جرم كبير تقوم به الصين تجاه إخواننا المسلمين هناك لطمس الهوية الإسلامية؛ فتغلق المساجد، وتحظر الصوم، وتمنع السفر، وتصادر المصاحف وسجاجيد الصلاة، وتمنع الأسماء الإسلامية واللغة المحلية في التعليم، وتحارب المنتجات الحلال بشراسة، وتتربص بالمحجبات والملتحين، وتلزم بتثبيت تطبيق للمراقبة على هواتف المسلمين، ذلك تحت سمع وبصر الدول الإسلامية والعالم الذي ينادي بالعدل الاجتماعي والتسامح وحرية الدين، حكايات الخوف في الدولة البوليسية لا تنتهي كما رصدتها «الجارديان» (7 أغسطس 2018م)، لكن ما حدث أخيراً من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية في الحرية وقمع الصين العظيم لسكانها المسلمين واعتقال مليون منهم أدى إلى ارتفاع أصوات الاستنكار.. فقد طفح الكيل!
قال أعضاء في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري: إن التقارير الموثوقة تشير إلى أن بكين «حوّلت منطقة الأويجور ذاتية الحكم (تركستان الشرقية) التي يعيش فيها نحو 13 مليون مسلم (من مجموع 25 مليوناً) إلى ما يشبه معسكر اعتقال ضخماً»، وتفيد التقارير التي أعربت الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا عن قلقها بشأنها أن قرابة مليون مسلم هناك قد اعتقلوا من قبل الحكومة الصينية ووضعوا في معتقلات بحجة محاربة الإرهاب وإعادة تأهيلهم.
والمسؤول عن هذا الملف منذ عام 2016م هو الشخصية البارزة في الحزب الشيوعي الصيني «تشين تشوانغو»، وقد سبق تعيينه كأكبر مسؤول حزبي في إقليم التبت، وفي مواجهة تلك الاضطرابات أصدر تعليمات لكوادر الحزب بالعيش في القرى، وعين كوادر أخرى بالمعابد، وقال: إن البوذية في التبت يجب تكييفها مع الحضارة الشيوعية، وصدرت أوامر إلى المعابد برفع الأعلام الصينية وتعليق صور قادة الحزب الشيوعي، وعلى الفور شرع الشيوعي بإجرامه الكبير في تطبيق نفس سياساته، فأرسل كوادر الحزب الشيوعي إلى قرى الأويجور، ونشر نقاط التفتيش على نطاق واسع وأغلق المساجد، أما أكثر الإجراءات إثارة للجدل فكانت إقامة معسكرات إعادة التثقيف الجماعي التي أثارت الاحتجاج.
وكانت جماعات معنية بحقوق الإنسان بما فيها منظمة العفو الدولية ومنظمة «هيومن رايتس ووتش»، قد قدمت تقارير إلى لجنة الأمم المتحدة، تحوي مستندات توثق حقائق بالسجن الجماعي في معسكرات للتلقين السياسي يُجبر فيها السجناء على أداء قسم الولاء للرئيس الصيني، ويمنعون من الصلاة أو حتى استخدام التحية الإسلامية، ويستمر احتجاز الأفراد حتى عندما يعانون من أمراض خطيرة، وهناك الأطفال والحوامل والمرضعات وذوو الإعاقة في ظروف قاسية واكتظاظ، أما من هم خارج المعتقل فيحضرون مراسم رفع العلم والولاء يومياً أو أسبوعياً.
وقال مؤتمر الأويجور العالمي في تقرير: إن المعتقلين يُحتجزون لأجَل غير مسمى، دون توجيه تهم إليهم ولا يتمتعون بتمثيل قانوني، ويجبرون على ترديد شعارات الحزب الشيوعي، وأضاف التقرير أن المعتقلين يعانون من سوء التغذية، والاكتئاب، وهناك تقارير عن أن حالات التعذيب منتشرة على نطاق واسع في المعسكرات، كما تتهم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان السلطات الشيوعية في البلاد بتجاهل الحقوق وثقافة الأقليات في المنطقة، وممارسة القمع على نطاق واسع.
