– “مكة الصغيرة” أو “لينكسيا” مدينة نائية في الصين يعيش فيها المسلمون منذ مئات السنين تواجه حملة دينية صارمة من بكين
– المسلمون في مدينة لينكسيا بشمال غرب الصين كانوا يتمتعون في السابق بحرية دينية نسبية
– السكان المحليون أعربوا عن مخاوفهم من التحرك المتعمد من قبل حزب المجتمع الحاكم للقضاء على الإسلام
– يُحظر على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة ممارسة الأنشطة أو الدراسات الدينية في المنطقة
أثيرت مخاوف حول حملة الحكومة الصينية الواضحة على المنطقة ذات الأغلبية المسلمة في مقاطعة جانسو شمال غرب الصين في محاولة لقمع الحركات الانفصالية المحتملة.
ومنذ مئات السنين، تمتع مسلمو الهُوي في لينكسيا، التي يطلق عليها اسم “مكة الصغيرة في الصين”، بملاذ للحرية الدينية.
ومع ذلك، فالسكان المحليون يخشون من احتمال تعمد الحزب الشيوعي الحاكم العمل على القضاء على الإسلام في المنطقة حيث تم تنفيذ لوائح مشددة ضد ممارسة الدين في السنوات الأخيرة.
ويخشى الكثير من مسلمي الهوي في لينكسيا من الرقابة والقمع المتشابهين لما يواجه الأويجور في إقليم شينجيانج، وهي المنطقة ذات الأغلبية المسلمة في أقصى غرب الصين.
وفي حين أن هاتين الطائفتين العرقيتين تشتركان في نفس الدين، إلا أن مواقف الأويجور والهوي فيما يتعلق بالحكومة الصينية والمجتمع تبقى مختلفة بشكل جذري، وفقاً للخبراء.
فلا تزال المساجد ذات القباب الخضراء تهيمن على أفق لينكسيا، ولكنها خضعت لتغيير عميق، فلم يعد يسمح للأولاد يفلتون بالدخول إلى الفصول الملحقة بالمساجد أو حتى بالصلاة.
وفيما يقوله السكان المحليون لوكالة “فرانس برس” أنهم يخافون من التحرك المتعمد لقمع الإسلام، فقد حظر الحزب الشيوعي القاصرين تحت سن 16 سنة من النشاط الديني أو الدراسة في لينكسيا.
ومن بين سكان مدينة لينكسيا البالغ عددهم 2.18 مليون نسمة، هناك 1.3 مليون شخص (59%) من المسلمين، وفقاً لما أوردته “جلوبال تايمز” نقلاً عن بيانات رسمية، ومعظم المسلمين في لينكسيا هم من الأقليات العرقية في عرقية الهوي.
يذكر أن الصين تحكم منطقة شينجيانج، وهي منطقة أخرى ذات أغلبية مسلمة في أقصى غربها، بقبضة من حديد للتخلص مما تسميه “التطرف الديني” و”النزعة الانفصالية” في أعقاب الاضطرابات الفتاكة، ويرمي الأويجور إلى معسكرات إعادة تعليم غامضة دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة بسبب مخالفات بسيطة مثل امتلاك القرآن أو حتى نمو اللحية.
والآن، يخشى مسلمو الهوي من فتنة وسيطرة مماثلين لما يحدث للأويجور.
وقد قال إمام بارز طلب عدم ذكر اسمه: لقد تغيرت الرياح في العام الماضي، مضيفاً: بصراحة، أنا خائف جداً من أنهم قد يطبقون نموذج شينجيانج هنا.
وقد قامت السلطات المحلية بتقليص عدد الطلاب الذين تزيد أعمارهم على 16 سنة بشكل رسمي للسماح لهم بالدراسة في كل مسجد وقللت الاعتماد على الأئمة الجدد.
كما أوعزوا للمساجد بعرض الأعلام الوطنية والتوقف عن سماع الأذان للحد من “تلوث الضجيج”، حيث تم إخراج مكبرات الصوت بالكامل من جميع المساجد البالغ عددها 355 في إحدى البلدات المجاورة.
وقال الإمام: إنهم يريدون علمنة المسلمين، وقطع جذور الإسلام، وفي هذه الأيام، لا يُسمح للأطفال بالإيمان بالدين، الإيمان المسموح به هو فقط بالشيوعية والحزب.
