اعتدنا في العديد من دول العالم أنه عند الكوارث يستقيل الوزير المختص، وتعد هذه الاستقالة رسالة اعتذار للشعب، وليس -بالضرورة- إقراراً بتحمله الخطأ، وهو جانب معنوي أكثر منه عملي، وباختصار هي امتصاص لرد فعل الناس.
ولست ممن يؤيدون هذا الأسلوب على إطلاقه إلا في أضيق الحدود، وإلا لما بقي وزير على كرسيه لكثرة المصائب والكوارث في العالم.
لكن المستغرب هو إقالة القياديين (أو إحالتهم للتقاعد) دون إجراء تحقيق لما حدث، وتحديد مدى تحملهم المسؤولية، وهذه ظاهرة جديدة، بل هي غريبة على مجتمعنا المتسامح مع المدان، فكيف بمن لم تثبت إدانته؟! وتتم الإقالة دونما أي مراعاة لمشاعر الشخص المقال وأسرته أمام المجتمع والإعلام، خصوصاً لمن ثبتت سيرته الحسنة وتعدد إنجازاته خلال الفترة الماضية.
تم قبل شهرين إقالة وكيل التربية والوكيل المساعد قبل إجراء أي تحقيق، وبالأمس تم إقالة مدير هيئة الطرق ووكيل وزارة الأشغال قبل إجراء أي تحقيق، ورغم عدم معرفتي الشخصية بهم جميعاً، إلا أنني أجد في ذلك استعجالاً غير محمود من باب العدالة، وسمعة البلد في حقوق الإنسان، والتعامل مع الموظفين أمام البنك الدولي.
وفي الوقت الذي أعلن فيه بعض الناس سعادتهم بقرار الإقالة (تحقق الامتصاص)، طالب آخرون باستقالة الوزير كونه المسؤول الأعلى. إذاً.. لا طبنا ولا غدا الشر.
ولنا أن نتخيل لو خرجت نتائج التحقيق ببراءتهم، فمن يعوضهم اجتماعياً؟! ومن يرد لهم اعتبارهم؟! أليس ذلك القرار طارداً للكفاءات؟! أما إذا ثبت التقصير، فسيبادر القيادي المقصر للاستقالة، وإن لم يكن المسؤول قيادياً، فسيحال للتجميد والمحاسبة وفق القوانين المتبعة.
وإن كان الهدف امتصاص رد فعل الناس، فهناك وسائل أخرى لو استعانت جهات الاختصاص بمؤسسات علاقات عامة (PR) للاستشارة في كيفية التعامل مع هذه الأوضاع، التي يفترض أن تكون جاهزة عند إدارة الأزمات، لكان ذلك أنفع، ولا أقل من الاستفادة من جمعية العلاقات العامة بخبرات شبابها الكويتيين.
ولا يخفى على المسؤولين أنه عند حدوث مشكلة أو أزمة ما، فهناك نوعان من الإدارة للتعامل معهما؛ هناك “إدارة الأزمات”، وهناك “الإدارة في الأزمات”، ولكل واحدة منها أساليبها العلمية.
ومن الأمور السلبية التي ينبغي أن تبحث الحكومة في علاجها “ظاهرة التشفي”، التي لم تكن موجودة من قبل، وساهم في انتشارها بعض النواب هداهم الله، وبعض القنوات الفضائية، وهو ما لم يكن معروفاً لدينا قبل الاحتلال؛ الذي تغيرت فيه بعض معالم الشخصية الكويتية المتسامحة الهادئة، التي لم تكن تعرف التشفي وروح الانتقام.
لقد تعاملت الحكومة مع حادثة غزارة الأمطار الأخيرة بشكل متميز (وسيكون لها مقال آخر بإذن الله)، بدءاً من التحذيرات المسبقة، وإعلان عدم الدوام منذ الفجر، ونزول رجال الإطفاء والداخلية والجيش والحرس والدفاع المدني والإسعاف والبلدية والأشغال والطرق إلى الميدان بآلياتهم، وتواجد الأطباء على رأس عملهم رغم الظروف الصعبة، وحضور سمو رئيس الوزراء منذ الصباح الباكر في غرفة العمليات بالإدارة العامة للإطفاء، ومتابعة الأوضاع والمستجدات أولاً بأول، مع ثلة من القياديين، وتغطيات فورية من وزارة الإعلام عبر الإذاعة والتلفزيون لكل المستجدات، وغير ذلك من التفاعلات، فلهم كل الشكر والتقدير.
ختاماً.. أدعو الجهات المعنية إلى عدم الاستعجال مستقبلاً، والتأني في اتخاذ القرار، وبالأخص في قضية الإقالات، حتى لا يظن البعض أنها تصفية حسابات، أو الخروج من المشكلة ببعض الضحايا، والسير بحذر في مناطق الألغام.
والله يحفظ الكويت وأهلها من كل شر وسوء.