ساعات معدودات، تحديداً الثلاثاء 6 نوفمبر الثاني 2018م، وتُجرى انتخابات التجديد النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي انتخابات تجري، بحسب النظام الانتخابي الأمريكي، بعد مرور عامين على انتخابات الرئاسة، التي تُعقد كل أربع سنوات.
ووفق النظام الانتخابي الأمريكي فإنه يتم في هذه الانتخابات التنافس على مقاعد الكونجرس الذي يشمل مجلسَي الشيوخ والنواب؛ فيتم التصويت على جميع مقاعد مجلس النواب، وعددها 435 مقعداً، وعلى ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، أي 35 مقعداً من أصل 100 مقعد، كما تشمل هذه الجولة من الانتخابات انتخاب 36 حاكماً من أصل 50 حاكماً من حكَّام الولايات، و3 من حكَّام الأقاليم، إضافة إلى الانتخاب على 206 من رؤساء البلديات.
وعادة ما تكون هذه الانتخابات شديدة المراس بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، نظراً لأنه يعود للحزب الذي يملك الأغلبية في المجلسين إقرار الأجندة التشريعية، كما يقوم الحزب الحائز على الأغلبية باختيار رؤساء اللجان البرلمانية؛ بيد أن الانتخابات هذه المرة أكثر سخونة مما سبقها؛ نظراً لما تشهده من ظروف استثنائية أفرزتها عدة عوامل حدثت منذ انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ليكون رئيس الولايات المتحدة في 20 يناير2017م.
ويمكن ذكر بعض هذه العوامل في التالي:
1- التركيبة الترمبية -إن جاز التعبير-؛ فالرئيس الأمريكي ترمب شخصية شعبوية مثيرة للجدل، على أحسن التقادير؛ إذ هو مثير للقرف، والبغض للكثيرين. ترمب جعل لهذه الانتخابات طعماً آخر؛ لأن فوزه بالرئاسة أساساً مثَّل صدمة للعالم كله، لأنه لم يكن مرشحاً، واستطلاعات الرأي لم تقربه حتى من مجرد المنافسة، وكان مجرد ترشحه بمثابة أيقونة حفلت بها البرامج الهزلية ونكتة تناقلها المشاهير بكافة ميولهم وتوجهاتهم ووظائفهم، كما أن ترمب لا يُعدُّ ابن المؤسسة الرئاسية الأمريكية والمتمثلة في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري؛ فهو بالرغم من انتمائه للحزب الجمهوري، إلا أنه لا يُعتبر ممن ترعرع في مهد الحزب وتجرع قواعده؛ ولذلك جاءت تصرفاته مثيرة للجدل، ومليئة بمخالفة الأصول التي تعارفت عليها الضوابط السياسية لمن تولوا مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
ولا ننسى كذلك ما تملكه شخصية ترمب من اعتداد بالنفس يصل في معظم الأحيان إلى الصفاقة والعنجهية، وهذا ما تبدى بوضوح في تصرفاته، الأمر الذي أحدث في أقل من عامين من حكمه كمًّا من الفوضى في العالم لم يُحدِثه أحد قبله؛ إذ أوجد مشكلات مع حلف الناتو، والصين، وروسيا، وإيران، وتركيا، والمكسيك، واختلق عداوات مع الإعلام، وعدد كبير من مساعديه ومؤيديه السابقين، والنساء، والأمريكان من أصول أفريقية ولاتينية، والحديث في هذا يحتاج مقالات، وحسبي من الاستشهاد الإثبات.
2- قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي التي حركت العالَم كله، وجاءت في وقت غير مناسب بالمرة لترامب؛ لتزيد عليه الضغوطات أكثر مما هي موجودة بالفعل، ولكنها ضغوطات من داخل حزبه هذه المرة؛ إذ إنها أوجدت تعارضاً بين ترمب ورجالات حزبه الجمهوري، قبل خلافه مع رجالات الحزب الديمقراطي، والشبهات التي طالته (…)، وما أثير عن ارتباط صهره جاريد كوشنر بمصالح اقتصادية كبيرة مع بن سلمان. وهذا الوضع أوجد انقسامات كبيرة في مجتمع الساسة وصنَّاع القرار وقادة الرأي في الولايات المتحدة، انقسامات لم تحدث بهذا الشكل من قبل.
3- كون هذه الانتخابات النصفية اختباراً حقيقيًّا لترمب في منتصف ولايته الرئاسية واستفتاءً عليه؛ خصوصاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبيته لأقل من45%، إضافة إلى ما قد يواجهه كنتائج لتحقيقات مولر قد تصل به إلى “ووترغيت” جديدة، وكذلك ما يُروَّج بشأنه من دعاية سلبية خصوصاً في أعقاب إدانة محاميه السابق مايكل كوهين ومدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت؛ لذا فإن الجمهوريين سيحاولون إثبات أن رئيسهم مازال ينال ثقة الناخب الأمريكي؛ فيما سيحاول الديمقراطيون كسر هذه الثقة، والتي ربما سينبني على ذلك إسقاط ترمب في الانتخابات الرئاسية بعد عامين.