وأصدرت هيئة الأمم المتحدة ملاحظتها الختامية منتقدة «التعريف الفضفاض للإرهاب والإشارات الغامضة للتطرف والتعريف غير الواضح للانفصالية في التشريعات الصينية»، ودعت الصين إلى:
– وقف عمليات الاحتجاز دون تهمة قانونية أو محاكمة أو إدانة.
– الإفراج الفوري عن الأشخاص المحتجزين حالياً.
– الإفصاح عن عدد الأشخاص المحتجزين وأسباب احتجازهم.
– إجراء «تحقيقات نزيهة في جميع مزاعم التنميط العنصري والعرقي والديني».
قوانين اضطهادية
وتنص الإجراءات الصينية التي تحولت في أبريل 2017م إلى قوانين، على أن الموظفين في الأماكن العامة، من بينها المحطات والمطارات، سيكون لزاماً عليهم منع النساء اللائي يغطين أجسامهن كاملة، بما في ذلك وجوههن، من الدخول، وإبلاغ الشرطة عنهن، كما أن هذه القوانين تحظر أيضاً رفض إرسال الأطفال إلى المدارس الحكومية، وعدم الامتثال لسياسات تنظيم الأسرة، والإتلاف المتعمد للوثائق الحكومية، والزواج من خلال الإجراءات الدينية فقط.
{source}
<iframe width=”350″ height=”350″ src=”https://www.youtube.com/embed/JC2CDs_N7ME” frameborder=”0″ allow=”accelerometer; autoplay; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture” allowfullscreen></iframe>
{/source}
(الفيديو من قناة ميدان على اليوتيوب)
وفي سبتمبر، أفادت تقارير بأن السلطات الصينية أمرت أقلية الأويجور بتسليم جميع المصاحف وسجاجيد الصلاة أو غيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون عقوبة، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن مصادر إيجورية بالمنفى، وشملت الإجراءات منع إطلاق اللحى وارتداء النقاب في الأماكن العامة ومعاقبة من يرفض مشاهدة التلفزيون الرسمي.
كما أصدرت السلطات الصينية في منطقة هوتان التابعة لإقليم الأويجور ذي الأغلبية المسلمة قراراً بحظر 22 اسماً إسلامياً، وطالبت السلطات أهالي ممن يحملون الأسماء المحظورة بتغييرها لتفادي العقوبات أو حرمان أطفالهم من التسجيل في المدارس ورياض الأطفال، ويشمل الحظر أسماء الذكور من قبيل «عرفات، مجاهد، حسين، أسد الله، شمس الدين، عبدالعزيز»، بينما تضم قائمة الإناث أسماء مثل «آمنة، مسلمة، عائشة، فاطمة، خديجة»، وأشارت السلطات إلى أن الأطفال الذين يحملون أيّاً من هذه الأسماء سيُحرمون من الوثائق الرسمية الضرورية للانخراط في المدارس والمعاهد والجامعات، بالإضافة إلى الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
وفي رمضان عام 2016م، حظرت السلطات صوم الموظفين الحكوميين والمدرسين والتلاميذ، ومنعتهم أيضاً من المشاركة في أي نشاط ديني أو إغلاق محلات الطعام والشراب خلال هذا الشهر.
وفي عام 2014م، أعلنت وسائل الإعلام الصينية الرسمية أن المدارس في المنطقة ستعمل على عدم تشجيع الطلاب على ممارسة الشعائر الدينية في المنازل وتشديد القواعد الخاصة بالزيّ المدرسي، وأطلقت السلطات حملة في أورومتشي عاصمة الإقليم، ضد منتجات الحلال وذلك «لوقف تدخّل الإسلام في الحياة العلمانية، ووقف تغذية التطرف»، ووفقاً لمذكرة نُشرت على حساب المدينة الرسمي، فقد أقسم قادة الحزب الشيوعي في عاصمة الإقليم على خوض معركة حاسمة ضد منتجات الحلال!
