مرّت سنة صعبة على تونس؛ سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، تمثلت في حالة الاحتقان الاجتماعي، بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وتغييرات في الحقائب الوزارية، فضلاً عن تداول حكومتين على إحدى أهم ركائز السلطة التنفيذية، هما حكومة حبيب الصيد، ويوسف الشاهد، علاوة على الهزّات السياسية الممثلة في تفجّر بعض الأحزاب وتبخر أخرى على غرار حزب نداء تونس، والحزب الوطني الحر، وظهور بوادر تشكيل حزب جديد، ليوسف الشاهد، بعد خلافه العميق مع الرئيس الباجي قايد السبسي.
كما شهد عام 2018 صراعاً ثقافياً بين أنصار الهوية والخلفية الثقافية الإسلامية، ودعاة التغريب والتقليد اللائكي حول مسألة المواريث، وحرمان الورثة الشرعيين من حقهم في الميراث، وحصره في الأبناء ذكوراً وإناثاً، مع المساواة بينهم، وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة على حقوق المرأة، وتحديداً النفقة في حالتي الزواج والطلاق حيث ستصبح مطالبة لا بالمساهمة في نفقات البيت فحسب، بل الإنفاق على طليقها إذا كانت تعمل وهو لا يعمل، وتلك انتكاسة كبرى ليس هذا مجال عرضها وتحليلها.
ورغم أن المسألة لم تحسم بعد، فإن هناك أملاً في أن تتلاشى اللوثة في عام 2019 مع التطلع لنجاحات أخرى على مسار الانتقال الديمقراطي، كإرساء المحكمة الدستورية، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي ستدخل بعدها تونس لنادي الأمم الحرة، من الباب الكبير.
القمّة العربية
من المنتظر أن تحتضن تونس في نهاية مارس المقبل الدورة 30 للقمة العربية، واستعداداً لهذه المناسبة عقد وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي اجتماعاً مع كل من الأمين العام المساعد رئيس مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي، والأمين العام المساعد لقطاع الشؤون الإدارية والمالية بالجامعة عبدالله جرمان؛ لمواصلة الاستعداد لتنظيم الدورة العادية الثلاثين للقمة العربية المقرر عقدها بتونس في مارس 2019م، وقد وصل تونس الأسبوع الماضي وفد من مسؤولي جامعة الدول العربية للاطلاع على سير إعداد تونس لعقد القمة العربية.
يُذكر أن استضافة تونس القمة المقبلة جاءت بعد اعتذار مملكة البحرين عن عقد القمة فوق أراضيها.
ورغم أن القمة لا ينتظر منها الكثير لا على الصعيد العربي ولا التونسي، بناء على نتائج القمم السابقة، وضعف الحضور العربي الفاعل والوازن في كل من ليبيا والعراق وسورية وغيرها، وتذيّل العرب للموقف الدولي المتأرجح بين شد روسيا وإرخاء الغرب، رغم ذلك فإن عقد القمة العربية في تونس دليل على أن البلاد التي شهدت أولى الثورات العربية لا تزال متماسكة وآمنة وتواصل سيرها الحثيث نحو مستقرها الديمقراطي، وعقد القمة فوق أراضيها اعتراف ضمني بذلك.
الانتخابات التشريعية والرئاسية
ينتظر التونسيون في عام 2019 موعداً مهماً، كما أشرنا آنفاً؛ وهو الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي ستعيد خلط الأوراق خلافاً لما حصل في عام 2014 عندما تجمّعت القوى المناهضة للثورة، لإحداث انقلاب على الثورة عبر صناديق الاقتراع، لكنها لم تحقق نصفه، واضطرت للتوافق مع حزب حركة النهضة، وهو ما منعها من تحقيق جميع شروط الانقلاب الناعم على مسار العدالة الانتقالية، بل الانتقال الديمقراطي برمته، لا سيما وأنه كان في برنامج الدولة العميقة وأعداء الثورة تغيير الدستور، وإنهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة قبل موعده، وإعادة البلاد إلى مربع الاستبداد، وهو ما لم يتم، بفضل يقظة الشعب وقواه الحية، ولا شك فإن انتخابات 2019 تعد إحدى المحطات الكبرى في تاريخ البلاد، بصفتها ثالث تجربة من نوعها تحظى بها تونس بعد ثورة الحرية والكرامة.
وتكتسي الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع إجراؤها نهاية هذا العام أهمية بالغة لدى الفاعلين السياسيين المحليين والشركاء الدوليين بالنظر لمركزية تونس بصفتها الدولة الوحيدة التي نجحت في الوصول إلى برّ الأمان بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011.
تركيز المحكمة الدستور
تعدّ المحكمة الدستورية من بين أولويات البرلمان في الشهر الأول من عام 2019 ومن المنتظر أن ينهي أعضاء مجلس نواب الشعب مسلسل الفشل في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية هذا العام، وتعد المحكمة الدستورية الحلقة الثانية في الوضع الدائم للسلطة القضائية بعد إرساء المجلس الأعلى للقضاء الذي يطالب اليوم بتسهيل وتسريع إرساء المحكمة، التي من مهامها التحكيم في خلافات دستورية مشاريع القوانين، والتفسيرات المتباينة لنصوص الدستور، كما حدث في عام 2018 بخصوص موافقة البرلمان من عدمه على التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة.
سنة مفصليّة.. عام العمل
وقد اعتبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في خطابه بمناسبة نهاية السنة الإدارية أن عام 2019م سيكون عاماً مفصلية، لكونه يمثل نهاية الولاية الرئاسية والبرلمانية، كما سيشهد انتخابات هي الثانية منذ إصدار دستور جديد للبلاد عام 2014، وأضاف السبسي في كلمته: نستقبل عام 2019 بكثير من المسؤولية والتفاؤل لأنه عام فاصل، وهو عام انتخابي بامتياز سيجري خلاله انتخاب رئيس للجمهورية، ونواب الشعب في انتخاب حر ونزيه وشفاف.
من جانبه، دعا زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك” التونسيين إلى مزيد العمل خلال عام 2019 من أجل تجاوز الصعوبات التي تمر بها البلاد، وقال الغنوشي مخاطباً التونسيين: فليكن شعارُنا في هذه السنة الجديدة العمل الصّادق الجاد من أجل نجاح تونس وتقدّمها.
وكتب الغنوشي ما يلي: “كلّ الأمم والشعوب الناجحة حققت تقدمها بواسطة العمل ولا شيء غير العمل، فليكن شعارُنا في هذه السنة الجديدة هو العمل الصّادق الجاد من أجل نجاح تونس وتقدّمها، إن شاء الله”.