4- تمكِّن هذه الانتخابات من طرح مشاريع قوانين محلية؛ لأن الناخبين يختارون من خلالها كذلك أعضاء المجالس البلدية، والقضاة، وقادة الشرطة؛ وبالتالي هي تؤثر في واقع المواطن الأمريكي بشكل مباشر. أمَا وإن الانتخابات النصفية بهذه الأهمية؛ فما السيناريوهات المتاحة أمام الديمقراطيين؟ قبل الدخول في السيناريوهات يجب توضيح الوضع الآن: يتكون مجلس الشيوخ حاليًّا من51مقعداً جمهوريًّا مقابل47ديموقراطيًّا، بالإضافة إلى مقعدَيْن يعودان لمستقلَّين يصوتون عادة مع الديمقراطيين؛ أما مجلس النواب فيتمتع الجمهوريون بغالبية فيه؛ فيمتلكون241مقعداً مقابل194مقعداً للديمقراطيين. وبالنسبة لحكَّام الولايات؛ فإن33جمهوريًّا يشغلون مناصب حكَّام الولايات من إجمالي50 منصباً، كما يسيطرون على أغلب مجالسها التشريعية.
والآن لنلخص السيناريوهات المتاحة للديمقراطيين في التالي:
أولاً: انتخابات مجلس الشيوخ:
بما أن الديمقراطيين يمتلكون 49 مقعداً في المجلس (47 ديمقراطي و2مستقل مساند)، فإنهم من الناحية النظرية يحتاجون للفوز بمقعدين إضافيين؛ غير أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك لثلاثة أسباب:
الأول: أن الـ35 مقعداً التي سيتم التصويت عليها هذه المرة يعود 26 مقعداً منها للحزب الديمقراطي، مقابل 9 فقط للجمهوري؛ ما يعني أن على الديمقراطيين حماية الـ26 مقعداً أولاً ثم الفوز بمقعدين إضافيين، أو تعويض المقاعد التي يمكن أن يخسروها من هذه المقاعد على حساب مقاعد الجمهوريين التسعة.
الثاني: أن 10 مقاعد من التي يسعى الديمقراطيون للدفاع عنها هي ولايات استطاع ترمب أن يحقق فيها نصراً في السباق الرئاسي عام 2016م؛ فعلى سبيل المثال بنسلفانيا وميتشيغان ولايتان ديمقراطيتان إلا أن ترمب ربحهما أمام هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، وبنسلفانيا بالذات لها ثقل انتخابي رئاسي كبير (20 صوتاً)، وهي ولاية ديمقراطية جدًّا كان آخر جمهوري انتصر فيها قبل ترمب هو جورج بوش الأب عام1988م؛ الأمر الذي يعني أن المهمة ليست بتلك البساطة.
الثالث: أن النظام الانتخابي لمجلس الشيوخ ليس في صالح الديموقراطيين؛ فكل ولاية لديها ممثلان في المجلس، بغض النظر عن تعدادها السكاني؛ لذا نجد أن ولاية وايومينغ لديها عدد ممثلي ولاية كاليفورنيا، بالرغم من أن كاليفورنيا يقطنها أكثر من60ضعف عدد سكان وايومينغ، ولأنه عادةً ما تكون الولايات الأصغر حجماً ريفية، والتي بشكل تقليدي تفضِّل الجمهوريين؛ فإننا ندرك حجم التحدي أمام الديمقراطيين.
ثانياً: انتخابات مجلس النواب:
يمتلك الديموقراطيون فرصاً أفضل من مجلس الشيوخ للفوز بمجلس النواب؛ إذ التمثيل فيه متناسب مع عدد السكان، وبما أن الديموقراطيين يمتلكون 194 مقعداً مقابل 241 مقعداً للجمهوريين؛ فهذا يعني أنهم بحاجة إلى الفوز بـ 24 مقعداً إضافيًّا للفوز بالأغلبية؛ ليصبح عدد مقاعد الديمقراطيين 218 مقعداً مقابل 217 مقعداً للجمهوريين.
غير أن الطريق ليس معبداً؛ إذ خلال الخمسين عاماً الأخيرة لم يتمكن الديمقراطيون من الفوز بهذه النسبة سوى مرتين، وذلك عامَي 1974 و2006م، في حين استطاع الجمهوريون فعل ذلك ثلاث مرات في المدة نفسها، كان آخرها عام 2010م في الانتخابات النصفية أثناء الفترة الأولى لحكم الرئيس باراك أوباما.