استضافة بالبيت
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: إن المسؤولين الصينين بدؤوا منذ أوائل هذا العام، بتنفيذ برنامج “استضافة في البيت” بشكل دوري لدى الأسر في المنطقة، وخلال هذه الزيارات، يُطلب من الأسر تزويد المسؤولين الضيوف بمعلومات حول حياتهم وآرائهم السياسية، التي تخضع لاحقاً للتوجيه السياسي، وطالبت المنظمة الحكومة الصينية بإنهاء هذا البرنامج الذي يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وخصوصيات الأسر وحقوقهم الثقافية المحمية بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
هذه الزيارات هي جزء من حملة “الضربة القوية” التي تهدف لزيادة أعداد الموظفين الحكوميين في المنطقة، وقالت المنظمة: إن جميع الأسر المسلمة الآن في جميع أنحاء شينجيانج تأكل وتعيش وتنام تحت نظر الدولة الساهرة في منازلها!
ومن بين الإجراءات التي تتخذها السلطات ضد الأويجوريين تقييد سفرهم إلى الخارج من خلال احتجاز جوازات سفرهم، وإجبار أولئك الذين يعيشون في الخارج على العودة، وسجن من لديه صلات بجهات أجنبية ودول إسلامية، وفرض استخدام لغة الماندرين الصينية في التعليم مع تقليص استخدامهم للغاتهم الأم.
واستهدفت الإجراءات زعماء الأقليات المشتبه بهم في عدم ولائهم للصين، واحتجاز عشرات الآلاف دون تحديد مدة زمنية، كما عززت السلطات الرقابة على السكان بما في ذلك تخزين مجموعة كبيرة من الجينات والبيانات الشخصية لكل من يتراوح عمره بين 12 و65 عاماً، وتفتيش هواتفهم، كما وظفت الآلاف من رجال الأمن وأنشأت العديد من نقاط التفتيش على الطرق ومحطات القطار لضبطهم.
وحسب صحفية “الجارديان” (13 أكتوبر 2018م)، فإن الحزب الشيوعي يؤكد استمرار عملية طمس الهوية؛ بمعنى إكراه المجتمعات الأخرى خاصة الإسلامية على الالتزام بالثقافة الصينية من زي ودين ولغة وسياسة وطعام وفلسفة وقانون وعادات وتراث!
لعل ذلك القمع هو بداية النهاية للصين كما يعرفها العالم، فهناك 53 من العرقيات المختلفة هناك، وإذا ما تمادت الصين بحاولة إذابتها في بوتقة الشيوعية، فلا مناص أن تستمسك الأقليات بتراثها أكثر، ويعيد التاريخ نفسه فتتفكك الصين كما تفكك الاتحاد السوفييتي من قبل.
الصين ذلك التنين الاقتصادي المستفحل الذي يحرق أبناءه المسلمين، لا بد من إيقافه بالدعوة إلى مقاطعة منتجاته وإيصال رسالة مفادها أن مسلمي الصين لهم إخوة في كل مكان لهم عليهم حق النصرة والولاء.
الهوامش:
‘Sinicisation’ of Muslims in Xinjiang must go on, says Chinese official. The Guardian 13 October 2018.
“Eradicating Ideological Viruses”. 9 September 2018. https://www.hrw.org/report/2018/09/09/eradicating-ideological-viruses/chinas-campaign-repression-against-xinjiangs
China: Massive Crackdown in Muslim Region. Mass Arbitrary Detention, Religious Repression, Surveillance in Xinjiang. Human Rights Watch. 9 September 2018
‘We’re a people destroyed’: why Uighur Muslims across China are living in fear. The Guardian 7 August 2018.
China Uighurs: Xinjiang legalises ‘re-education’ camps. BBC news. 10 October 2018.
U.N. Panel Confronts China Over Reports That It Holds a Million Uighurs in Camps. The New York Times 10 August 2018.
Parallel Submission to the Committee on the Elimination of Racial Discrimination (CERD) for the People’s Republic of China (PRC) 96th Session, 6–30 August 2018.
UN- International Convention on the Elimination of All Forms of Racial Discrimination 19 September 2018.