تأجلت مبادرتان مهمتان لمعالجة أزمة لاجئي الروهنجيا المسلمين في بنجلاديش إلى ما بعد الانتخابات العامة، نهاية العام الجاري.
إحدى المبادرتين، انطلقت منتصف نوفمبر الجاري، وتقضي بإعادة اللاجئين إلى وطنهم في ميانمار، لكن الكثير من الروهنجيا، الذين تعرضوا للاضطهاد في ميانمار، يخشون على أمنهم وحقوقهم، حال عودتهم إلى بلدهم.
أما المبادة الأخرى فتتعلق بإعادة توطين اللاجئين في جزيرة منعزلة داخل الأراضي البنجالية، وانطلقت في أكتوبر الماضي.
ومن المرجح أن تعالج الحكومة الجديدة في بنجلاديش كلاً المبادرتين بعد الانتخابات العامة.
ومنذ أغسطس 2017، أسفرت جرائم تستهدف الأقلية المسلمة في إقليم آراكان (غرب) من جانب جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة عن مقتل آلاف الروهنجيا، بحسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلًا عن لجوء نحو 826 ألفًا إلى الجارة بنجلاديش، وفقًا للأمم المتحدة.
وقال مسؤول حكومي بنجالي رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، بحسب وكالة “الأناضول”: إلى أن يحل موعد الانتخابات في 30 ديسمبر لن تكون هناك إمكانية للعمل على أزمة مسلمي الروهنجيا.
ويصر مسلمو الروهنجيا على عدم العودة إلى ميانمار -بلدهم الأصلي- دون ضمان حقوق المواطنة والهوية العرقية، وتوافر ضمانات السلامة حال العودة إلى منازلهم وأراضيهم الأصلية.
وفي الوقت نفسه، يخشى معظمهم من الانتقال إلى جزيرة “بهاسان تشار”، وهي جزيرة نائية في بنجلاديش يُقال: إنها “مُعرضة لمخاطر بسبب سوء الأحوال الجوية”.
كان مقررًا أن تفتح رئيسة الوزراء البنجالية، حصينة واجد، الجزيرة الجديدة في “بهاسان تشار” أمام الروهنجيا، ونقل 100 ألف لاجئ إليها، يوم 3 أكتوبر الماضي، لكن تم تأجيل ذلك إلى أجل غير مسمى.
وفي إطار اتفاق تشاوري بين بنجلاديش وميانمار، تم التخطيط لإعادة أكثر من 2200 روهنجي إلى ميانمار، في 15 نوفمبر الجاري، كمرحلة أولى.
ومرارًا، حثت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية بنجلاديش على معالجة مسألة العودة على أساس طوعي بموافقة اللاجئين أنفسهم.
ولا يزال عشرات الآلاف من الروهنجيا في ميانمار مكدسين في مراكز الاحتجاز، وما زالت حكومة ميانمار لا تقبلهم كمواطنين.
ووسط هذا الغموض، يقترب اكتمال العمل في جزيرة “بهاسان تشار” المعزولة عند مصب نهر “ميغنا”.
فوائد للعمال
في محنة الروهنجيا يجد عشرات الآلاف من العمال المحليين ذوي الدخول المنخفضة في المنطقة الساحلية لبنجلاديش فرصة لزيادة الدخل بالعمل في مشروع إعادة توطين اللاجئين في الجزيرة النائية.
من هؤلاء محمد رجب (30 عامًا)، وهو أحد سكان جزيرة نائية أخرى في منطقة “ناخالي” الجنوبية، ويعمل في مشروع إعادة توطين الروهنجيا منذ نحو ستة أشهر.
وقال محمد لـ”الأناضول”: أنا سعيد لأن دخلي اليومي يبلغ الآن 800 تاكا بنجلاديشي (حوالي 10 دولارات)، أي حوالي ضعف دخلي المعتاد سابقًا.
وعلى غرار رجب، يعمل آلاف العمال من جميع أنحاء بنجلاديش بالمشروع في “بهاسان تشار”، وهي جزيرة موحلة تشكلت عند خليج البنجال عام 2006.
في هذه المنطقة الساحلية النائية، يتنقل المئات من عمال البناء وغيرهم من عمال اليومية (يحصلون على أجرهم بشكل يومي) يوميًا بواسطة قوارب صيد أو قوارب تدفعها محركات من وإلى “بهاسان تشار”.
ويبدي هؤلاء العمال سعادتهم لتوافر فرصة لهم لكسب دخل إضافي.
وقال عبدالرحيم (يعرف نفسه باسمه الأول فقط)، وهو تاجر يدير فندقًا صغيرًا في “باشان تشار”: أعتقد أنه بعد الانتهاء من المشروع، سيتم البدء في تمديده، حيث يعيش أكثر من مليون روهنجي في منطقتي كوكس بازار وتكناف (جنوب شرق) ويحتاجون إلى موقع جديد.
وبخلاف أعمال البناء، يدير العديد من الأشخاص من المناطق المحيطة أيضًا فنادق صغيرة وأكشاكاً تقدم مشروبات للعمال في “بهاسان تشار”، ويحلمون بتحسين سبل العيش من المشروع.
متضررون من المشروع
غير أن السكان المحليين، الذين لا يستفيدون من المشروع، يرون الأمور بنظرة مختلفة بعض الشيء، فهم يخشون من الأثر الطويل الأجل لنقل 100 ألف شخص من “الغرباء” إلى جزيرتهم.
وقال عبدالخالق (يعرف نفسه باسمه الأول)، وهو رجل أعمال في مدينة “هاتيا”: إن إعادة التوطين في هذه الجزيرة البعيدة لن تكون مؤقتة.
وأضاف أنها ستصبح حتمًا دائمة نظرًا لمعدل نمو السكان بين الروهنجيا مرتفع جدًا.
وذهب محمد مؤمن، وهو موظف بأحد البنوك المحلية في الجزيرة، إلى أن بعضًا من الروهنجيا ربما ينخرطون في أنشطة إجرامية لكسب المال.
وقال عبدالحميد، معلم في مدرسة محلية: ليس بالأمر الهين أن يعيش الكثير من الروهنجيا في جزيرة معزولة، ويعتمدون على المساعدات الغوثية وتحت مراقبة عين القانون.
تنمية بديلة
لكن ماذا سيحدث إذا لم يتم نقل الروهنجيا إلى “بهاسان تشار”؟
قال قائد في البحرية، طلب عدم ذكر اسمه: إنه لا يزال هناك عشرات الآلاف من السكان المحليين في المناطق الساحلية بلا مأوى بسبب تآكل أراضي الجزيرة، إثر حركة مياه النهر.
وأعدت الحكومة البنجالية قائمة بضحايا تآكل الأراضي، ضمن مشروع مخصص للتنمية الدائمة لبنجلاديش.
وفي حالة فشل إعادة توطين الروهنجيا في الجزيرة، قد تعيد الحكومة تأهيل المشردين من مواطنيها في تلك الجزيرة، على حد قول مسؤول البحرية.
ويمكن لقوة البحرية البنجالية أيضًا استخدام هذه المستوطنة لأغراض أخرى، فهي أول موقع دائم من نوعه يعد الأقرب إلى خليج البنجال، بحسب قائد بحري آخر طلب عدم الكشف عن هويته.
إعادة توطين على 4 مراحل
وقال وزير إدارة الكوارث والإغاثة في بنجلاديش، موفاز حسين تشودري، في وقت سابق من الشهر الجاري: إنه سيتم نقل 25 ألف روهنجي إلى بهاسان تشار في المرحلة الأولى عقب تنصيب رئيس أو رئيسة الوزراء رسميًا في البلاد.
وأضاف أنه سيتم إعادة توطين ما تبقى (نحو 75 ألف روهنجي) على ثلاث مراحل في أقرب وقت ممكن.
وأوضح أن المشروع يتضمن ترتيبات لبناء مدارس للأطفال ومستشفيات مزودة بمعدات حديثة ومساجد، وستتاح للروهنجيا فرصة لصيد الأسماك وتربية المواشي.
وتظل مصائر عشرات الآلاف من الروهنجيا في مهب الرياح، بين غموض الوضع في البلد المستضيف، بنجلاديش، وعدم بلورة رؤية واضحة من جانب حكومة ميانمار بشأن كيفية استيعابهم حال انتهى بهم المطاف إلى العودة إليها.