نسمع دائماً كلمة مزعجة عندما تحدث مشكلة من أطفال أو فتية أو شباب، بنين أو بنات، هذه الكلمة هي «أهلهم ما ربوهم»، ولعل في اللحظة التي يقولها الشخص يكون ولي أمر صاحب المشكلة موجوداً بين الحضور دون أن يعرف، وأحياناً يكون هو ولي الأمر دون أن يعلم!
ولعلنا نتذكر تكرار هذه الكلمة جيداً في المدارس، حيث اعتاد بعض المعلمين قولها دون تردد، وكذا بعض رجال الشرطة، وخطباء المساجد، وغيرها من الأماكن، فلم هذا الاستعجال في اتخاذ قرار بأن المخطئ لم يربه أهله؟! وما هو الأثر المتوقع على متلقي هذه الكلمة؟!
عندما طلب نوح عليه السلام من ربه إنقاذ ابنه، (قال يا نوح إنه ليس من أهلك)، هنا لم يتهم الله ،عز وجل، أهل الابن بأنهم ما ربوه، فهذا نبي، وبلا شك أنه سعى لتربية ابنه أحسن ما يكون، إلا أنه لم يكن له نصيب من الهداية، (إنه عمل غير صالح)، فأعاد سبحانه التقصير إلى الابن لا إلى الأهل.
ولو نظر كل شخص إلى من حوله، لرأى ـ في الغالب ـ أن سلوك الأبناء يختلف عن سلوك الآباء، بنين أو بنات، بدرجة أفضل أو أقل، وغالباً تكون بدرجة أقل لأننا ننظر إليهم بتفكيرنا وقيمنا.
ومن هنا ليس بالضرورة أن يقبل الأبناء كل التوجيهات التربوية التي تلقوها في حياتهم، وإن قبلوها فترة ما قد يتركوها فترة أخرى، بحسب تأثير الحي والمدرسة والبيئة والأصدقاء والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.. وغيرها من المؤثرات الخارجية، وقد تكون للأفضل ويستنكرها الأب «كالذي يتدين لأب غير متدين».
فالآباء قد بذلوا جهدهم ـ ومن قبلهم الأنبياء ـ في تربية أبنائهم، وحرصوا عليهم أشد الحرص حتى يكونوا مؤدبين وملتزمين وبعيدين عن الحرام والسلوك الخطأ، وعدم الاعتداء على الناس ولا على المرافق العامة، ولا مخالفة القوانين ولا التطاول على المال الحرام، واحترام الكبير وخفض الصوت.. إلى غير ذلك من السلوك المحمود، إلا أن قدر الله كان غير ما يتمنون، بنسبة بسيطة أو متوسطة أو كبيرة، وبالتالي فإن الحقيقة تقول إن أهله ربوه، لكن ما حصل كان مفاجأة بل «صدمة» لهم.
فهل يقبل أي إنسان أن يسمع هذه الكلمة السلبية والمؤثرة عن ابنه أو ابنته؟ فكيف يستسهل أن يقولها أمام الملأ مع شيء من الكبر والسخرية؟!
ولك أن تتخيل وقع الكلمة القاسية على الأبناء باتهامهم أنهم غير متربيين أولا، وأن أهلهم لم يربوهم ثانيا، فهل تتوقع أن ينصلح حالهم، أم أنهم قد ينتكسوا ضد المجتمع؟!
هنا يظهر صاحب الحكمة والقول الحسن، فالأصل هو الدعاء لهؤلاء الأبناء لا الدعاء عليهم أو السخرية منهم ولا من آبائهم، وإن استطعنا مناصحتهم فهذا أمر طيب، وتذكيرهم بأثر ذلك على آبائهم، فلعلهم يسمعون من البعيدين أكثر من القرباء.
وقد ينتقد مسؤول ما أو خطيب جمعة تصرفات شباب، ويتهمهم بأن أهلهم ما ربوهم، ولا يعلم أن آباءهم موجودون، فكم هو موقف محرج ومزعج، وقد يقولها ولي أمر عن ابنه، عند انتقاده لسلوك سلبي من شباب، وهو لا يعلم أن ابنه بينهم.
وعلى المحققين والمعلمين والشرطة ألا يقسوا على الآباء بكلمة «ربوا عيالكم»، فقد يكون الآباء اجتهدوا فعلا في التربية كما ذكرت، وقد يكون الأبناء متربيين فعلا، لكن هناك سلوكا ما خرج عن السيطرة، وهذا يتعرض له كل إنسان، ومنهم الشيخ والوزير والمدير والضابط والمعلم والمربي والإعلامي والتاجر ورجل الدين والقاضي ووكيل النيابة، فلنبتعد عن الكلمات الجارحة التي لن تحقق سوى الإهانة، ولنحسن اختيار كلماتنا التوجيهية التي ترفع المعنويات، والله يحفظ أبناءنا جميعا.
ينشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.