خائف.. خائف جداً
اعتاد أكثر من ألف فتى الحضور إلى مسجده متوسط الحجم لدراسة الأساسيات القرآنية خلال العطلة المدرسية الصيفية والشتوية، ولكنهم الآن محرومون حتى من دخول المبنى.
لا تزال فصوله مليئة بالكتب العربية الضخمة من المملكة العربية السعودية، ذات اللون البني والمجلدة بالجلد الثقيل، ولكن يُسمح الآن فقط لعدد 20 تلميذاً مسجلاً رسمياً فوق سن 16 عاماً باستخدامها.
وقد أُخبر أولياء الأمور بأن الحظر المفروض على الدراسة القرآنية اللامنهجية كان من أجل صالح أطفالهم، حتى يتمكنوا من الراحة والتركيز على الدورات الدراسية العلمانية.
“نحن خائفون.. خائفون جداً”، قالت مالان (45 عاماً) التي انسكبت دموعها بهدوء في وعائها غير المأكول من حساء اللحم البقري؛ “إذا استمرت الأمور على هذا النحو فإن تقاليدنا ستختفي بعد جيل أو جيلين”.
ويفتش مفتشون مسجدها المحلي كل بضعة أيام خلال العطلة المدرسية لضمان عدم وجود أي من صبية القرية البالغ عددهم 70.
وحاول إمامهم في البداية أن يعطي الدروس سراً قبل شروق الشمس لكنهم سرعان ما استسلموا خوفاً من التداعيات.
وبدلاً من الدراسة لخمس ساعات في اليوم في المسجد، ظل ابنها البالغ من العمر 10 سنوات في المنزل يشاهد التلفاز، وهو يحلم بأن يكون إماماً، لكن مدرسيه شجعوه على كسب المال ليصبح كادراً شيوعياً، على حد قولها.
الخوف من المستقبل
يبلغ عدد السكان الهوي حوالي 10 ملايين نسمة، نصف سكان البلاد من المسلمين، وفقاً للإحصاءات الحكومية لعام 2012.
وفي لينكسيا، تم دمج الهوي تاريخياً بشكل جيد مع الأغلبية العرقية من الهان، القادرين على التعبير صراحة عن إخلاصهم وتركيز حياتهم حول عقيدتهم.
وتطهي النساء اللواتي يرتدين الحجاب ضأنًا في المطاعم الحلال ذات الجدران الزجاجية بينما تتدفق تيارات من الرجال ذوي البشرة البيضاء إلى المساجد لأداء صلاة العصر، ويمرون بمحلات بيع السجاد والبخور و”شاي الكنوز الثمانية”، وهو مشروب محلي يشمل التمر وبراعم الأقحوان المجففة.
لكن المسؤولون المحليون وقعوا مرسوماً، في يناير الماضي، حصلت عليه وكالة “فرانس برس” تعهدوا فيه بالتأكد من عدم قيام أي فرد أو منظمة بدعم أو السماح أو تنظيم أو توجيه القاصرين نحو دخول المساجد لدراسة القرآن أو الأنشطة الدينية، أو دفعهم نحو المعتقدات الدينية.
وطُلب من جميع الأئمة أن يذعنوا، وقد رفض واحد منهم، مما أثار غضباً من المسؤولين وإحراجاً لزملائه، الذين تجنبوه منذ ذلك الحين.
“لا أستطيع التصرف عكس معتقداتي، الإسلام يتطلب التعليم من المهد إلى اللحد، بمجرد أن يتمكن الأطفال من التحدث، يجب أن نبدأ بتعليمهم حقائقنا”.
وقال: “يبدو الأمر وكأننا نتراجع ببطء نحو القمع الذي تم أثناء الثورة الثقافية”، وهو تطهير وقع على مستوى البلاد بين عام 1966 حتى عام 1976 حدث فيها تفكيك للمساجد المحلية أو تحولت إلى حظائر للحمير.
واشتكى أئمة آخرون من أن السلطات تصدر عددًا أقل من الشهادات اللازمة لممارسة التعليم، والآن تصدر فقط لخريجي المؤسسات التي تقرها الدولة.
وفي الوقت الحالي، هناك ما يكفي منا، لكنني أخشى من المستقبل، وقال أحد الإمامين: إنه حتى لو كان هناك طلاب، فلن يكون هناك أي شخص ذي جودة وقدرة على تعليمهم.