ثالثا: انتخابات حكَّام الولايات:
أهمية هذه الانتخابات مضاعفة هذه المرة؛ إذ إن لحاكم الولاية أدواراً مهمة، وتفاعله مع الحكومة الفيدرالية مؤثر، ومثال ذلك سَنُّ قوانين حمل الأسلحة أو تنفيذ سياسات التأمين الصحي. وتزداد هذه الأهمية في هذه الانتخابات لأنه عادة ما تجري إعادة رسم خرائط الدوائر الانتخابية في الولايات المتحدة بعد عامين من الإحصاء السكاني، والذي من المزمع إجراؤه عام2020م، وبالتالي سيتم إعادة رسم خرائط الدوائر عام2022م؛ ولمَّا كانت مدة ولاية الحاكم 4 سنوات، فإن هذا يعني أن عملية إعادة رسم الخرائط ستتم في ولاياتهم.
ويبلغ عدد الولايات التي تشهد انتخابات لحكَّامها 36 ولاية؛ 23 منها حكَّامها جمهوريون. ويسعى الديمقراطيون للفوز بهذه الانتخابات، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتأرجحة “Swing States” مثل فلوريدا وأوهايو ونيفادا؛ على أمل منع إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لمصلحة الجمهوريين، وهو ما يُعرف باسم “gerrymandering”، والذي قد يؤثر على انتخابات الكونجرس حتى عام 2032م لصالح الجمهوريين؛ حيث يتم الإحصاء السكاني كل 10 أعوام، ويتبعه بعامين إعادة رسم خرائط الدوائر الانتخابية.
مؤشراتٌ مبشراتٌ ديمقراطية
بالرغم مما سبق؛ فهناك مؤشرات عديدة تعتبر من المبشرات بالنسبة للديمقراطيين، ويمكن إجمالها في التالي:
– الانقسامات الكبيرة في القاعدة الانتخابية الجمهورية بسبب الصراع الدائر داخل الحزب بين اليمين المتطرف بقيادة بانون المتحالف مع ترمب، وبين مؤسسة الحزب، التي تجلت بشكل سافر خلال حدثين:
الأول: موقف قادة الحزب من أزمة مقتل خاشقجي التي تخالف بشكل كبير موقف ترمب؛ بل تتعارض معه في أحيان كثيرة.
الثاني: اتخاذ 39 نائباً جمهوريًّا قراراً بالتنحي وعدم الترشح مرة أخرى على مقاعدهم، معظمهم كانوا ضد ترمب خلال الفترة السابقة لرئاسته، وهذا يُعدُّ رقماً قياسيًّا.
– يتردد في العادة الناخبون الأمريكيون في طرد نائب حاليّ؛ لذا تعتبر المقاعد التي لا يُنافِس عليها النواب الحاليون أفضل المبشرات بالنسبة للديموقراطيين، وإذا تذكرنا أن39 نائباً جمهوريًّا قد اختاروا التنحي بدلاً من إعادة الترشح؛ فإن ذلك يعطي الديمقراطيين أملاً أكبر في الفوز، وعلى سبيل المثال فإن ولايتَي أريزونا ونيفادا المتأرجحتين، واللتين تشهدان دوماً سباقاً حميماً بين الحزبين لن يشارك الممثلَان الجمهوريَان الحاليَّان في الانتخابات، وهما قد فازا في الانتخابات السابقة بشق الأنفس.
– نتائج الانتخابات المحلية التي جرت منذ عام في نوفمبر 2017م؛ حيث سجل مرشحو الحزب الديمقراطي تفوقاً واضحاً على منافسيهم الجمهوريين على صعيد المجالس المحلية، وهذه مؤشرات مبشرة للديمقراطيين في هذه الانتخابات.
– تعيين بريت كافاناه كأحد قضاة المحكمة العليا للولايات المتحدة، والمتهم بالاعتداء الجنسي على ثلاث نساء، ومخالفة الجمهوريين للاتجاه العام برفض تعيينه؛ ما قد يسبب خسارة الجمهوريين لصوت المرأة، وهذا يصب في مصلحة الديمقراطيين.
– استطلاعات الرأي التي تعطي الديمقراطيين تفوقاً على الجمهوريين.
هذه هي سيناريوهات الديمقراطيين، وهذه بعض مؤشراتهم المبشرة؛ لكن هل تصدق التوقعات والاستطلاعات أم يحدث ما حدث في الانتخابات الرئيسية؛ فيفاجئ الجمهوريون الديمقراطيين كما فاجأ ترمب كلينتون؟ ويتبع هذا تساؤل آخر: هل لو فاز الديمقراطيون سيحدث أي تغيير على الصعيدين المحلي والدولي؟
هي أيام ننتظر ونرى.
____________
* المصدر: مدونات الجزيرة.