زرت قبل 20 عاماً تقريباً إحدى الدول الآسيوية لافتتاح بعض المشاريع الخيرية، بصحبة ثلة من أهل الخير والمتبرعين، وبعد حفل الافتتاح في إحدى الجزر الكبرى في تلك الدولة، دعينا على الغداء في المركز الإسلامي، وفوجئنا بأن الغداء كان «مطبق سمك ودقوس»، فأكل الوفد بحرارة بعد انقطاع دام أياماً بأكلات آسيوية، وبعد أن انتهينا من الغداء قلنا لرئيس المركز: هذه الطبخة كويتية.
فقال: نعم.. إنها من طبخ بناتكن من خريجات جامعة الكويت الحاصلات على منح دراسية، وقد تعلمن هذه الطبخات من خلال الأنشطة الطلابية، وعلاقتهن بالطالبات الكويتيات.
وأردف قائلاً: إنهن فرحات جداً بقدومكم، وقد كتبن لكم أبيات شعر ترحيبية على السبورة باللغة العربية، وما زلن يستذكرن تلك الأيام الطيبة التي قضينها في الكويت، ورأين فيها العلم والخير والبركة.
وهن الآن يطلبن من الوفد أن ينشد لهن بعض الأناشيد الكويتية المشهورة، فما كان من الشيخ سعود الكندري، يرحمه الله، إلا أن بادرهن بالنشيدة تلو الأخرى، ونحن نردد معه، وهن ينظرن من خلف النوافذ والأبواب والفرحة تغمرهن.
استذكرت هذه الزيارة واستشعرت أثر عمل الدولة الخيري في العالم، دون انتظار شكر أو اشتراط أمر، وكان نصيبي مع أناس قدروا ذلك ومازالوا يقدرونه.
وأذكر خلال جولاتي برفقة د. خالد المذكور، حفظه الله، أن أحد السفراء الكويتيين طلب من د. خالد أن يكلم وزارة التربية لتقديم المزيد من المنح الدراسية لهذه البلاد وغيرها، ابتداءً من المعهد الديني، ومروراً بالمعاهد المهنية والكليات التخصصية، لأن وزراء التربية في تلك البلاد يثقون بمخرجات التعليم في الكويت، خصوصاً في مجالات الدراسات الإسلامية والشريعة، ويرون أن من يعود من الكويت يكون معتدلاً غير متطرف، كما يحصل في دول أخرى.. وبين السفير أن أعداد المنح المطلوبة للدراسة في الكويت أكثر من المطروحة.
وبالفعل تم نقل هذه الملاحظات لوكيل وزارة التربية آنذاك بشكل شفوي، ولا أعلم إن اتخذ أي إجراء لذلك.
هذه السمعة الطيبة للكويت في مجال الفكر الوسطي والاعتدال الديني، إنما هي صورة إيجابية للفكر التربوي والتعليمي في الكويت، وينبغي أن تحافظ وزارة التربية على هذا المستوى بشكل يتناسب مع تجدد الحياة، واتساع الخدمات، وبالأخص في المعهد الديني للمرحلتين المتوسطة والثانوية، والدراسات الإسلامية في كلية التربية، ودراسات كلية الشريعة في الجامعة، وغيرها من التخصصات، والذين شاركونا المقاعد منذ السبعينيات.
وكان الأمر في السابق أيسر في قبول الطلبة من خلال الجمعيات الخيرية الكويتية، أو الرموز الإسلامية الذين يمثلون الكويت في محافل كثيرة، فتكون مناسبة لإحضار عشرات الطلبات من كل بلد، إلا أن الوزارة بدأت تجعل استقبال الطلبات عن طريق سفارات تلك الدول، التي غالباً تكون القرى بعيدة عنهم، ويحرصون على اختيار المقربين لديهم من نفس الحزب، وأحياناً يرسلون غير مسلمين لتضطر الوزارة لقبولهم في مجالات أخرى، رغم أن الأصل والحاجة هي في المجال الشرعي.
ولفت نظري في حملة «بالقرآن نرعاهم» التي نظمتها جمعية المنابر القرآنية لدعم ذوي الهمم في تعلم القرآن الكريم وحفظه، وجود شباب صم من البحرين وعُمان يدرسون في مدرسة الصم الكويتية باستضافة وزارة التربية، فسعدت لذلك كثيراً، وأن الوزارة مازالت تستضيف الطلبة من مختلف دول العالم.
إن أثر عمل الخير سيبقى مخلداً عبر الزمن، وما علينا سوى الاستمرار به وتطويره ودعمه، والله يحفظ الكويت من كل شر.
__________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.