بين تاريخ وفاة المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ مصطفى مشهور وتاريخ مولده في الخامس عشر من سبتمبر عام 1921، في قرية السعديين التابعة لمحافظة الشرقية بمصر.. حياة حفلت بمعاني التربية والقدوة، حيث اعتبر التربية على طريق الدعوة من ألزم الأمور وأهمها، فقد كانت وستظل معلما من معالمها وثابتا من ثوابتها في الإصلاح والتغيير والبناء والتكوين.
“دخلت عليه ابنته سلوى في غرفته قبيل العصر فرأته مرتمياً على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً في المسجد، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ التاسع والعشرين من أكتوبر حتى وفاته في الساعة السادسة مساء الخميس التاسع من رمضان المبارك 1423هـ الرابع عشر من نوفمبر2002م.
حيث حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع ليصلى عليه عقب صلاة الجمعة (15/11/2002) من مسجد السيدة رابعة العدوية بمدينة نصر في القاهرة، وبعدها تحركت خلفه جموع المشيعين الذين قدر عددهم بالآلاف ليدفن في بجوار رفقاءه السابقين من المرشدين [التلمساني وأبو النصر] بمقابر الوفاء والأمل.
حياة المربي
يقول رحمه الله: “لقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة، واستمراريتها ونموها، يكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف”.
ووضع نموذجا تربويا عبر سطور كتبه جاء فيها:
- أن يهتم المربي بحاله مع ربه، فيعطي وقتا لنفسه فيرعاها ويزكيها باليقين الصادق والعبادة الصحيحة.
- أن يتحلى المربي بكريم الأخلاق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة، مقتدياً في ذلك بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- أن يبذل المربي جهداً في تطوير ذاته وقدراته، التي تؤهله ليمارس مهامه بفاعلية، وترفع من كفاءته في العملية التربوية.
- أن يهتم المربي كثيراً بتزكية معاني الأخوة والحب في الله بين إخوانه عملياً لا نظرياً؛ لأن في الأخوة سر القوة.
- أن يتعرف المربي على قدرات وطاقات إخوانه، ويبذل الجهد في توظيفها لخدمة الدعوة، ودفعهم نحو الحركة والعمل، وذلك من خلال وضع البرامج العملية لذلك.
- أن يجتهد المربي في تحصيل العلوم النافعة التي يتزود بها لنفسه ويفيض بها على إخوانه.
التربية العملية
لم تقتصر حياة مصطفى مشهور على التربية عبر الكتب أو المقالات أو الخطب فحسب، بل كان مربيا عمليا وواقعيا.
تواضع جم
“إن القيادة يجب أن تتواجد بين الجنود دون حاجب أو حاجز”.. كان هذا المعني الذي تركه مشهور وسط الجميع، فمثلا على الرغم كونه أحد قادة النظام الخمسة إلا أنه لم يذكره أحد بالتعالي أو المجافاة، فقد ظل قياديا جنديا مع الجميع.
حتى بعدما أصبح مرشدا كان النموذج المتواضع فما حجب نفسه عن إخوانه، بل كانت معظم جلسته وسطهم في استقبال المركز العام.
سكن ومودة
كان مشهور نعم الزوج الذي عاش مع زوجته؛ فما سمع ولا رأى منها إلا كل خير، يذكر أنه قبل زواجه قال لزوجته: إنني متزوج من أخرى، وأملي ألا تغاري منها إذا تأخرت بسببها، أو انشغلت عنك بها، ففزعت الزوجة وقالت: من تكون؟ فقال لها: إنها الدعوة. فقالت له: وأنا خادمتها.
وبعد أن توفيت زوجته وعاشت معه ابنته سلوى كان يقول لها مربيا: بدأ دورك، فقد كانت أمك تقرأ في هذا المصحف، وكانت تصوم الاثنين والخميس، وكانت تتهجد معي في الليل، والآن أنت تقومين مقامها في فعل ذلك.
زهد وبساطة
لم يكن يملك –رحمه الله- من حطام الدنيا شيئا يذكر فلم يملك سيارة، وإقامته وأسرته كانت بمنزل قديم تصدع بفعل زلزال أكتوبر الذي ضرب القاهرة فانتقل إلى شقة أخرى صغيرة بشارع جسر السويس.
تبرع أحد الإخوة لشراء سيارة جديدة له باعتباره مرشدا لأكبر جماعة إسلامية، فرفض بإصرار مدة طويلة، وفضل ركوب نفس سيارة المرشدين -السابقين فضيلة الاستاذ عمر التلمساني والاستاذ محمد حامد أبو النصر- رغم قدمها واستهلاكها حتي ضغط الأستاذ إبراهيم شرف وأخذ الاخوان قرارا بشراء سيارة جديدة للمرشد العام.
وهذه السيارة لم تكن في عهدة الأستاذ مصطفى بل كانت في عهدة أحد الإخوة، وكان يستخدمها أ. مشهور عند قضاء حوائج الإخوان فقط.
قضاء حوائج الناس
حكي الأستاذ طارق عبد الجواد حفيد الأستاذ مصطفى أن بيت الأستاذ لم يكن يخلو يوما من ضيوف من بلدته “السعديين”، يقصدونه في قضاء حوائجهم؛ فكان يقوم بضيافتهم في بيته حتى تقضى حوائجهم.
مصادر:
- عمالقة في زمن النسيان: عبده دسوقي، ومريم السيد، دار منارات للنشر والتوزيع، 2008م.
- إخوان أون لاين: مصطفى مشهور.. قبسة من سيرة مجاهد، 9 سبتمبر 2014م.
- حوار مع الحاجة سلوى مشهور يوم 6/9/2007م.