وقد فشلت السلطات المحلية في الرد على مكالمات متكررة من وكالة “فرانس برس” للحصول على تعليق، لكن حظر الشباب في لينكسيا يأتي في الوقت الذي تطرح فيه الصين لوائحها الخاصة بالشؤون الدينية المعدلة حديثًا.
وقد كثفت قوانين العقوبات المفروضة على الأنشطة الدينية غير المصرح بها في جميع الأديان والمناطق.
وقال وليام ني، الباحث الصيني في منظمة العفو الدولية: إن بكين تستهدف القاصرين كطريقة لضمان القضاء على التقاليد الدينية مع الحفاظ على سيطرة الحكومة على الشؤون الأيديولوجية.
عنيف ومتعطش للدماء
وقال إمام آخر: إن الوضع المتوتر في شينجيانج هو أصل التغييرات في لينكسيا.
وتعتقد الحكومة أن “الورع الديني يعزز التعصب، الذي يفرز التطرف، الذي يؤدي إلى أعمال إرهابية؛ لذا فهم يريدون فرض العلمنة علينا”.
لكن العديد من الهوي يسارعون إلى تمييز أنفسهم عن الأويجور.
إنهم يؤمنون بالإسلام أيضًا، لكنهم عنيفون، وقالت ماجيان تساي (40 عاماً) وهي مصففة شعر تعتمد على القوالب النمطية الشائعة: “لا شيء من هذا القبيل”.
وقال أحد الباحثين الشباب من شينجيانج، وهو يجلس تحت الأفاريز الأنيقة لمجمع ضريح للصوفية: إن أسرته أرسلته وحده منذ سن الخامسة إلى لينكسيا لدراسة القرآن الكريم بحرية غير ممكنة في مسقط رأسه.
“الأشياء هنا مختلفة جداً”، قال وهو مقطب الجبين: “آمل أن أبقى هنا”.
من هم مسلمو الهوي الصينيون؟
المسلمون ليسوا وجوداً جديداً في الصين، فمعظم الجاليات المسلمة في الصين، مثل الهوي والأويجور والكازاخ، موجودون في الصين منذ أكثر من 1000 عام، وفقاً لمركز “بيو” للأبحاث.
ويبلغ عدد المسلمين الهوي 10 ملايين نسمة، وهو نصف عدد المسلمين في الصين، وفقاً لإحصاءات الحكومة لعام 2012.
وهم يتركزون في منطقة نينجشيا ذاتية الحكم، ولكنهم موجودون أيضاً في كل مدينة صينية كبرى.
وبالمقارنة، يبلغ عدد الأويجور حوالي 8 ملايين ويقيمون في شينجيانج، وهي مقاطعة شاسعة في شمال غرب الصين.
وفي حين أن الأويجور وشعب الهوي يتبعون نفس الدين من حيث المبدأ، فإن مواقفهم فيما يتعلق بالحكومة الصينية والمجتمع تبقى مختلفة بشكل جذري، وفقاً للخبراء.
فعلى عكس الأويجور، الذين يتكلمون اللغة التركية ويتحدثون عن العرق، فإن شعب الهوي لا يتحمسون للحصول على مزيد من الحكم الذاتي، ناهيك عن الانشقاق عن الصين، وفقاً لمجلة “التايم”.
وعلى الصعيد العرقي واللغوي، فإن الهوي، الذين كان أسلافهم من التجار الفرس والآسيويين والعرب الذين انتشروا على طريق الحرير وتزاوجوا مع الصينيين المحليين، لا يمكن تمييزهم عن غالبية الهان الصينيين.
وجزئياً بسبب انجذابهم الثقافي إلى الهان والتشتت الجغرافي، فإن الهوي أكثر اندماجاً في الحياة الصينية السائدة أكثر من الأويجور الذين يعيشون في المناطق الحدودية الصينية.
وفي أعقاب سلسلة من الاضطرابات المميتة في المنطقة، يواجه الأويجور قدراً كبيراً من التمييز على مستوى الدولة لسحق الحركات الانفصالية المحتملة.
وقد اعتادوا منذ فترة طويلة على فرض قيود صارمة على اللباس والممارسة الدينية والسفر بعد سلسلة من أعمال الشغب المميتة في عام 2009 في أورمتشي.
____________________________________________________________________________________________________