تغير الفكر الاستعماري في العالم مرات عديدة عبر الزمن، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، من حروب بالوكالة، واحتلال بالوكالة، وثورات بالوكالة، واختراق سياسي، وتوجيه ثقافي وإعلامي، وابتزاز اقتصادي، وصناعة عدو وهمي، وإثارة الشارع على الحكومات، وإشغال الشعوب بلقمة العيش، وإفقار المعتدلين، وإثراء الأثرياء.
لقد أنهيت الحرب الباردة بين قطبي العالم أمريكا وروسيا، لأنها أشغلتهما عما هو أهم، وتوحدت الألمانيتان، وتوطدت العلاقات الاقتصادية الصينية- الأمريكية، فتجمدت الخلافات السياسية، وتوقفت تهديدات كوريا الشمالية لأمريكا، وبدأت العلاقة بين الكوريتين تعود تدريجياً، وأخذت فيتنام وضعها، وبرزت النمور السبعة، وتفرغت اليابان للعلم والتكنولوجيا، وتفككت دول الاتحاد السوفييتي لتخفف عبئاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً كبيراً على موسكو، وتحلحلت دول أوروبا الشرقية المندمجة (يوغسلافيا، تشيكوسلوفاكيا)، لتمثل خارطة دول جديدة، وأعلاماً جديدة انضمت لهيئة الأمم المتحدة.
وبالطبع نتج عن ذلك ظهور دول إسلامية كثيرة، وأقصد إسلامية أن معظم شعوب تلك الدول تدين بالإسلام، وليس بالضرورة تطبق الإسلام، فقد تكون علمانية أو اشتراكية، مثل دول آسيا الوسطى، وشرق أوروبا، مما سهل تحديد هويتها، وتحييد الدول التي تحميها، لتكون أضعف من ذي قبل، لأنه من أهم اشتراطات الاستقلالية ألا يكتب في الدستور «دين الدولة الإسلام»، إنما هي دولة علمانية، أو أقلها مدنية.
ويعد هذا التفكك والاندماج إحدى مراحل خارطة العالم الجديد، التي تتجدد بالاستعمار تارة، وبالاستقلال تارة، وبالثورات والانقلابات تارة أخرى.
وما زالت هذه الأساليب قائمة، والخاسر هو الدول الضعيفة، ودول العسكر، والدول الساذجة سياسياً.. وما أكثرها.
وما زالت محاولات فرض «خارطة الشرق الأوسط الجديد» قائمة، لتحقيق أمنية بني صهيون الذين وضعوا النهرين حدوداً لبلدهم، بدأت مع ثورات «الربيع العربي» المخترقة، التي خرج لها الناس بحسن نية أملاً بوضع أفضل لهم، فعادت وبالًا عليهم وعلى بلدهم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً ودينياً وثقافة وفكراً، حتى إنهم أخذوا يتندرون على ماضيهم المؤلم لحاضر أشد إيلاماً.
وآخر المحاولات ذلك الانقلاب الفاشي الفاشل في تركيا، الذي يعرف الكل قصته.
ولعلها فرصة لاستذكار نعمة الأمن والأمان التي يعيشها كثير من الناس، ويفتقدها أناس آخرون (الشام وفلسطين واليمن أنموذجاً)، وأن نحمد الله عز وجل أن جعلنا في بلاد آمنة من ذلك الاختراق السياسي والأمني.. وينبغي ألا نجري وراء شعارات سياسية سرعان ما يتخلى عنها من أعان عليها، فلا بد لكل إنسان أن يحكّم العقل، وألا ينساق وراء العاطفة والإعلام والتواصل الاجتماعي، فكم يؤلمني عندما أرى من يتهم التيارات الإسلامية، ويشتم السلفيين، ويخوّن التبليغ، ويسبّ الإخوان، ويتطاول على الوهابية، ويستجيب لإثارة الفتن بين السُّنة والشيعة، والحضر والبدو، والليبراليين والإسلاميين، وبين الحاكم والمحكوم (خصوصاً في دول الخليج)، لأن الخاسر الجميع، والكاسب من خطّط لذلك كله.
علينا بالفعل أن نحذّر من الاختراق السياسي والأمني والإعلامي، حتى لا نكون لقمة سائغة لمخططي خارطة الشرق الأوسط الجديد، وأن نوحد الصف، وألا نستسلم للإشاعات.. وما أكثرها.
وأسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين والإنسانية جمعاء من كل شر.
__________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.