918م أعلن الرئيس الأمريكي “وليسون” (1856 – 1924م) التزام أمريكا بتنفيذ “وعد بلفور”، ثم صادقت عليه رسمياً 1922م، وقرر مجلس النواب الأمريكي “ضرورة منح اليهود الفرصة التي حُرموا منها لإعادة إقامة حياة يهودية وثقافية في الأرض اليهودية القديمة”!
وفي عام 1948م كانت أمريكا أول دولة اعترفت بقيام “إسرائيل”، وإبان الحرب الصهيونية العربية، التي اندلعت في ذات العام، دعمت أمريكا والغرب التفوق الصهيوني، ومكنت العصابات الصهيونية من تدمير 538 قرية فلسطينية، وطرد سكانها، والاستيلاء على أرضها، ليقوم الاحتلال الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين.
ومع هذه الحقائق -التي أشرنا إلى طرف منها- عن العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” يعلق كثير من النخبة والأنظمة العربية والإسلامية كل آمالهم في تسوية قضية فلسطين على أمريكا!
كما نرى موجة من هستيريا “التطبيع” مع الكيان الصهيوني تجتاح الدول العربية؛ وهو ما يستدعي أن تهب الشعوب المسلمة لرفض هذا “التطبيع” المخزي مع الاحتلال الغاصب.
إن الأمل اليوم صار منعقداً بعد الله سبحانه وتعالى على التفاف كل الشعوب العربية والإسلامية حول خيار المقاومة؛ حتى يتم تحرير كامل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر.